حدد بن بدد - الحلقة الثانية

mainThumb

07-12-2018 07:00 AM

لقد حقق الادوميون زمن الملك حدد بن بدد وأكملوا انجازاتهم ووصولهم الى العالم الجديد وشرق اسيا والقارة القطبية والقطب الجنوبي ورسمهم خرائط لهذه جميعا وصلت لاحقا الى ايدي العرب الاندلسيين ومسلمي أفريقيا من عرب وبربر وأفارقه، ثم وصلت الى امير البحر العثماني برباروس في مطلع القرن السادس عشر، الذي أعاد رسم الخرائط التي وصلت اليه منذ زمن الحوريين والأدوميين والفينيقيين والانباط واليونانيين والرومان والاندلسيين الى زمنه في مطلع القرن السادس عشر الميلادي.
   اما الملك حدد بن بدد ملك المملكة الأردنية الأدومية، فقد اعتلى العرش بالانتخاب / الاختيار من قبل مجلس ولايات الدولة الأدومية التي كانت تتألف منها مملكته الأردنية وحكم قرابة نصف قرن من الزمن حقق فيها المعجزات والمنجزات التي لم يحققها من سبقه من الملوك الأردنيين ولا من لحقه من ادوميين وغير ادوميين باستثناء ما حققته الملكة الأدومية بلقيس التي جاءت بعد حدد بن بدد بحوالي ثلاثة قرون. فقد حقق الملك حدد بن بدد الاستقرار والازدهار والامن والحرية والعدالة وجعل دولته دولة وطنية يتساوى فيها مواطنوه بالحقوق والواجبات وكان بذلك هو الملك الأردني المؤسس بجدارة وامتياز، وهو اول من أنشأ الدولة الوطنية التي كان ينعم فيها الجميع بالحرية. 
  عاش الملك حدد بن بدد الأدومي الأردني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، زمن فرعوني التسخير (رعمسيس الثاني) وابنه فرعون الخروج (مرنبتاح) وزمن غرق الفرعون وزمن التيه الذي استمر أربعين سنة ولكنه مات قبل نهاية التيه. واستمرت فترة حكمه طويلا (قرابة نصف قرن او يزيد) بقي ممسكا بالسلطة بدون تردد ولا ضعف ولا اهمال ولا ضياع حقوق البلاد والعباد، واستطاع خلالها ان يحقق مالم يستطع تحقيقه أي ملك ، باستثناء ما حققته الملكة بلقيس التي كانت جزءا من المملكة الأدومية، وجاءت استمرارا بعد العصر الذهبي الذي بناه ورعاه الملك حدد بن بدد.
    وقد تمدد الملك حدد بن بدد وضم أراضي واسعة للمملكة الأدومية الأردنية، وأصبح البحر الأحمر زمنه بحيرة اردنية أدومية خالصة وسمي البحر الأحمر (المسمى قبله بحر سوف) في زمنه البحر الأدومي او بحر ادوم أي البحر الأحمر لان ادوم تعني الأحمر، حيث كلمة احمر هي احدى معاني كلمة ادوم وهو لون الصخر الوردي لجبال البتراء والطفيلة وجبال رم وما حولها والتي كانت الحمى والعش والحضن الأساس لتلك الدولة، والتي تميل بلونها الى الحمرة / ادوم أي احمر. وكانت الدولة الأدومية هي الوريث والاستمرار للدولة الحورية الأردنية من قبلها. حيث هاجر الحوريون الى الأميركتين وكانوا عماليق وبقيت منهم قبيلة تسكن شمال سيناء ضمن الأرض الأدومية الأردنية كما سياتي في البحث بعون الله تعالى.
  ومن المؤسف ان الباحثين المغرضين غير الأمناء يخلطون الأمور لتصبح بضاعة مزجاة ومغشوشة فلا يفرقون بين المسميات الحقيقية للأشياء من جهة، والمصطلحات العابرة او التي تقال لأداء مهمة او وظيفة او مكاسب او تعبير عن حالة او أغراض سياسية لتخدم مرحلة معينة، من جهة أخرى، ويأخذون الاخبار والروايات السلبية على علاتها وعلى انها صحيحة ولا يتفحصونها ولا يحللونها. 
  فاذا كانت الاخبار والاحداث التي نعايشها تخرج الينا بروايات مختلفة ومتباينة ومتنافرة حسبما هي الاهواء وليس الحقيقة، وتحتاج الى مزيد من الروية والتحليل بحثا عن الحقيقة والوصول الى النتائج الدقيقة، فكيف بنا بالأخبار التاريخية القديمة. ونحن امام روايات تعود الى أكثر من ثلاثة الاف عام وبالتالي لا يمكن القرب من الحقيقة بدون التحليل والتعليل فضلا عن الوثيقة من نحت او نص او اثار مهما كانت. 
    وهذه أمور تزيد من متاعب المؤرخ الدقيق المنصف والباحث عن الحق والحقيقة.  لذا فان منهجنا هو المنهج التحليلي التعليلي وإخضاع كل معلومة للتحقيق والتحليل والتدقيق والتعليل، بعيدا عن الهوى السياسي او التحيز مع او ضد وانما مع الحقيقة، ومع الأردن ومدى صمودها بما يتفق وثقافة وطبيعة المجتمع والكيانات السياسية في ذلك العصر. 
    وقد وجدنا كثيرا من الأوطان تقوم على عدد من الكيانات التي تتغير مع الزمن توسعا او تقلصا او اتحادا او انفصالا او هيمنة. فهناك الكيان الجغرافي وهو المكان والمساحة الجغرافية وما يتعلق بها من شرعية المكان أي شرعية الجغرافيا والتراب وشرعية الوطنية والوطن، والكيان الاجتماعي الذي يتكون منه مجتمع ذلك الوطن من قبائل وعشائر ومجموعات عرقية ودينية ومن يلحق بهم من مواليهم وطالبي حمايتهم، بحيث يشكل اهل الشرعية والهوية ومن يلتحق بهم ممن يكتسب الشرعية لاحقا، أقول يشكلون الكيان الاجتماعي، هذا إذا قبل أصحاب الشرعية منحهم إياها، وهي التي كانت تجري بين الأردنيين طبقا لأعراف وإجراءات عشائرية.
    ومثل هذا الكيان أي الجغرافي، خاضع للحركة بين تمدد لكيان الدولة على أراضي قريبة او بعيدة، واسعة او محدودة، لتصبح جزءا من الوطن الأساس، او تقلص عند اقتطاع أجزاء من الوطن والحاقها بهويات وكيانات سياسية أخرى، وبين استقرار وتحرك وبين دخول وخروج وهجرات مؤقتة من والى، واخرى دائمة ليصبح المهاجر عبر الأجيال جزءا من الكيان الجغرافي الجديد، او ينفصل عنه ان هاجر الى بلاد خارجية، والذي قد يختلف عن ماهية وطبيعة الكيان الجغرافي الأول. 
   اما الكيان التاريخي فهو استمرار الاسم عبر القرون، بينما يشكل الكيان السياسي نمط الحكم والعنوان السياسي، حيث يشمل مؤسسات الدولة المناسبة للعصر في حينه والتي تضمن الاستمرار والاستقرار للدولة والمجتمع في ان واحد، وطريقة إدارة الدولة التي حددها الكيان السياسي والاجتماعي في تعاون او تفاهم.   
  وفي زمن الدولة الأدومية كان الكيان السياسي الأردني يتألف من عدة أقاليم جغرافية لكل إقليم امير يختاره علية القوم (الملأ) من ولايته ويكون من أبناء تلك الولاية وليس من خارجها بعد ان يكون حقق شروط الخبرة والكفاءة لأنه يمكن ان يصبح ملكا في اية لحظة، ويجتمع الولاة لينتخبوا الملك انتخابا من بينهم وفي كل مرة يكون العرش فيها شاغرا يتم انتخاب ملك جديد من مجلس امراء الإقليم بعيدا عن الوراثة، ويسمى حكام الولايات امراء او ملوكا محليين، ويسمى الحاكم العام ملكا عاما.    
   اذن كان الكيان السياسي ونظام الحكم الأدومي فيه قائم على انتخاب/ اختيار الملك – أي الاختيار بالانتخاب من قبل حكام الولايات ضمن الية محددة، بعيدا عن الوراثة وانما بحثا عن الكفاءة لتبوء سدة العرش، وهذا ما اكده كتاب العهد القديم/ التوراة في أكثر من موقع وأكثر من نص، وما يبرهن عليه أسماء الملوك الذين تعاقبوا على عرش المملكة الأردنية الأدومية، والذين هم من عائلات واقاليم مختلفة من أقاليم الدولة الأدومية الأردنية الواسعة. 
   وكان المبدأ السياسي عندهم ان الملك يجسد هيبة الدولة وقوتها وعزها وشموخها وكرمتها. فالشعب والدولة كانت عندهم أولى من الملك.
   لقد كان الأساس في اختيار الملك يأتي بالأفضل والانسب ,والاقوى من حكام الأقاليم وليس الأقرب الى من سبقه او الى أي من الحكام ، واعتماد العقل وليس العاطفة، وتحقيق الرسالة وليس تحقيق الهوى، وكانت سياستهم لا تعرف العاطفة في اختيار الملوك، وحسبما هي المراحل والظروف المحيطة لمواجهة المخاطر وبناء الدولة واعمار البلاد وتحقيق امنها واستقرارها وتامين حمايتها وحماية الحدود وامن المجتمع وتوفير الإنتاج الداخلي ورفعته , وضمان حرية امن التجارة والقوافل العابرة والبينية مع دول واقطار الجوار والبلدان البعيدة، والقريبة والتجارة الداخلية بين الأقاليم. وحرية العقيدة والعبادة وحرية الراي والتعبير. وضمان وحدة مكونات الدولة من ارض وانسان ومؤسسات وهوية.
 لقد اتصفت الدولة الأدومية بالديموقراطية  والعدالة، وأيضا بالحرية الدينية وحرية العبادة لأسباب كثير منها انها كانت ممرا وليس مستقرا للقوافل والتجارة وبالتالي كان الادوميون  يتعاملون مع شعوب كثيرة لها دياناتها والهتها وطقوسها وعباداتها واصنامها ويمارسونها في حلهم وترحالهم اثناء عبورهم لأراضي الدولة الأدومية، وان أي تضييق عليهم كان يمكن ان يقطع عن الأدوميين مصدرا هاما للثراء والرزق لو تغير مسار القوافل الى مناطق أخرى ,  وان الحرية الدينية تجعل العابرين والتجار يشعرون بأنهم في مأمن على أموالهم وعقيدتهم واصنامهم. لذا كانت سياسة تعدد الالهة في كل مركز للتجارة او محطة للاستراحة (في الدولة الأدومية) دون منع أي منهم من مزاولة عبادته وعقيدته وطقوسه والتعبير عن الراي.
    لذا نجد في كتب التاريخ ان الأمم التي كانت تمتهن الاعمال التجارية كانت لديها عقيدة تعدد الالهة وتنوعها لأنها كانت تأخذ هذه الالهة من بعضها بعضا، ولان التعدد يجتذب اتباع العقائد المختلفة ويعطيهم حرية العبادة والطقوس. وان ما ورد في سورة الكهف من بيان الحرية الدينية زمن الملك حدد بن بدد يجعلنا نقف بكل احترام لذلك الملك ان المؤمنين بالله الواحد لم يجدوا زمنه اضطهادا ابدا وإنما كانوا يجاهرون بعبادتهم ودينهم.
   وان المؤمنين بالأصنام كانوا يجاهرون بعقيدتهم دونما منع او قمع، وكذلك المؤمنون بالله الواحد سبحانه، ولكن الشيء الوحيد الذي كان محرما في العبادة وتعدد الالهة هو منع أي طرف من الإساءة الى صنم الطرف الاخر او عقيدته او دينه، ومنع أي طرف ان يهشم اصنام الطرف الاخر او يسخر من عبادته او ربه او الهته او طقوسه لان من حق الجميع ان يفكر كما يحلو له. ولان هذه الحرية في العبادة كانت تحقق الامن والأمان من جهة وتجتذب التجار والقوافل من جهة أخرى لتعدد عباداتهم واصنامهم، وقد وضعوا معبدا عند كل محطة يمارس التجار عبادتهم في مبيتهم واستراحتهم 
   وإذا كان المعبد ضيقا وبه عدد من التجار ويعبدون اصناما متعددة أفسحوا لبعضهم بعضا ان تقوم كل فئة بطقوسها وعبادتها الدينية لأصنامها في ساعة معينة ثم توضع في مستودع او زاوية من المعبد، وتترك الساحة لمن يليه من مجموعة أخرى وهكذا دواليك.
    وكان الكهنة الادوميون هم من يرتبون الدور والتتابع ويأخذون اعطيات معينة من المتعبدين، ويحتفظون بالأصنام المتعددة لديهم على حالها دونما اذى، الى ان تمر القوافل الأخرى التي تعبد الصنم المحدد فيبرزه الكهنة لهم. لذا فإننا نجد في الحفريات الاثرية عددا من الالهة/ الاصنام في مكان واحد والسبب هو احتفاظ الكهنة بهذه الاصنام / الالهة وتقديم الخدمات الدينية للتجار مقابل جذب هؤلاء التجار الى المكان واشعارهم انهم في مأمن فيما يعتقدون ويعبدون ويحملون من البضاعة او المال.
 مثل هذا المنهج السياسي في حرية الحياة والعقيدة كان قرارا استراتيجيا سياسيا وطنيا اقتصاديا تم تكريسه وتقويته زمن الملك حدد بن بدد، مما جعل دولة الأدوميين تستمر الاف السنين بقوة واستقرار وازدهار من قبل ومن بعد، وان تتوسع ونقوى وتكتشف الأميركتين وان يصلوا الى القطب الجنوبي الذي وصله قبلهم اجدادهم الحوريون الأردنيون. وبذلك كانت عقيدتهم الدينية قائمة على التعدد والتنوع والحرية في الاختيار، اما عقيدتهم السياسية فكانت قائمة على الفكر السياسي التالي:
وللحديث بقية بإذن الله تعالى
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد