الإطار التنظيمي للعملات المشفرة والبورصات الرقمية على مستوى العالم

mainThumb

15-11-2018 01:28 PM

السوسنة - يعارض كثيرون فكرة أن التاريخ يعيد نفسه، ولكن في كل الأحوال لا يمكن إنكار أن الطبيعة البشرية لا تتبدل بتغير الزمن، وبالتالي تظل الظواهر المستندة إلى السلوك الإنساني قابلة للظهور مراراً وتكراراً ولو بشكل جزئي. 

يقارن عدد لا بأس به من المحللين والمهتمين بالأسواق المالية بين الفورة السعرية التي شهدتها العملات المشفرة خلال العام الماضي وتلك التي شهدتها أسواق الأسهم في بداية الألفية الثالثة، والتي تعرف في الأدبيات المالية بـ "فقاعة الدوت كوم". بشكل مختصر، يشير هذا المصطلح إلى تضخم تقييمات الشركات المرتبطة بمجال الإنترنت إلى الدرجة التي كانت أسهم بعض المشروعات الناشئة تتضاعف عدة مرات لمجرد طرحها في بورصة ناسداك دون الاستناد إلى أي أسس منطقية أو تشغيلية، اللهم باستثناء أن لها موقع على الويب. انتهى الأمر كما هو معروف إلى خسائر حادة في أسواق الأسهم حتى أن مؤشر ناسداك احتاج إلى أكثر من عشرة سنوات حتى يصل إلى نفس المستوى الذي غادره في نهاية عام 2000.
 
تكرر هذا السيناريو مع العملات المشفرة حيث بلغت ذروتها في نهاية العام الماضي بوصول سعر البيتكوين إلى 20,000$ قبل أن تتهاوى في الشهور اللاحقة وتخسر أكثر من 70% من قيمتها.
 
مخاطر جمة وروافد متنوعة
 
ولم يتوقف الأمر على المبالغة في تسعير العملات المشفرة، والتي يراها البعض لا تستند إلى قيمة جوهرية تبرر أسعارها المرتفعة، بل كان ما يسمى بالاكتتابات الرقمية (ICO) واحدة من الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام. وبشكل مختصر أيضاً، تعتمد الاكتتابات الرقمية على تجميع الأموال من المستثمرين عن طريق بيع ما يطلق عليها العملات الرمزية (tokens). يتشابه الأمر مع الاكتتابات الأولية التي تطرح في البورصات الرسمية، وتقوم بموجبها شركة معينة ببيع أسهمها للجمهور. 
 
لفتت هذه التطورات أنظار الجهات التنظيمية والرقابية خصوصاً وأن هذه الطريقة المبتكرة لتجميع رؤوس الأموال فتحت الباب على مصراعيه أمام حالات الاحتيال حيث استغل كثيرون شغف البعض بالأصول الرقمية، فضلاً عن الانفجار السعري الذي شهدته طوال 2017، في الترويج لمشروعات فاشلة، وفي كثير من الأحيان كيانات وهمية تنتهي بمجرد الاستحواذ على أموال المستثمرين.
 
تبرز هنا أهمية تدقيق البورصات الرقمية في اختيار العملات والأصول التي تقدمها لعملائهم. وتعتبر بورصة Gate.io مثال جيد على المنصات التي تتبع إجراءات صارمة لحماية أصول عملائها وتفادي مخططات تضخيم الأسعار. على سبيل المثال، لا تتقاضى البورصة أي رسوم مقابل إدراج عملات جديدة على منصتها، وهو ما يجنب العملاء التعرض لأصول بلا قيمة حقيقية. ولا تقتصر إجراءات التأمين على تدقيق العملات المدرجة أو الابتعاد عن تلقي حوافز مالية لقبولها، بل تشمل أيضاً إشراك المستخدمين في عمليات الإدراج الجديدة من خلال نظام محكم للتصويت. كما تخضع العملات الجديدة على المنصة لفترة تجريبية تصل إلى 3 أشهر.
 
جهود حثيثة لضبط الإطار التنظيمي
 
سنحاول في السطور القادمة إلقاء الضوء على جهود الهيئات الرقابية الساعية إلى تنظيم أسواق العملات المشفرة وما يرتبط بها من أنشطة الاستثمار الجماعي، خصوصاً وأن مهمتها الرئيسية تتمثل في حماية أموال المستثمرين بغض النظر عن طبيعة الأسواق التي يعملون بها. صحيح أن الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً بسبب إجراء معظم تعاملات العملات المشفرة عن طريق شبكة البلوكشين، ولكن تدفق هذا القدر من الأموال خارج المنظومة الرسمية لا يعفيها من مسئوليتها عن حماية مواطنيها، ناهيك عن منع استخدام هذه الأموال في أنشطة غير مشروعة. 
 
وبطبيعة الحال لم يقتصر الأمر على تنظيم العملات المشفرة والاكتتابات الرقمية، بل امتد أيضاً لتنظيم عمل البورصات التي تقوم بتسهيل إجراء المعاملات في هذه الأسواق الناشئة.
 
ومما يزيد من تعقيد هذه الظاهرة هو وجود اختلافات جذرية في الطبيعة الفنية والتشغيلية لهذه المنصات، حيث تتباين في مدى جاهزية وقدرة أنظمتها على معالجة أحجام التداول، والتي تشهد في كثير من الأحيان قفزات هائلة دون سابق إنذار. على سبيل المثال، في حين تصل القدرة التشغيلية القصوى لبعض المنصات إلى بضع مئات من الصفقات يومياً، تصل الطاقة الاستيعابية لبورصة مثل Gate.io إلى 10,000 صفقة في الثانية. 
 
تختلف الحكومات والبلدان في النهج الذي تتبعه في التعاطي مع منظومة الأصول الرقمية بصفة عامة. هناك بعض الدول التي فضلت فرض حظر شامل على جميع الأنشطة المرتبطة بالعملات المشفرة، والتي على رأسها الصين، حتى برغم أنها أكبر سوق لتعدين وتداول العملات الرقمية. 
يختلف الأمر في الولايات المتحدة حيث تبنت سلطاتها الرقابية استراتيجية تعتمد على تقييد هذا السوق وتكبيله باشتراطات تنظيمية صارمة، ولكن دون أن تصل إلى حد حظر التعاملات بشكل كامل. هناك أيضاً اختلاف في القوانين المنظمة لهذه النوعية من المعاملات من ولاية إلى أخرى، ولكن بشكل عام تميل هيئات الرقابة الأمريكية إلى تصنيف عدد كبير من العملات الرقمية على أنها أوراق مالية، في الوقت الذي تلزم فيه منصات التداول بالتسجيل كوكلاء لتحويل الأموال أو كمنصات للاستثمارات البديلة، والتي تخضع بموجبها لقيود مرتبطة بطبيعة المستثمرين الذين تتعامل معهم. 
بعبارة أخرى، لا تسمح القوانين الأمريكية ببيع العملات الرمزية (tokens) الناتجة عن الاكتتابات الرقمية، أو المشاركة بها، سوى لفئة من المتداولين المحترفين الذين يمتلكون الخبرة والملاءة المالية الكافية للحكم بأنفسهم على المخاطر المصاحبة لهذه الفئة من الأصول. على الجانب الآخر، تفضل القوانين الأمريكية إبعاد المستثمر العادي عن المشاركة في الاكتتابات الرقمية بسبب ضعف الوعي لدى كثيرين وقابليتهم للسير وراء القطيع ومن ثم الوقوع في فخ الحملات الترويجية الكاذبة، ولكن مع السماح بشراء وبيع العملات المشفرة ذاتها من خلال شركات خاضعة للتنظيم مثل Coinbase وGemini.
 
دفع هذا الأمر الكثير من البورصات الكبرى إلى تفضيل الابتعاد عن العمل داخل الأراضي الأمريكية إلى حين اتضاح الصورة الكاملة أو على الأقل الحصول على التراخيص اللازمة. أبرز الأمثلة على ذلك بورصة Gate.io والتي تزاول عملياتها انطلاقاً من الصين وكوريا الجنوبية كما أنها مسجلة في جزر كايمان. افتتحت هذه البورصة أيضاً مكاتب في العديد من البلدان حول العالم كما حصلت على رخص تنظيمية لمزاولة أعمالها في مناطق مختلفة مثل مالطا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال، ولكن بسبب تعقيد الأنظمة القانونية في الولايات المتحدة، لا تقدم Gate.io خدماتها للمقيمين في الولايات المتحدة، ولكنها أوضحت أن فريقها القانوني يسير حالياً في إجراءات الترخيص في عدد من الولايات الأمريكية بشكل يتيح ممارسة نشاطها بطريقة نظامية. 
 
إغراءات التداول بالهامش
 
في أوروبا، تختلف القواعد التنظيمية من بلد إلى آخر داخل القارة العجوز حيث لم يمرر البرلمان الأوروبي تشريعات موحدة لتنظيم أسواق العملات المشفرة. ولهذا يختلف مدى الترحيب بتواجد البورصات الرقمية وتسهيل تبادل العملات المشفرة، فضلاً عن السياسات الضريبية، من بلد لآخر. وبشكل عام تشترط بعض البلاد على البورصات الرقمية الحصول على تراخيص رسمية والتسجيل لدى الهيئات الرقابية، كما هو الحال في ألمانيا وفرنسا ومالطا. هناك ميزة تستفيد منها هذه البورصات وهي أن الحصول على ترخيص من إحدى هذه البلدان سيسمح لها بالعمل في باقي الأسواق الأوروبية دون الحاجة للحصول على تراخيص جديدة.
 
من الملاحظات الهامة أيضا أن السلطات الرقابية في أوروبا تركز بشكل رئيسي على تنظيم تداول المشتقات المالية المرتبطة بالبيتكوين وغيره من العملات المشفرة ربما بأكثر من الأصول الأساسية ذاتها. إحدى العوامل المؤثرة في زيادة جاذبية هذه النوعية من التداولات هو إتاحة الهامش، والذي يسمح للمتداول بالمتاجرة بمبلغ يتجاوز رأسماله الأصلي. على سبيل المثال، تتيح بعض البورصات الرقمية لعملائها استخدام رافعة مالية تصل إلى 1:20 والتي تعني قدرة المتداول على فتح صفقات تصل قيمتها إلى 20 ضعف الرصيد المتوفر في حسابه. ولكن ينبغي هنا ملاحظة أن استخدام الرافعة المالية يتطلب حذر شديد لأنه يمكنها أن تضخم خسائرك بنفس القدر الذي تضاعف به أرباحك. 
 
كما تظل هناك أهمية قصوى لعوامل الأمان خصوصاً إذا ما عرفنا أن البورصات الرقمية تعرضت لأكثر من 60 عملية قرصنة منذ 2011، والتي بلغت خسائرها مليارات الدولارات.
 
الجدير بالذكر أن تنوع العملات المتاحة لا يتعارض بالضرورة مع اعتبارات الأمان الواجبة في البورصات الرقمية. على سبيل المثال، برغم صرامة إجراءات الإدراج التي تتبعها بورصة مثل Gate.io، إلا أنها توفر تشكيلة واسعة من الأدوات الاستثمارية تشمل 200 عملة مشفرة و400 زوج تداول. كما تتيح المنصة ميزة التداول بالهامش، مع تطبيق رافعة مالية تصل إلى ثلاثة أضعاف قيمة الاستثمار على عملات معينة مثل البيتكوين والإيثريوم وUSDT.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد