لماذا يراهن السراج وسلامة على الميليشيات بدل توحيد الجيش في ليبيا - محمد أبوالفضل

mainThumb

10-11-2018 03:00 PM

 تأبى الأزمة الليبية الاستقرار على حال، فكلما مالت المؤشرات نحو بداية حل مشكلة عميقة، يتعمد البعض إغراقها في دروب ودهاليز جديدة تضاعف من صعوبة تسويتها.

 
وأصبح البعض ممن يعتقدون أنهم قادرون على التسوية، هم أنفسهم سببا رئيسيا في تعقيدها، ويصرون على تغليب رؤاهم التي تصب في بقاء الأزمة مشتعلة لفترة طويلة أو إلى حين ترتيب أوضاعها بما ينسجم مع مصالحهم.
 
وقدم غسان سلامة المبعوث الأممي إلى ليبيا إفادته أمام مجلس الأمن، الخميس، وكان التركيز على البعد الإنساني فيها واضحا، بعد أن أضحى موضة في الخطاب الأممي، لأنه يدغدغ مشاعر المواطنين والسياسيين والإعلاميين، وقد ينسيهم الهموم والمشكلات المتراكمة.
 
وتطرق سلامة لوضع الميليشيات وتراجع دورها، بتأكيده الوصول لدرجة كبيرة من الهدوء في طرابلس بعد انخفاض أصوات أسلحتها، لكن لم ينف انتهاء مهمتها، ولم ير أنها شر مطلق، وفتح الباب للاستعانة بقيادات وعناصر من الكتائب المسلحة لضبط الأمن مستقبلا.
 
توافق بين سلامة والسراج
يتفق سلامة في هذه النقطة مع فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي، رئيس حكومة الوفاق، وتتزايد خطوات التوافق بينهما في الكثير من الخطوات، وكأن هناك اتفاقا يقضي بتكامل رؤيتيهما، وعدم منح الأولوية لتوحيد مؤسسة الجيش، التي يعتبرها سلامة عملية غير ملحة.
 
وعرج المبعوث الأممي على ذلك بشكل عابر، قائلا “على المدى المتوسط علينا أن نسهم في توحيد الجيش وإعادة هيكلته ليكون جيشا مهنيا وطنيا”، ما يعني أنه في المدى القريب سيكون للميليشيات دور مؤثر، ويحمل الحديث عن ردعها عقب التلويح بالعقوبات في إفادته السابقة شكوكا كبيرة، فمن الممكن تضخمها مرة أخرى، وارتداء جلباب مختلف، وهو ما يفسر أحد أسرار انسحابها الأخير من مؤسسات رسمية كثيرة في طرابلس ومطار معيتيقة الدولي.
 
ويعلم غسان سلامة أن توحيد المؤسسة العسكرية لن يصب في صالح السراج، الذي تنصل عندما كانت مناقشات توحيدها في القاهرة تصل لمحطة رئيسية- التي كان سيتم التوقيع على الاتفاق النهائي، شهر أكتوبر الماضي- وأدخل المتحاورين في جدل حول مهام رئيس المجلس الأعلى للجيش الليبي في مواجهة قائد الجيش، وشعر بالقوة السياسية التي وفرتها له التطورات على الساحة الليبية، وأهمية وجوده المعنوي في اللحظات الفارقة.
 
وتعثرت مهمة التوحيد، لكنها لم تنته، فمن الصعوبة الوصول لدرجة كاملة من الهدوء والاستقرار في ليبيا من دون هذه الخطوة، التي يجري تجاهلها تدريجيا، والتركيز على ملف سحب السلطة التشريعية من مجلس النواب الليبي والتشكيك في حساباته، من خلال الدفع باتجاه عقد الملتقى الوطني والتآمه في أوائل العام المقبل، لتعقبه انتخابات في ربيع العام ذاته.
 
ويهدف التركيز على الملتقى إلى صرف الأنظار عن المكونات الراهنة، وإعادة هيكلة المجلس الرئاسي بالطريقة التي تصب في صالح إعادة تصدر السراج للمشهد، وعدم الاعتداد بتحذيرات قدمها نحو 134 عضوا من أصل 180 في مجلس النواب، من مخاطر السراج وخطواته السياسية.
 
وتقود عملية تسويق السراج وتبنيه من جانب المبعوث الأممي، إلى إيجاد انطباعات تشير إلى أنه “المنقذ”، وتجاهل التصورات التي تعتبره أحد أسباب التعقيد الحالي في الأزمة، لذلك لم يتم الاهتمام بالشكل الكافي بتوحيد المؤسسة العسكرية، ودور قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، والذي بدأ يستثمر أوراقه المتعددة في اتجاهات مناهضة.
 
تحركات حفتر لكبح خطوات سلامة
ذهب حفتر إلى موسكو أخيرا، للتأكيد على أنه يملك الكثير من أدوات القوة الداخلية والخارجية، ليبعث بإشارة قد تردع حلفاء السراج وتكبح تحركات سلامة، وتحذر من فتح الباب للمزيد من الانخراط الروسي في الأزمة، وهي رسالة سوف تلقي بظلالها على مؤتمر باليرمو يومي 12 و13 نوفمبر الجاري، وتفهم معانيها إيطاليا وداعموها.
 
وتسير الخطوات التي تقوم بها الأطراف الرئيسية في الأزمة، من سلامة والسراج وحفتر، وكل من عقيلة صالح رئيس البرلمان، وخالد المشري رئيس مجلس الدولة، في اتجاه عكس الرياح التي يريدها مؤتمر باليرمو، ما يجعل الأجواء التي سعت روما إلى تهيئتها غير مناسبة للخروج بنتائج تبدد الحصيلة الضئيلة التي وصل إليها مؤتمر باريس في مايو الماضي.
 
وإذا كان المبعوث الأممي حريصا على دخول محطة الانتخابات في ربيع العام المقبل، فعليه أن يملك رؤية شاملة للحل، فعقد الانتخابات في حد ذاته ليس هدفا، وربما تساهم في المزيد من المشكلات على الأرض، والملتقى الجامع بالصورة التي طرحها سلامة وسط التجاذبات المتباينة، لن يتمكن من التمهيد لعقد انتخابات نزيهة، وبالتالي عدم ضمان تنفيذ نتائجها.
 
وتصب غالبية التحركات التي يقوم بها كل من المبعوث الأممي والسراج، في خزينة الميليشيات والتيار الإسلامي وداعميه (قطر وتركيا تحديدا)، وتقلص دور الجهات النظامية ومؤسسة الجيش، وعقد انتخابات في ظروف غير مواتية، لتسهيل مهمة التحكم في مساراتها، ومحاولة إعادة إنتاج أوضاع سابقة، توفر فرصة جيدة لحضور الإسلاميين وكتائبهم المسلحة.
 
وتلتقي هذه المساعي مع توجهات دول غربية عدة، لا تزال ترى ضرورة في تسكين التيار الإسلامي في ليبيا، وهي قضية تعيق التوصل إلى تسوية حقيقية للأزمة، لأن الداعمين يضخمون من دور الإخوان ورفاقهم، ويتطلعون لمنحهم مهاما أكبر من نسبة تمثيلهم في المجتمع الليبي، والتي لا تتجاوز، حسب بعض التقديرات، نسبة 15 بالمئة، لكنهم يمثلون رافدا لقوى خارجية تأبى التفريط فيهم، فمازالوا أداة مربحة وقابلة للتوظيف والاستثمار السياسي.
 
ولذلك لم تتوقف مهام قطر عن دعم هذا التيار في ليبيا، وضاعفت من نشاطها مؤخرا، مع التركيز على عناصر المجتمع المدني وضخ أموال بسخاء في مناطق مختلفة، لأنها تشكل القوة الضاربة في الملتقى الوطني، الذي يقرر الكثير من التوجهات السياسية المرحلة المقبلة، وهو ما يحاول سلامة الترويج له على نطاق واسع لجذب تأييد دولي، وتحجيم دور قوى تقليدية لديها مواقف حاسمة من قضايا كثيرة.
 
كما تتعزز عملية تنشيط دعم التيار الإسلامي في ليبيا، من خلال الحفاوة التي استقبل بها السراج في طرابلس، الاثنين، خلوصي أكار وزير الدفاع التركي، وبحث التعاون في المجالات الدفاعية والعسكرية، بما يتجاوز الملامح السياسية.
 
وما يؤكد تعدد المرامي التي انطوت عليها الزيارة، أن أكار اصطحب معه الفريق يشار غولر رئيس الأركان العامة التركي، وسردام تشام رئيس الوكالة التركية للتعاون والتنسيق، وأمرالله ايشلر ممثل تركيا الخاص إلى ليبيا، وياسين أقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية، وعددا من مسؤولي وزارة الدفاع والخارجية في تركيا.
 
ويقوم السراج بتحركات كثيرة ليكون مهيمنا على قوة مسلحة نظامية، تعادل القدرات التي يمتلكها الجيش الليبي تحت قيادة حفتر في الشرق، ويعتمد الأول على استمالة جناح عسكري في الغرب، ليضع العقبات أمام أي تفكير في اقتحام ليبيا من قبل أي قوة تشبه أو تفوق العملية التي قام بها اللواء السابع- مشاة، في 26 أغسطس الماضي.
 
ولا يخلو التفكير في توطيد العلاقات مع تركيا حاليا من إشارات عسكرية وأيديولوجية، تذكر بطبيعة الدور الذي تقوم به أنقرة في ليبيا، وأكد بيان المكتب الإعلامي لحكومة السراج، أنه بحث مع الوفد التركي التعاون العسكري بين البلدين، وبالأخص “التعاون في بناء القدرات الدفاعية والأمنية الليبية، من خلال برامج التدريب والتأهيل والتجهيز، وتفعيل الاتفاقات المبرمة في هذا الشأن، وعملية توحيد المؤسسة العسكرية الليبية”.
 
ويرى البعض من المراقبين أن السراج يريد الحد من قبضة الدور المصري في الأزمة، وبدأ يلوح بسحب ملف توحيد المؤسسة العسكرية من القاهرة وتسليمه لجهة أخرى، وتبدو أنقرة أوفر حظا في نظره، بحكم العلاقات المتنامية، ويتمكن من تسريب العدد الذي يريده من الكتائب المسلحة ضمن القوة النظامية العسكرية التي يسعى لتكون في حوزته.
 
هنا، يكفي أن هيثم التاجوري، آمر ميليشيا ثوار طرابلس، يقوم بدور رئيسي في الترتيبات الأمنية في شوارع العاصمة، وأرسل عناصر تابعة لكتيبته (معروفة بأنها تحت الطلب) إلى تركيا مؤخرا، لتلقي تدريبات عسكرية متقدمة، ما يؤكد أن غرفة عمليات الإخوان التي تدير الأزمة الليبية من إسطنبول سوف يتزايد نشاطها الفترة القادمة.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد