تصحيح فهم خاطىء عن الدعاء .. د. عامر الهوشان

mainThumb

14-10-2018 11:41 AM

 كثيرة هي العبارات والأمثال التي يستعملها عامة المسلمين في حياتهم اليومية , والتي يتعلق كثير منها بالدين عقيدة وشريعة , والحكم الشرعي في هذه الأمثال والمصطلحات واضح في الإسلام , فما وافق منها شرع الله ونصوص القرآن والسنة فهو مشروع , وما خالف منها ذلك فهو منهي عنه ومذموم 

اقرا أيضا : مصير مرعب لصحفيين كشفا مجزرة ضد الروهينغا 

وإذا كانت بعض العبارات واضحة الذم والتناقض مع العقيدة الإسلامية , كترديد بعض العامة عبارة " لا حول الله " بدل عبارة " لا حول ولا قوة إلا بالله " التي تعني أنه لا حَركة ولا استطاعة ولا قوة إِلا بمشيئة الله , فلا حول ولا قوة إلا بالله كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له،  وأن العبد لا يملك شيئا من الأمر، فلا حول للعبد في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله , والتي تتناقض تماما مع العبارة التي يرددها العامة والتي تنفي الحول والحركة عن الله سبحانه تعالى .

اقرأ أيضا : فيديو مؤثر .. وافته المنية أثناء الصلاة داخل مسجد في السعودية

فإن بعض العبارات ليس فيها هذا التناقض والتصادم مع العقيدة أو الشريعة , وإنما فيها بعض المخالفة لمكانة بعض العبادات و الطاعات , ولعل من أمثال ذلك قول العامة عند وقوع مصيبة خاصة أو عامة " ليس لك – لنا - الآن إلا الدعاء " الأمر الذي قد يوحي بأن الدعاء غير ضروري قبل ذلك , وهو ما يتناقض مع حقيقة أهمية ومكانة الدعاء , سواء قبل وقوع المصيبة أو أثناء ذلك أو بعدها .

اقرأ أيضا : هذا ما تنقله الصحف السويسرية عن المسلمين 

ولعل من الأدلة على ذلك الخطأ الشائع عند عامة المسلمين عن مكانة الدعاء , أن كثيرا من الناس قد ينسى أثر الدعاء وفاعليته في أيام الرخاء , ولا يتذكر أن يدعو الله إلا إن وقعت به شدة أو محنة , وياليت الجميع يستمر في الدعاء أو يلتزمه بعد وقوع المصيبة , بل كثير من المسلمين يتركون الدعاء بعد فترة وجيزة من وقوع المصائب , الأمر الذي قد يوحي بأن دعاء البعض إنما هو لرفع البلاء والكرب بشكل عاجل , فإذا ما تأخرت الاستجابة أو طالت , أصيب الناس باليأس والقنوط المنهي عنه , وتوقف معظمهم عن الدعاء المطالب به .

لقد نسي من يرتكب مثل هذا الخطأ أن الدعاء في الإسلام عبادة كسائر العبادات , بل ربما يكون الدعاء هو ثمرة العبادات والهدف المقصود منها , ومن هنا ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن الدعاء هو العبادة ) ثم قرأ { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } . سنن ابن ماجة برقم 3828 وصححه الألباني .

ومن شأن العبادة أن تستمر ولا تتأثر بأمر الاستجابة من عدمها , لأن العبد مأمور بطاعة الله تعالى وعبادته في جميع الأحوال , وأما بشأن الاستجابة فقد وعد الله تعالى بها عباده في كتابه الكريم بقوله تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } غافر/60 ,

كما غفل هؤلاء عن تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم من خطر توقف المسلم عن الدعاء بدعوى أنه لم يستجب له , ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي ) صحيح البخاري برقم 6340

قال ابن بطال نقلا عن بعض العلمناء في معنى قوله : ( ما لم يعجل ) : يعني يسأم الدعاء ويتركه فيكون كالمان بدعائه، وأنه قد أتى من الدعاء ما كان يستحق به الإجابة، فيصير كالمبخل لربّ كريم، لا تعجزه الإجابة، ولا ينقصه العطاء . شرح البخاري لابن بطال 19/137

 

 

 

كما نسي من يتوقف عن الدعاء رغم استمرار مصابه وبلائه أن الله تعالى وعد عباده بالخير ما دام مستمرا بالدعاء والالتجاء إلى الله , فقد ورد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها أثم ولا قطيعة رحم الا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تعجل له دعوته , وإما أن يدخرها له في الآخرة , وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها . قالوا : إذا نكثر . قال : الله أكثر ) مسند الإمام أحمد برقم 11149 وقال فيه الأرناؤوط : إسناده جيد .

 

 

 

لقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء في جميع الأوقات وعلى كافة الأحوال , سواء في حالة اليسر أو العسر , في حالة الصحة أو المرض , في حال الرخاء أو الشدة والمحنة والابتلاء , وهو ما يجب أن يقتدي به المسلمون ويتأسون به .

إن عدم إدراك المسلمين لحقيقة الدعاء , وعدم فهمهم الصحيح لمكانة هذه العبادة العظيمة في الإسلام , كان وما زال سببا مؤثرا في تأخر نصر الله تعالى وفرجه على عباده المسلمين المنكوبين والمضطهدين في مشارق الأرض ومغاربها .

 

 

 

وإذا كنا قد قصرنا في إعطاء هذه العبادة حقها في أيام الرخاء والدعة , وفاتنا بذلك تحصيل وعد رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن يفعل ذلك بقوله : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكَرْبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ ) . سنن الترمذي برقم 3382 , فلا أقل من الاستمرار في الدعاء والتضرع إلى الله تعالى دون سأم أو يأس من الاستجابة , ونحن في أشد الحاجة لهذه العبادة في أيام الكرب والشدة والابتلاء التي نعيشها . 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد