الممانعون في العراق يواجهون العقوبات الأميركية - د. ماجد السامرائي

mainThumb

17-11-2018 02:24 PM

 قد يصعب على منطق السياسات التقليدية المحترمة للدول وسياداتها استيعاب المعاني “الثورية” للأيديولوجيات العابرة للحدود وغير المعترفة بالحدود السيادية لصالح الوطن “العربي” أو الوطن “الإسلامي” أو الأممي. فأصحاب تلك الأيديولوجيات يعتبرون أن حلمهم هو ذلك العالم الذي يقررونه ويصنعونه للشعوب.

 
وبعد خسارة الأممية دولتها العظمى ودولها الموالية للشيوعية ما عدا دولتين، والقومية دولها العربية ذات الزعامات الفردية الاستبدادية، يعيش أصحاب الإسلام السياسي المذهبي والمتمثل بسلطة ولاية الفقيه الإيراني في عز زهوهم حيث تمددت عقيدتهم خلال عشر سنوات وهيمنت على أنظمة حكم في أربعة بلدان عربية (العراق وسوريا ولبنان واليمن).
 
هذه البلدان ليست بحاجة إلى إعلان وحدة أو اتحاد أو غيرهما من شكليات الدول التقليدية، فهناك شبكات رئيسية وفرعية لقوى ومنظمات وجيوش شعبية “ثورية مسلحة”، تتواصل مع بعضها البعض عبر خيوط وروابط متفاعلة تجمعها شعارات مؤدلجة ومركزها ولي الفقيه في طهران والذي يخدع الجميع بخدمة “المذهب”، لكن الحقيقة هي تجيير هذه “الوحدة الإلهية” لصالح الدولة القومية و”إمبراطورية” التوسع والتمدد في بلاد العرب والقلب منها العراق.
 
هذه القواعد “الأيديولوجية” في العمل السياسي هي التي ترسم خطوط السياسات العامة لدولة “ولي الفقيه” ويبرمجها الجنرال قاسم سليماني وأعوانه الكثيرون المنتشرون وفق نظام دقيق في كل من بيروت الجنوبية ودمشق وبغداد وصنعاء، وفي بعض الأحيان يتم الدخول بالحيثيات التفصيلية لسياسات عواصم الحكومات والدول المعنية الداخلية والخارجية.
 
ولا بد ألّا يتفاجأ الآخرون، دولا كبرى أو صغرى، بما يحصل من أحداث ومواقف وبعضهم وخصوصاً دول المصالح في المنطقة يعرفون هذه الحقيقة ويتعاملون وفقها. وهذا ما تحصل بعض مظاهره حاليا في حملة العقوبات الأميركية على طهران. فواشنطن بين يديها على سبيل المثال الملف العراقي سياسيا وأمنيا واقتصادياً بجميع جزئياته، ألم يكن هناك مستشار أميركي رسمي لديه مكتب في كل وزارة عراقية خلال فترة الاحتلال ما بين عامي 2003 وحتى العام 2011، والأميركان يعلمون بالتفصيل حركة المال واستفادوا من المعلومات المخزّنة لديهم حينما كان تنظيم داعش يحتل ثلث العراق، ويعرفون بدقة أين يذهب الدولار “الكاش” داخل وخارج البلد، وكيف تسيّر البنوك والمصارف أعمالها، بل هي من عيّنت بعضهم وأوصت بتعيين آخرين وهي تعلم علاقاتهم المتينة بطهران.
 
واليوم حين يقرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب خنق إيران اقتصاديا فإن ذلك يعني وضع العراق كجزء من هذه الحملة، لأنه يعلم بأن هذا البلد هو الخزان الحقيقي الذي يمنع انهيار الاقتصاد الإيراني الذي تهدف إليه واشنطن الآن. المسؤولون الإيرانيون يهزأون من هذه العقوبات لهذا السبب، ولهذا لا معنى لطلب حكومة عادل عبدالمهدي من واشنطن أن تراعي خصوصية العراق في فرض عقوباتها على طهران بصورة عامة، وليس في مجال الكهرباء والغاز فقط، وهما فقرتان معيبتان على بلد نفطي كبير مثل العراق يفترض أن يصدّر الطاقة الفائضة مثلما هي طهران أو أي بلد نفطي في المنطقة، حيث تتبرع الكويت ببعض أجهزة الطاقة الكهربائية للعراق، والعراق قادر خلال خمسة وأربعين يوماً على البحث عن مصادر بديلة، وما هي خصوصية العراق من جهة مصالحه التي يطالب بها البعض لاستثنائه من العقوبات؟ هل هي المواد الغذائية أو الأدوية الإيرانية الرديئة التي تغرق أسواق العراق؟
 
إن الخطوة الأكثر حرجا لحكومة عادل عبدالمهدي هي اتخاذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية إجراءات “باستهداف أربعة أفراد مرتبطين بحزب الله يقودون أنشطة عملياتية ومالية واستخبارية في العراق وهم شبل محسن عبيد الزيدي، ويوسف هاشم، وعدنان حسين كوثراني، ومحمد عبدالهادي فرحا”، وقال سيغال ماندلكر وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب واستخبارات التمويل إن “حزب الله هو وكيل إرهابي للنظام الإيراني الذي يسعى إلى تقويض السيادة العراقية وزعزعة استقرار الشرق الأوسط. نحن نستهدف الميسرين الإرهابيين مثل الزيدي الذي هرّب النفط إلى إيران، وجمع الأموال لصالح حزب الله، وأرسل مقاتلين إلى سوريا”.
 
إلا أن أحمد الأسدي الناطق باسم قائمة تحالف “الفتح” التي يقودها هادي العامري، اعتبر أحدهم (شبل محسن الزيدي) من قادة الحشد الشعبي وأشار في بيان إلى أن “استهدافه من قبل واشنطن هو استهداف لحركة المقاومة والممانعة في العراق”. ودعا إلى “الوحدة والتعاون والتنسيق فيما بين حركة الممانعة لخدمة أغراض المقاومة، وفي مقدمتها الوقوف بوجه الغطرسة الأميركية في المنطقة والتصدي لها ومواجهة مشروعها، وصولاً إلى تحقيق أهداف الشعب العراقي”.
 
وبالمناسبة فإن واحداً ممن شملتهم القائمة الأخيرة، وهو عدنان حسين كوثراني، كانت له نشاطات مكثفة تسرب حولها كلام كثير في اختيار رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي إلى جانب نشاطات بريت ماكغورك، ممثل الرئيس الأميركي، الذي يعرف كوثراني جيداً في تلك الحملة وربما تفاهما حول رئيس البرلمان على أقل تقدير.
 
إن الحملة الأميركية الرسمية الجديدة المستهدفة للأشخاص ومن بينهم الأشخاص الأربعة في العراق التي تصفهم بالخطرين على مصالحها في المنطقة يقودها دبلوماسيون بمستوى وكلاء وزارة الخارجية الأميركية، مثل سيغال ماندلكر ومايكل إيفانوف وناثان سيليز، وأطلقوا تصريحاتهم في مؤتمرات صحفية ساندتها وزارة الخارجية، إلا أنه لم تصدر تعقيبات رسمية من الخارجية العراقية ببغداد حول تلك الاتهامات الخطيرة، ويبدو أن الحالة محرجة لوزير الخارجية ولرئيس الوزراء الجديد عادل عبدالمهدي الذي انتقد العقوبات على إيران، لكنه مطالب بتوضيحات بشأن أولئك الأشخاص المذكورين بالبيان الرسمي الأميركي، لا أن يتم الاكتفاء بتصريحات حزبية من قيادي في تحالف “الفتح”.
 
يبدو أن الأميركان يتجاهلون أن قوى “الممانعة المسلحة والمدنية” التابعة لطهران تعم العراق من جنوبه إلى غربه باستحكامات أخذ بعضها طابعاً حكومياً، وأن من تجرأوا على الاعتداء على القنصلية الإيرانية بالبصرة أو على مقرات الأحزاب حسب الرواية الرسمية خلال المظاهرات الاحتجاجية قد نالوا جزاءهم، كما أن القوى السياسية لهذه “الممانعة” قد أصبحت تختار المناصب الرئاسية والسيادية والوزارية لحكومة عادل عبدالمهدي. ألم نسمع خبر أن قيس الخزعلي مسؤول عصائب أهل الحق قد تنازل عن منصب وزير الثقافة وأهداه لأهل البصرة؟
 
الأميركان لا يتجاهلون هذه الحقائق، ومثلما تراجعوا عن شرط إسقاط نظام بشار الأسد بدمشق حليف طهران، وهم يتراجعون عن دعم سعد الحريري في وجه حسن نصرالله، سيتراجعون أمام قوى “الممانعة الشيعية” إذا ما تهددت مصالحهم فعلياً في العراق من قبل ميليشيات موالية لطهران وهو احتمال وارد، ثم يصلون إلى الحلول الوسطى التي ستكون لصالح إيران.
 
عادل عبدالمهدي مهما امتلك من مهارة فكرية بالسياسة إلا أنه يواجه وضعا محرجاً سبقه إليه سلفه حيدر العبادي بعد أربع سنوات من حكمه حين تجاوز خطوط “الممانعة الإيرانية” التي سلبته الولاية الثانية. فللمناورات في هذا الوضع حدود ضيقة.
 
وحركة الممانعة هي بمثابة “دولة أيديولوجية” داخل العراق وفي الشارع، ولديها إمكانيات لخلق فوضى عارمة في العراق والمنطقة، وهي ترفع شعارات “العداء لأميركا” وتترك العمل السياسي الناعم لحكام طهران الذين يواجهون ظرفا صعبا إذا ما ظلوا متمسكين بسياسة التمدد والتوسع خارج الحدود، لكن وضع العراق لا تحلّه سوى “الاستقلالية” وهي تكشف عن نفسها في مواقف عدّة وأكثرها حساسية هذه الأيام تجاه إيران التي تبتلع العراق.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد