المحاصصة الناعمة لا تداوي الجرح العراقي - د. ماجد السامرائي

mainThumb

16-10-2018 02:21 PM

 البداية إعلامية إعلانية واستخدام مفاجئ للإنترنت من قبل رئيس الوزراء المكلف عادل عبدالمهدي الذي تلقى، عبر موقع إعلامي، طلبات أكثر من خمسين ألف عراقي لشغل منصب وزير في حكومته المقبلة، صفّيت القائمة إلى ستمئة متقدم.

 
هذه التجربة تمزج ما بين الخيال السياسي والاعتراف بالمأزق السياسي وهو هيمنة الأحزاب على مسار العملية السياسية وحكوماتها، وأن تلك الأحزاب تدّعي أنها تنازلت عن تسمية رئيس الوزراء من داخل أحزابها، ويقال إن عبدالمهدي فُرض على الأحزاب باتفاق إيراني ورضا أميركي ومصادقة المرجعية الشيعية.
 
ما يهم هذه الأحزاب ليس الإعلان الإلكتروني وإنما استعادة الهيمنة عبر قوائم الوزراء التي قدموها لعبدالمهدي رغم إعلانهم الشكلي بأنه حرّ في الاختيار. والحقيقة هي أنهم قبلوا الخسائر لصالح رغبات عبدالمهدي غير البعيد عن بيت الإسلام الشيعي، بل هو في قلبه، في استوزار عدد محدود من الكفاءات خارج الأحزاب وبواسطة الموقع الإلكتروني.
 
والاحتمال المتوقع هو تجديد صيغة القسمة في الحكم بين الكتل الشيعية النافذة، الإصلاح والبناء، بأعداد أقل ولكن بفعالية أكثر. أي أن تكون الولاية لهاتين الكتلتين في ترشيح الوزراء السنّة بعد أن نجحوا في ترشيح وانتخاب رئيس البرلمان السنّي، مع احتفاظ الأكراد بخصوصيتهم المقبولة عبر الاتحاد الديمقراطي الكردستاني. فما الذي تغيّر؟ وأين شعارات هجر المحاصصة الطائفية؟
 
المتغيّر شكلي وهو الانتقال إلى المحاصصة الناعمة. لم يعترف قادة تلك الأحزاب بالفشل السياسي، ومقابل مرونتهم مع رئيس الوزراء الجديد لن يقبلوا بمداهمة محتملة لأوكار الفساد الرئيسية، وسيتركون له العنان في خطابات الإصلاح والتغيير والاسترشاد بالمرجعية والتوافق مع مقتدى الصدر، فقد سبق وأن سمعوا مثل هذه الخطابات في زمن حيدر العبادي، المهمّ الحفاظ على مرتكزات النظام السياسي.
 
هذا ما كان قادة تلك الأحزاب يخشونه من عزوف الناس عن الانتخابات المزوّرة، لكنهم حافظوا على السلطة في حدودها الدنيا، وهذا ما كان يخشونه من حركة الاحتجاج الشعبي في بغداد وجميع المحافظات خاصة انتفاضة أهل البصرة على تلك الأحزاب التي قدمت إنجازاتها في عطش الناس وجوعهم وبطالتهم.
 
هناك مساحة كبيرة للمرونة مع عادل عبدالمهدي يتصرف بها قادة الأحزاب، وهم  يتندّرون في ما بينهم حول عدم تأثير ذلك على مكانتهم ونفوذهم. ولا يجد قادة الأحزاب الشيعية ضررا في تلك العلاقة الشخصية بين رئيس الوزراء وبين رئيس الجمهورية برهم صالح، الذي يتحرك خلال هذه الفترة بدينامية إعلامية لتمييز نفسه عن سابقه فؤاد معصوم، مع أن محددات الدستور تضع لهذا المنصب صفة رمزية لا يتجاوزها إلى التنفيذ العملي والذي هو العلة الحقيقية في العراق.
 
العراقيون ليسوا بحاجة إلى من يملأ آذانهم بالكلام الجميل حول وحدة العراق، أو سماع الكلام الذي لا يعجبهم حول الانحياز المخلص لإيران التي خرّبت العراق ومازالت تخرّب شعبه وتدمّر ثرواته. والمشكلة ليست بهذه المقدمات الشكلية المغايرة للتقاليد السابقة، إنما في المواجهة الحقيقية لجهاز الدولة العراقية المخرّب من رأسه إلى كعبه منذ خمسة عشر عاما.
 
ألم يعرف عبدالمهدي ومعه جميع قادة الأحزاب بأن الوزارات تحوّلت إلى مكبّات للمتخلفين المتحصّنين بأحزابهم. وإن كانت لدى عادل عبدالمهدي، حسب البعض، مواصفات أولية شخصية تشجّع على التفاؤل، فهل سيتمكن من اختراق المحاصصة الناعمة أم سيتوافق معها. وهل سيتمكن من إحداث ثورة سياسية وإدارية من الجذور ويخلّص جهاز الدولة من هذا الوباء المدمّر؟ ليس كافيا أن تطهّر يديك بالمعقمات والفيروسات تملأ المحيط.
 
هناك أولويات تمهد لخطة الإصلاح العام تبدأ مما لم يقدر عليه حيدر العبادي في كشف أخطبوط الفساد الذي نهب أموال شعب العراق وإحالة الرؤوس إلى القضاء، وغلق جميع النوافذ التي يتسلل منها الفاسدون بإجراءات مهمة مثل عدم فسح المجال لنشاط اللجان الاقتصادية الحزبية وتسللها للوزارات، وعبدالمهدي يعلم أن الوزارات “الدسمة” تتكالب عليها وتتقاسمها الأحزاب والكتل السياسية تحت باب الاستحقاق الانتخابي.
 
يدفع قادة الأحزاب الآن بمنتسبيهم وأنصارهم ممن تدرّبوا على فنون الفساد إلى مناجم المال بعد أن ضموا بعض الزعامات السنية إليهم. ولعل الترجمة العملية لخطوة الإعلان عن طلب وزراء عبر الإنترنت هي في قدرة عبدالمهدي على  إلزام الوزراء بفتح الوزارات للمواطنين في المعاملات أو التعيينات للكفاءات في مختلف المناصب وحتى درجة مدير عام، وتحريم التزكيات والوساطات الحزبية.
 
هذه إجراءات أولية لمنع تفاقم المرض على مستوى التحضير لبناء دولة مؤسسات إصلاحية، أما بخضوعه للعبة الجديدة في المحاصصة الناعمة وتغطية ذلك ببعض الإجراءات الشكلية، فسيكرّر عادل عبدالمهدي سياسة سلفه حيدر العبادي.
 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد