أيكون السوريون آخر المهتمين بوحدة وطنهم؟ - محمد علي فرحات

mainThumb

23-10-2018 03:39 PM

 لم يعلن أي من المسيطرين على شظايا الوطن السوري الانفصال، على رغم أن تأخر حل المشكلة السورية يكرس الأمر الواقع، مع افتراض تعديلات لاحقة تقتضيها غلبة جهة انفصالية على أخرى، بفعل القوة الذاتية أو متانة التحالف مع قوى إقليمية وعالمية. وربما يكون التخوف على وحدة سورية سابقاً لأوانه، ولكن، يجب أخذه في الاعتبار بسبب هشاشة قديمة في الولاء الوطني السوري، وخفة وانتهازية لدى معظم المتحكمين بأشلاء ما كان يسمى الجمهورية العربية السورية.

 
 
كان السوريون يعتبرون وحدة وطنهم شأناً بديهياً لا يتطلب الاهتمام والعناية، وانصرفت نخبهم في معظمها إلى البحث عن توسيع سورية (أو ضمها) في إطار وحدة عربية كبرى أو وحدة الهلال الخصيب، وهو الاسم النخبوي للمشرق العربي.
 
الآن هم في وضع مأسوي لا يكاد يطمح بطرح شعار سورية واحدة، بعدما تشظت في حروبها الدموية المعقدة المسماة ثورة، إذ يسيطر على كل شظية قائد ميليشيا متسلط، أو زعيم ديني يريد احتلال العالم، أو واحد من بقايا النظام ينسب الشرعية إلى نفسه ويريد من الآخرين العودة من ضلالهم.
 
العالم كله يعترف بالدولة السورية وشرعيتها ضمن الحدود الدولية، وذلك أكثر مما يعترف النظام عملياً حين يريد الاخضاع، أكثر مما يسعى إلى صيغة للمواطنة لم يشعر بها السوري يوماً كما يشعر أي مواطن في العالم. والاعتراف بالدولة السورية الجامعة يبدو مفقوداً لدى الثوار، معتدلين ومتطرفين، ولدى معظم نخبهم التي تستعير شعارات ثورات العالم وتطبقها في صيغة عصبيات قومية ودينية وأيديولوجية، وأحياناً طائفية ومناطقية.
 
على الأرض السورية وجود تركي في عفرين وقوات موالية لأنقرة في إعزاز وجرابلس والباب، وهناك قوات أميركية وكردية حليفة شرق الفرات، ومعارضون مسلحون في إدلب يتوزعون بين معتدل ومتطرف مصنف إرهابياً. وفي المقابل وجود عسكري روسي يحظى بشبه رضا دولي، إذ تغض واشنطن النظر عنه، وتحالفه تركيا جزئياً، ويقدم النظام شرعية القبول به. ومع الروس إيرانيون وموالون لطهران يتحركون في ظل النظام والوجود الروسي.
 
وفي تلمس بقايا الوحدة يمكن ملاحظة وجود إداري للحكومة السورية في مناطق لا يحكمها النظام، خصوصاً في شرق الفرات، وهناك الليرة السورية الجامعة، ودعم واضح لشرعية الحكومة السورية حتى من دول تدعو إلى سقوط النظام.
 
ثمة سباق بين الأمر الواقع الذي يهدد وحدة سورية ودعم هذه الوحدة الذي تؤكده الدول الكبرى لأسباب استراتيجية، لأن تفكك الوطن السوري يؤثر في الدول المجاورة في أشكال مختلفة، فضلاً عن تأثيره السلبي في إسرائيل، بخلاف ما يعلن كثيرون بأن الدولة العبرية تخطط لتقسيم سورية، وبالتالي تقسيم المشرق العربي وجواره التركي والإيراني.
 
ترى نخب الدول الكبرى أن سورية يجب أن تكون فاصلاً بين إسرائيل وتركيا، فاصلاً واحداً لا مجموعة دويلات هشة تحاول الفصل وتعجز، لأن الدويلة تخضع بالضرورة لنفوذ القوي الأقرب، وهو هنا تركيا التي تستطيع إزعاج إسرائيل بالواسطة وتملك حجة للتنصل. نقول تركيا، على رغم اعترافها بإسرائيل، لأن أنقرة لا تملك في بسط نفوذها في المشرق العربي سوى الإمساك بورقة الصراع مع إسرائيل. هذه الأخيرة لا بد أن تفضل جوار دمشق على جوار أنقرة مهما كان الخطاب السوري عالياً.
 
ووحدة سورية ضمان لوحدة العراق (مع الحكم الذاتي للإقليم الكردي) فالعراق بمؤيدي الحكم ومعارضيه يمتص التأثير الإيراني، لتبقى سورية الواحدة مؤهلة للمحافظة على وجودها ودورها، ومنفتحة على الخليج العربي لكونها خط الدفاع الأول عنه، ومعوقة الاندفاعة التركية للقبض اقتصادياً، وربما سياسياً على العالم العربي كله.
 
وحدة سورية مطلب دولي، أكثر مما هي مطلب السوريين، أصحاب المصلحة قبل غيرهم.
 
وهنا مطلوب من الموالاة والمعارضة معاً ابتداع لغة وطنية سورية أهمل تأسيسها الأسلاف، بمن فيهم قادة الاستقلال.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد