حلم قتلته وحشية إسرائيل

mainThumb

17-11-2018 05:20 PM

السوسنة - بعد 24 ساعة فقط، كان المشهد سيجري في أحد بيوت قطاع غزة كالتالي: سيعلن الفرح أمام منزل الشاب فادي الغزالي (21 عاما)، أصوات المزامير والآلات الموسيقية ستعلو، وسيقف أعضاء فرقة الزفة الشعبية "فدعوس" بزيّهم الموحد، يدّقون طبول الفرح، ويزف الحاضرون والأصدقاء، صديقهم الغزالي عريسًا.

 
سيطير فادي مرات عديدة في الهواء، على يد أصدقائه، وهم يهتفون "حيّو العريس حيّو"، ترتفع ضحكات الجميع، ثم يتلقفونه ليجلسه أحدهم على كتفيه، ويسيروا في الشارع قرب البيت، يزفونه.
 
خطيبته السورية "يارا" التي وصلت القطاع قبل عدّة أيام، بعد 3 سنوات من الخطبة ومحاولات السفر الكثيرة إلى غزة دون جدوى، ستجلس على كرسي صالون التجميل، ترتدي فستان الزفاف الأبيض، يدق قلبها من الفرح وقليل من التوتر.
 
"الكوافير" تنظر إليها مبتسمة وتسألها عن ألوان "مكياج" العيون الذي ترغب به، وما لون أحمر الشفاه الذي تحب، وهل ستطلق العنان لشعرها دون ربطه، أم تفضل تسريحة شعر معينة.
 
وفي بيتها المستقبلي بغزة، الذي علّقت عليه "يارا" (20 عامًا) الآمال لتنسى سنوات من حياة "الجحيم والموت" في سوريا، كل شيء يبدو على ما يرام، لاستقبال زوجين سيبدآن حياة جديدة، بعد أعوام من الحب والانتظار.
 
في هذه الأثناء سيجتمع المهنئون في منزل عائلة العريس، يشاركونهم الفرح، ويتناولون "أرز الفرح" (وجبة الغداء المعتاد تقديمها في الأفراح بغزة)، وترقص بعض الفتيات على أنغام الموسيقى والأغنيات.
 
والدة فادي، تسمع الزغاريد من الحاضرات، وكل من يدّق بابها مهنئًا، تطمئن بأن الجميع تناول الغداء وحلوى الفرح.
 
ينتظر المهنئون في منزل والدة فادي أن تغوص الشمس في أعماق البحر، كي يتّجهوا إلى إحدى صالات الأفراح قرب شاطئ بحر غزة، ليبدأ فرح استغرق 3 سنوات كي يتحقق، ويجتمع فيه القلبان أخيرًا.
 
فجأة وخلال لحظات فقط كل ذلك لن يحدث، ويقع ما لم يخطر ببال أحدهم حتى في أحلامه.
 
تبدّد الفرح، وذلك المشهد لن يتم الأحد، كما كان يفترض، فالعروس لن تزّف لعريسها، وغرفة النوم تحولت من أبهى صورها وترتيبها، إلى دمار.
 
معظم جدران الغرفة هدمت، وتناثرت الحجارة الكبيرة فوق سرير النوم، حتى أصبح أثرًا بعد عين، وغطى الغبار كل مكان، ولم يعدّ البيت صالحا لبدء حياة جديدة، تبقى على بدءها يومان فقط.
 
فقد قصفت طائرات عسكرية "عمارة الرحمة" الملاصقة لمنزل الغزالي، وسط مدينة غزة الإثنين الماضي، خلال التصعيد الإسرائيلي الأخير على القطاع، مما ألحق ببيت فادي أضرارًا كبيرة، أوقفت دوران عجلة الفرح.
 
الساعة الحادية عشر قبل منتصف ليل الأحد الماضي بالتوقيت المحلي، فادي وزوجته المستقبلية في غرفة نومهما، يضعان لمساتهما الأخيرة في ترتيبها، وترتيب ثياب العروس.
 
قطع تلك الفرحة بين الزوجين، صراخ الجيران وضجيجهم في الخارج وأحدهم يصرخ بأعلى صوته "اخرجوا من منازلكم بسرعة، الآن ستقصف الطائرات عمارة الرحمة".
 
أمسك فادي يد خطيبته وخرجا مسرعين، تاركين خلفهما فرحة عمرهما التي لم تبدأ، فيجب أن ينجوا بروحهما سريعا، قبل أن يتحول كل شيء إلى ركام.
 
يقول فادي للأناضول: "كنت أركض مع خطيبتي وأسرتي وأنا مصدوم، وأفكر، هل حقًا سأخسر كل شيء، هل سيلغى زفافنا، لم أستوعب ما حدث، ظننت أنني اقتربت من حلمي أخيرًا".
 
دقائق محدودة مرت بعدما احتمت العائلة الهاربة مع عشرات العائلات في الحي السكني المكتظ بالسكان، في بيوت أحد الجيران، حتى قصف الطيران عمارة "الرحمة" وحولها لركام، وألحق أضرارا مادية كبيرة بالمنازل المحيطة بها.
 
ويتحدث الشاب العريس مضيفًا: "كل شيء ذهب بغمضة عين، حزنّا كثيرًا وهذا صدمة لنا جميعًا".
 
وتابع: "لم يتوقع أحد منا أبدا، ولم يخطر ببالنا أن هذا سيحدث، كأننا كنا في حلم، وفي أقل من دقائق كل شيء تغير من فرح إلى حزن".
 
وأشار فادي إلى أنه كان قد جهز بيته على أكمل وجه، وكلفه ذلك مبلغ مالي كبير، استغرق وقتا طويلا في العمل كي يجمعه.
 
وأكمل: "الآن أنا لا أملك مالا، وكل شيء انتهي، وعليّ أن أجهز بيتي من جديد، ولا أعرف كيف ومتى سأنتهي من ذلك".
 
وقرّر الشاب إلغاء حفل زفافه بشكل نهائي؛ "فالفرحة راحت" (انتهت)، إلا أن بعض الأقارب والأصدقاء أقنعوه بتأجيله.
 
يقول فادي إن خطيبته كانت سعيدة جدًا لوصولها إلى قطاع غزة، وكانت تأمل أنها ستعيش بأمان أكثر من وجودها بين الموت في كل لحظة في سوريا، لكن لم تتوقع أن يلاحقها بهذه السرعة.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد