قصة قصيرة واقعية اسمها الطفل هاشم الكردي !

mainThumb

28-09-2018 08:58 AM

السوسنة - خارت قواه فلم يعد يقوى على الصراخ، أغمض عينيه على آخر مشهد طوته ذاكرته قبل أن تأخذه الغيبوبة إلى متاهات السؤال.. فقد تلقى عن والديه الضربة القاضية، وها هي الطيور الخضر ترفرف بأجنحتها من حوله.. تنتظر المشهد الأخير حتى يكتمل بدر الحكاية لترتحل به إلى السماء.. حيث فردوس العدالة.
 
غاب هاشم عن الوعي فمال برأسه إلى ذراع والدته التي دبت المكان بالصراخ:"قتلتم هاشم". وكان بوسعها وهي تلثم وجهه المليء بالكدمات أن تقرأ في عينيه الغائمتين لهاثه إليها وكأن لسان حالهما يقول:"انقذي بابا" .. 
 
هكذا بدأت الحكاية.. إذ كان كل هذا الضجيج يأتي من طابورِ سياراتِ (الفاردةِ) التي استحوذت على الطريق.. قالت أم هاشم حينذاك وهي تدعو للعروسين بالرفاه والبنين:
 
" فقط لو يفسحوا لنا الطريق قليلاً فقد تأخرنا عن الموعد"
 
 كانت (الفاردة) تطوف الشوارع ، فتحاصر السيارات الأخرى، تربك الزحام وتأجج بركان الغضب في قلوب أنهكها الضجر:
 
" افسحوا لنا الطريق يا شباب، سيروا بالفاردة جانباً"
 
ولكن دون جدوى، كأنه احتلال لا يأبه حتى بعدسات المراقبة المنتشرة عند تقاطعات الطرق المزدحمة بالسيارات.. وكانت الفرصة مواتية للسيارة التي تقل هذه العائلة المسالمة كي تتقدم الطابور.. وقلوب من فيها تدندن مع المبتهجين وتدعو للعروسين بالبهجة والسرور، حتى الطفل هاشم بدا وكأنه يشاركهم الفرح.
 
وبغتة كأن الأمر تحول إلى مكيدة، كان المحتفلون يعربدون كأنهم في ساحة الوغى، ضاربين بالقانون عرض الحائط، يصرخ أحدهم باستخفاف وغضب حتى بحَّ صوته وانتفخت أوداجه، كان يوجه أنظاره الساخطة إلى أبي هاشم الذي أدرك الموقف محاولاً إخراج سيارته من بين سيارات العرس: 
 
"كيف تتجاوز سيارة العروسين يا (...!).."
 
وفي لحظات تداعت الذئاب المستعرة إلى والد هاشم.. تتباهى بمضاء مخالبها.. تستبيح من بالسيارة.. تنقض على كل من يعكر سكرتها وتطلق العواء في سماء مهدورة الأحلام.. كل ما يتذكره هاشم، أن الزعران نالوا منه بالضرب.. ونقل مع والديه إلى المستشفى. وهناك ذاب قلب هاشم كشمعة ظلت تستنزف دماً حتى اليوم العاشر.. كان والداه منشغلين به.. يتأملان وجهه الآفل كأنه في رحلة غياب إلى الأبدية.. مات هاشم تاركاً خلفه جليد الخيبة وهديل الحمائم وهي تندب الحقول بعد يباب..
 
رحمك الله يا هاشم ورزق وألهم والديك الصبر والسلوان 
 
بقلم الكاتب بكر السباتين 
28 سبتمبر 2018
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد