عراقيون في العراء - د. باهرة الشيخلي

mainThumb

11-12-2018 03:40 PM

 كتب أحد الظرفاء مطلع هذا الأسبوع “كنت أظن أن العراق سيشهد اليوم 9 – 12 بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد فضح بعض الفاسدين وإلقاء القبض على واحد منهم على الأقل لكن ساعات النهار مرّت من دون أي كلمة عن المكافحة.. قلت في نفسي ربما لم يعد في العراق فساد فرجعت إلى المنظمات الدولية وتأكدت أننا مازلنا في أعلى درجات الفساد بين دول العالم ونحن نحتل الرقم 167 لا ينافسنا في شرف الفساد عربياً إلا الصومال وجنوب السودان وسوريا واليمن والسودان وليبيا.. وكل عام والفاسدون بخير”.

 
بات واضحا أن الفساد بدأ يستوطن أرض العراق منذ احتلاله سنة 2003 وتتنامى مظاهره وتسفر في كل مناحي الحياة، وظهور العشوائيات في أرض وادي الرافدين مظهر واحد من تلك المظاهر، وهي واحدة من تداعيات الاحتلال وفساد حكوماته المتعاقبة، وتشكل ظاهرة أخرى، إلى جانب ظواهر الجوع والبطالة والفقر وما تحته ووراءه.
 
من المفارقات الإنسانية الموجعة في زمن ما بعد 2003 أن تعيش كتل سكانية عراقية تحت خط اللامأوى في العراء وتحت السماء، في حين أن وادي الرافدين، تاريخيا، صمّم ليكون ملاذا آمنا للإنسان.
 
هناك في العراق، اليوم، عشرات العشوائيات، التي استحدثها الإملاق في أطراف العاصمة والمدن الأخرى، وهذه العشوائيات خالية من كل مظهر من مظاهر الحياة، فلا ماء ولا كهرباء ولا خدمات وحرم أبناؤها من التعليم ومن الحياة، وغالبية أولاد من يسكنون هذه العشوائيات يقتاتون على القمامة ويبحثون في المزابل عن طعام.
 
وأظهرت نتائج إحصاءات أجرتها وزارة التخطيط العراقية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية  العام الماضي، أن نحو 13 بالمئة من سكان العراق يعيشون في العشوائيات، ولم يشمل الإحصاء سكان محافظات إقليم كردستان العراق الثلاث (أربيل، دهوك، السليمانية)، كذلك استثنى المحافظات (نينوى، الأنبار، صلاح الدين) نظرا للأوضاع الأمنية المضطربة فيها.
 
واستنادا إلى بيانات الوزارة نفسها، فإن عدد تجمعات السكن العشوائي بلغت في 12 محافظة 3 آلاف و687 تجمعا عشوائيا. احتلت العاصمة بغداد (8 ملايين نسمة) مرتبة الصدارة فيها بواقع 1000 منطقة عشوائية، تلتها محافظة البصرة (نحو 3 ملايين نسمة) بواقع 700 منزل عشوائي. فيما كانت محافظتا النجف وكربلاء الأقل من حيث وجود التجمعات العشوائية، وبلغ عددها 89 منطقة فقط.
 
وقدّر مسح وزارة التخطيط عدد سكان العشوائيات، بالقياس إلى عدد الوحدات السكنية البالغ عددها 522 ألف وحدة بـ3 ملايين و300 ألف مواطن، يشكلون ما نسبته 13 في المئة‏ من سكان العراق. وتشير بيانات التخطيط إلى أن 88 في المئة من التجمعات العشوائية نشأت في أرض تعود ملكيتها للحكومة، فيما بلغ حجم العشوائيات على الأراضي التي تعود ملكيتها إلى القطاع الخاص 12 في المئة.
 
وشهد العراق انتشارا واسعا لتجمعات السكن العشوائي بعد سنة 2003، باستيلاء كثير من الفقراء على الأراضي المتروكة وتشييد مباني سكنية عليها، واستولت جماعات مرتبطة بأحزاب وميليشيات مسلحة على مساحات واسعة من أراضي الدولة واستثمرتها وبنت مجمعات تجارية عليها، أو وزعت بعضها على الفقراء لكسب أصواتهم في الانتخابات. وجاءت مشكلة موجات النزوح بعد صعود داعش سنة 2014 لتزيد الأمور تعقيدا، حيث عمدت آلاف الأسر النازحة إلى بناء بيوت متواضعة لها على مساحات الأرض المتروكة.
 
ومقابل العشوائيات هناك تخريب متعمّد وتشويه للمدن، وخصوصا بغداد، من خلال السماح بتقسيم البيوت ذات المساحات الكبيرة إلى مساحات صغيرة جدا وبناء بيوت عليها، أو الاستيلاء على جزرات الطرق وتشييد مبان عليها، بل وصل الأمر إلى التجاوز على محرمات الأنهار وبناء دور عليها في عشوائية يغذيها الفسادالمستشري دون حدود.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد