إيران ومعركة حيدر العبادي

mainThumb

19-08-2018 01:15 PM

 توحي الهجمة السياسية والإعلامية التي يتعرّض لها رئيس الحكومة العراقيّة حيدر العبادي، والمصحوبة بامتناع طهران عن استقباله، بحراجة الموقع والموقف العراقيّين، لكنها توحي أيضاً بتوافر فرصة لا يجوز إهمالها.

فالعبادي الذي صرح بعدم اتفاقه مع سياسة العقوبات، قال أيضاً إنه لا يستطيع إلا أن يلتزم بها، حرصاً على مصالح العراق الوطنيّة، وتعبيراً عن مدى قدراته المتواضعة.
 
بعد ذاك، وفي مناخ الهجوم عليه، خفف موقفه، بحيث يقتصر على عدم التعامل بالدولار مع طهران.
 
وما فعله العبادي هو الموقف الصائب للسياسي الذي يغلّب المصلحة الوطنية لبلده ويأخذ في الوقت نفسه بتوازنات القوى في اعتباره.
 
ونذكر أن إيران لم تفعل إلا الشيء ذاته حين كان العراق يتعرض لعقوبات قاسية أفقرت شعبه من دون أن تضعف سلطة صدام حسين.
 
لكن موقف العبادي يصطدم بوقائع ومصالح تراكمت منذ 2003، ولا سيما منذ الانسحاب الأميركي الذي بدأ في 2007 ، واكتمل في 2011، واضعاً العراق تحت رحمة إيران بوصفها اللاعب الأوحد.
 
هنا كانت تتلاقى إرادتان فاعلتان: الأولى إيرانية تعمل على ملء الفراغات التي يخلفها الاحتجاب الغربي، خصوصاً الأميركي، وتسعى انطلاقاً من العراق المجاور إلى التحكم بمدى جغرافي إمبراطوري يصل إلى اليمن جنوباً وإلى قطاع غزّة غرباً، على أن تغدو لطهران الكلمة الفصل في أوضاع بضعة بلدان عربية، في طليعتها سوريا، فضلاً عن التحكم بمجريات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
 
أما الإرادة الثانية، فتعود إلى بعض القوى الشيعية العراقية التي حظيت دوماً برعاية إيران ودعمها.
 
فهذه الأخيرة – وعلى رأسها رئيس الحكومة السابق نوري المالكي وقوات الحشد الشعبي، والميليشيات المشكّلة له – آثرت منذ البداية أن تقدم العراق هديةً على طبق من ذهب إلى إيران.
 
والحال أن هذه العلاقة تطرح بين أمور أخرى، ذاك الالتباس البعيد التي تعانيه منطقتنا بين الهوية الوطني،ة والهويات الدينية والمذهبية.
 
على أي حال، كان لتلاقي هاتين الإرادتين الديناميتين أن أسس شبكة هائلة من المصالح والولاءات المعطلة للدولة العراقية ولحسن اشتغالها، إلى جانب استفزازه للوطنية العراقية، وتنفيره للعراقيين غير الشيعة، من سنّة عرب وأكراد وسواهم.
 
ومؤخراً بلغت سيرورة الانهيار محطة متقدمة، على ما تدل الاحتجاجات والتحركات الشعبية ضد الفساد، وأزمات نقص الماء والكهرباء المستفحلة، والتي سبقتها مواقف مقتدى الصدر التي أحلّت كتلته في صدارة التمثيل البرلماني في العراق.
 
في موازاة ذلك، كانت حراجة الموقف تكتسب صوراً وأشكالاً شتى: فمن جهة، لم يتردد المحتجّون في تسمية إيران، والمطالبة بالتحرر من نفوذها ونفوذ التابعين لها.
 
ومن جهة أخرى، باتت المشروع الوطني العراقي، في ظل تلك السياسات، مهدداً بتحديات غير مسبوقة، كالمطالبة بتحويل مدينة البصرة إلى «لواء»، وظهور «حراك جنوبي» يطالب بفصلها عن سائر العراق.
 
أغلب الظن أن قناعة حيدر العبادي بضرورة الإقدام على خطوة غير مألوفة، تحد من الانهيار العراقي، تجد في مرجعية السيستاني صدى لها.
 
فالثقل الذي يمثله المرجع الشيعي الأكبر سيكون أساسياً في مواجهة القوى التي سارعت إلى فتح النار على رئيس الحكومة، ضاربةً بسيف إيران، لكنّ المؤكد أيضاً أن أوضاع إيران نفسها عنصر تشجيع لا يُستهان به.
 
فالظروف الاقتصادية بالغة السوء معطوفة على النزاعات المتفاقمة داخل الجماعة الحاكمة، وتصاعد الاتهامات في ما بين أطرافها، تشجع كلها على الإقدام وانتزاع حرية العراق من براثن طهران.
 
وهذا لا يلغي أن الأخيرة ستحاول، مباشرة أو مداورة عن طريق أتباعها، استئناف المعركة ضد العبادي بكل الوسائل التي تملكها. ذاك أن خسارة العراق مقدمة حتمية لنهاية المشروع الإقليمي والإمبراطوري الذي ترعاه إيران.
 
والعراق، في نهاية المطاف، أهم كثيراً من أن تتخلى عنه إيران، ولأنه كذلك، يغدو من المُلحّ أن تقول الدول العربية كلمتها، وأن تُرفقها بالأفعال في مواجهة لا تقتصر آثارها على العبادي، أو حتّى على العراقيين وحدهم.
 
* نقلاً عن "الاتحاد"
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد