ليبيا والعودة من الدولة إلى القبيلة - د. جبريل العبيدي

mainThumb

13-10-2018 03:33 PM

 ليبيا من تجمع قبائل متفرقة إلى مملكة اتحادية في عام 1951، ثم مملكة مندمجة إلى جمهورية ثورية، ثم دولة جماهيرية بمفهوم «الأخ العقيد»، ونظريته «العالمية الثالثة» في «الكتاب الأخضر»، و«سلطة الشعب» والبرلمانات (المؤتمرات الشعبية) كبديل لسلطة النواب عن الشعب، التي بقيت مجرد فكرة غير واقعية التحقق، رغم إصرار العقيد القذافي على ممارستها، ولو بشكل صوري، طيلة أكثر من 30 عاماً، إلى أن انتهت الدولة وسقطت في فبراير (شباط) 2011.

ولكن نفوذ القبيلة في كثير من الأحيان يطغى على نفوذ الدولة، بل إن سلطة القبيلة كثيراً ما استطاعت الوقوف أبعد من سلطة الدولة ونفوذها، وهذا التنازع في النفوذ والسلطة هو ما عاد بليبيا من سلطة الدولة إلى سلطة القبيلة مرة أخرى، بسبب الوجود المزدوج للسلطتين (القبيلة والدولة).
 
فالقبيلة في الأنثروبولوجيا، كوحدة للبناء الاجتماعي في المجتمع، تبقى هي الكيان القادر على امتصاص - بل وابتلاع - الأسرة، على أساس الانتماء إلى الأصل نفسه، ولكنها في النهاية أشبه بتجمع للعصبيات، كما وصفها ابن خلدون، للقبيلة دون تمييز، وإن كان هذا التوصيف من غير المقبول الإقرار والقبول به، لأنه يحصر مفهوم القبيلة فقط بالتصور الشرير للقبيلة، بهذا الشكل المطلق كتجمع للعصبيات، فالقبيلة في التاريخ الليبي الحديث كان لها دور في استعادة الدولة مرتين؛ الأولى في حرب التحرير من المستعمر الإيطالي، إلى أن كتبت الدستور، والثانية عندما التفت القبائل حول الجيش الليبي في حربه على الإرهاب والإرهابيين واستعادة الدولة مرة أخرى.
 
ولكن تسلل القبيلة إلى المحاصصة السياسية يعتبر من أسباب استمرار الأزمة الليبية الحالية، بسبب غياب ثقافة ممارسة الديمقراطية وتداول السلطة لزمن طويل؛ وما كان موجوداً مجرد شكل عبثي تحت اسم «سلطة الشعب». وبالتالي، لم تولد في ليبيا أي تجربة ديمقراطية يمكن التعويل عليها، في ظل أزمة لها أطراف كثيرة متنوعة، بين خارجية وأخرى داخلية، وهم من يمثلون الدولة العميقة التي هي مشابهة لفكرة دولة داخل الدولة، قد تستخدم العنف بطريقة خفية في الأغلب للتأثير على النخب السياسية لضمان تحقق مصالح معينة ضمن الإطار «الديمقراطي» ظاهرياً. وبتعريف آخر، هي شبكة مصالح متشابكة ومترابطة، أفرادها يعملون لهدف مشترك، وهو الدفاع عن مصالحهم وامتيازاتهم خارج إطار القانون والمجتمع والدولة، في ظل وجود أغلبية صامته تسمع منها صرخة عن الوطن والوطنية، وحديثاً عن التضحية، قد يكون لخصه المفكر برتراند راسل بقوله: «الوطنيون دائماً ما يتحدثون عن الموت في سبيل بلادهم، لكنهم لا يتحدثون أبداً عن القتل في سبيلها». ولهذا، لا يزال هناك من يتحدث أكثر مما يستمع أو يفعل، وتحولت بذلك ليبيا عند هؤلاء لمجرد شاشة تلفزيونية، أو هاتف يتحدث فيه، أو «فيسبوك» يتفوه فيه بما يظن أنه نافع وحل لأزمة الوطن، بينما يبقى هو جالساً على كنبة، مكتفياً بالفرجة والثرثرة دون المشاركة.
 
ولكن رغم أخطاء القبيلة في ممارسة السياسة في ليبيا، فإن القبيلة كانت - ولا تزال - عنصر استقرار وطني خالياً من الأجندات الخارجية في كثير من الأزمات والأخطار، مما يجعل من تفكيك القبيلة والسياسة معادلة صعبة الحل، في ظل غياب حضور حزبي آمن موثوق به، دون أجندات خارجية.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد