الشرق الأوسط: نظام إقليمي جديد؟ - فيتالي نعومكين

mainThumb

08-11-2018 02:53 PM

 تغص وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لدى عدد كبير من الدول في الأيام الأخيرة بتعليقات حول خطة لتشكيل حلف أمني شرق أوسطي (MESA)، أو ما يمكن تسميته «حلف ناتو عربي». على ما يبدو، أن الإطار العام لهذه الخطة أصبح واضحاً ولم يبق هناك ما يمكن التعليق عليه، وإنما بقي فقط انتظار التطور المستقبلي للأحداث حين تتضح كامل التفاصيل.

 

لا يمكن النظر إلى هذا المشروع، مهما كان الاسم الذي سيحمله، من دون ربطه بمجموعة أحداث أخرى في المنطقة تشكل مع بعضها البعض لوحة متكاملة بدأت تتجلى فيها أطر إعادة صياغة جدية لكامل منظومة العلاقات الدولية فيها. يمكن وبثقة التكهن بأن الحديث يدور عن محاولة تشكيل، في جزء من الشرق الأوسط، نظام أمني غير شامل (مع عناصر هيكلية تحالفية وتحت رعاية دول عظمى من خارج المنطقة)، أو حتى نظام إقليمي جديد.
 
حوار المنامة الأخير بات علامة واضحة في تقدم المشروع المذكور أعلاه، حيث كاد يكون فيه جيمس ماتيس وزير دفاع الولايات المتحدة الشخصية الأكثر بروزاً. لا تزال غامضة تفاصيل مشروع (MESA) التي تمت مناقشتها خلال اجتماع عقد قبل ذلك بقليل لقادة أركان دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن مع الجنرال جوزيف فوتيل قائد القيادة المركزية الأميركية.
 
الأساس الذي يبنى عليه هذا النظام الجديد في المنطقة هو ردع إيران من قبل الدول العربية، وتفادي التهديدات الحقيقية والمحتملة التي تنطلق منها. بالنسبة لعدد من اللاعبين وللولايات المتحدة وإسرائيل بالذات فإن المسألة تحمل طابعاً أكثر قسوة - كخنق إيران وتغيير السلطة فيها. وحسب تسريبات بعض وسائل الإعلام، فإن أعضاء شبه الحلف الجديد هذا ستصبح الدول الست في مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، ويمكن أن تساهم فيه إسرائيل. أما الولايات المتحدة (صاحبة المبادرة) فستكون واقعياً عضواً آخر فيه، حتى ولو كان ذلك بشكل غير رسمي.
 
لتشكيل هذه الهيكلية من الضروري تحقيق اختراق في تطبيع العلاقات. الأحداث العاصفة في الفترة الأخيرة تشير إلى أنهم يتحركون خطوة تلو الأخرى في هذا الاتجاه، ويكفي هنا ذكر الزيارة المفاجئة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى عُمان، وكذلك مشاركة الوفد الإسرائيلي في المنافسات الرياضية في قطر، وزيارة وفد رياضي إسرائيلي آخر برئاسة ميري ريغيف وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية إلى أبوظبي. 
 
موسكو والتي تطور تعاونها بانتظام مع جميع الدول المرشحة لتكون ضمن هذا التجمع (أو الحلف) الأمني وكذلك مع إيران، فهي تدرك بشكل عام قلق الحكومات العربية المتعلق بضمان أمنها القومي. من جهة، فإن أي تطبيع وتكامل في المنطقة بلا شك يتسق مع مصالح روسيا في توسيع إمكانيات تعاونها مع هذه الدول. ومن جهة أخرى فإن نمو دور واشنطن في المنطقة التي لا تخفي سعيها في الهيمنة وتعمق تهميش القضية الفلسطينية والتوجه الجديد في العسكرة ونمو تهديد نشوب حرب كبيرة (يحتمل مشاركة الولايات المتحدة وإيران فيها) يثير قلقاً جدياً لدى موسكو. عدا ذلك فإن الخطط التي تم ذكرها أعلاه لا تتناغم مع دعوة موسكو لتشكيل نظام أمني شامل في الخليج، وفي كامل الشرق الأوسط مستقبلاً، وهي تشكل أيضاً تحدياً مباشراً لأفكار «هلسنكي شرق أوسطي كبير».
 
من الواضح أن جميع الإجراءات التي تخطط لها الولايات المتحدة وإسرائيل هي جزء من حملة كبرى احتدت في الوقت الحالي شدة العقوبات فيها ضد طهران، والتي تعتبر واحدة من أهم عناصر هذه الحملة. لا يزال من غير الواضح كيف سينعكس تطبيق هذه الحملة على خطط موسكو وعدد من الدول الآسيوية الكبرى وبالدرجة الأولى الصين والهند، فيما يتعلق بتطوير التعاون الاقتصادي مع إيران. فمن المعروف أن الولايات المتحدة أدرجت بكين ودلهي، بإعطائهما حالة استثنائية، في قائمة الدول الثماني التي سيسمح لها بشراء أو نقل النفط الإيراني وهو ما سيخفف وطأة العقوبات على طهران. على أي حال لا موسكو ولا بكين وعلى الأغلب دلهي أيضاً لن يتوقفوا عن التعاون التجاري والاقتصادي مع إيران بما في ذلك في مجال النفط والغاز، من المحتمل أنهم سيضطرون للبحث عن سبل للالتفاف على القيود التي فيها خطورة. بالنسبة لاقتصاداتهم يبدو عدد من المشاريع الاستراتيجية بمشاركة إيران وباستخدام موقعها الجيواستراتيجي المميز مغرياً للغاية، فعلى سبيل المثال: مشروع بناء ممر نقل بين الهند وإيران وروسيا الذي يمكن أن يضاف إلى قناة السويس. أكثرية الخبراء الروس يتوقعون أنه باستطاعة إيران الصمود أمام العقوبات الجديدة، رغم أنهم يأخذون بالحسبان حقيقة انخفاض صادرات النفط الإيراني بمقدار مليون برميل في اليوم منذ شهر مايو (أيار) لهذه السنة، وأن الضربة المقبلة لقطاع المصارف الإيرانية الذي يعاني من دون العقوبات سيزيد من القيود على إمكانات التجارة الخارجية للبلاد.
 
من المتوقع أن يتم إطلاق هذا المشروع الجديد في القمة التي ستعقد في واشنطن في يناير (كانون الثاني) 2019. في الولايات المتحدة يرون أنه لإنجاح هذه المبادرة من الضروري حل الأزمة القطرية. وهذا سيتسق تماما مع سعي روسيا التي ترى في كل دولة من هذه الدول شريكاً تجارياً واقتصادياً مهماً لها. وإذا كان لا بد من أن يصبحوا أعضاء في حلف أمني واحد، فهذا يتطلب على الأقل بعض إجراءات إعادة الثقة.
 
ما يثير اهتمام موسكو أيضاً هي التغيرات في موقف واشنطن تجاه الأزمة اليمنية، فمن الواضح تماماً أنها لبنة أخرى في بناء نظام إقليمي جديد. وهنا أيضاً تبادر الدائرة المحيطة بالرئيس ترمب في إجراءات بناء الثقة ومن بينها «نزع السلاح على الحدود» الذي اقترحه وزير الخارجية مايك بومبيو. بدا مدهشاً انسجام الكلمات في خطاب ماتيس بشأن «الانسحاب من الحدود» مع اقتراح وزير الخارجية الأميركي. هذا، وكما يرونه من موسكو، هو إعلان عن عودة واشنطن إلى دور الوسيط الأساسي في تسوية الأزمات في الشرق الأوسط، بما فيها اليمن، وهو أيضاً استعراض لدعم الحكومات التي تعتبرها واشنطن من حلفائها الأساسيين في المنطقة وكذلك عامل ضغط إضافي على إيران. المنطق هنا بسيط: في حال تم تسوية الأزمة اليمنية عن طريق المفاوضات السلمية والتي يخطط مارتين غريفيث المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة البدء فيها في نوفمبر (تشرين الثاني) فلن تبقى هناك ضرورة لدى حركة «أنصار الله» أي (الحوثيين) للبحث عن دعم لها في طهران. بيد أن المشكلة لن تحل بسرعة وبهذه البساطة، أما الاقتراح الآخر الموجه للحوثيين من بومبيو وهو «وضع كل الأسلحة الثقيلة تحت المراقبة الدولية»، فعلى الأغلب لن يلقى قبولاً قبل المصالحة النهائية بين الأطراف المتنازعة والحصول على ضمانات أمنية.
 
«الشرق الأوسط»
 
رئيس «معهد الاستشراق» التابع لأكاديمية العلوم الروسية/ موسكو


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد