ثماني سنوات من الوعود في تونس .. ما الذي تغيّر؟ - وسام حمدي

mainThumb

19-12-2018 03:34 PM

 ما الذي تغيّر في تونس منذ تاريخ 17 ديسمبر 2010 الذي كان منطلقا لشرارة سقوط نظام زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011؟ سؤال يتردد صداه وسط المدن والشوارع التي شهدت انفجار بركان غضب التونسيين، مع مرور ثماني سنوات على هذا الحدث الذي لم يكن فقط نقطة فارقة في تاريخ تونس بل في المنطقة، والعالم، لما عرفناه من ثورات أخرى مشابهة، تحوّل بعضها إلى حروب وصراعات دامية.

 
الأهم لدى التونسيين اليوم من النبش في التاريخ هو وبلا شك طرح تلك التساؤلات التي رافقت التونسيين طيلة ثماني سنوات من قبيل ماذا تغيّر وماذا حصل وما الذي قد يتغيّر في تونس؟ خاصة أن إحياء هذه الذكرى يتزامن ككل عام مع احتجاجات اجتماعية لكن بطابع سياسي في بعض الأحيان في عدة مناطق وفي عدة قطاعات.
 
بإجماع محلي ودولي، حققت تونس خطوات هامة باتجاه ترسيخ نظام ديمقراطي تكون فيه كل الحقوق والحريات الجماعية والفردية مضمونة، إلا أن كل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لم تنجح في ضمان الحد الأدنى المطلوب لضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين، والدليل أن طيفا واسعا من أبناء البلد يشدد على أن الوضع أصبح أكثر صعوبة وأكثر عتمة ممّا سبق احتجاجات 2011-2010.
 
ورغم أن تونس اعتادت منذ ديسمبر 2010 على أن تعرف نهاية كل عام شتاء ساخنا واحتجاجيا بامتياز، إلا أن التحركات الاحتجاجية في عام 2018 تعرف تغيّرا كبيرا في شعاراتها ومضامينها، خاصّة مع دخول العديد من الأطراف السياسية على الخط في محاولة لتوريط التونسيين في ما تصبو إليه من وراء دعواتها إلى الإطاحة بحكومة يوسف الشاهد.
 
كل التطورات في الساحة السياسية في البلاد، تشير إلى أن صبر التونسيين قد نفد من سياسات الحكومات المتعاقبة المتسلّحة بالوعود فقط دون التطبيق، إلا أن الأغلبية الساحقة من الشعب التونسي لا تريد الاحتجاج لخدمة أي طرف سياسي، بل تستعد للاحتجاج على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية البائسة والمتردية بطريقتها الخاصة وبخصوصيتها التونسية بعيدا عن الاقتباس من أي تحركات احتجاجية أخرى كحركة السترات الصفراء في فرنسا.
 
وساهمت الحروب التي باتت معلنة بين قصر القصبة (قصر الحكومة) وقصر قرطاج (قصر الرئاسة) في تأجيج الوضع أكثر خاصة في ظل الخلافات المتصاعدة بين حزب نداء تونس، الذي أسسه رئيس البلاد الباجي قائد السبسي، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي تنكر، وفق الندائيين، للحزب بعد أن اصطف إلى جانب حركة النهضة وشكّل معها حكومة خارج أطر ما أفرزته صناديق الاقتراع في انتخابات 2014.
 
ويبدو أن تونس أصبحت مهيأة بشكل أكبر لاحتجاجات عارمة، بسبب يأس التونسيين من الطبقة السياسية برمّتها التي لم تتمكّن من ابتكار بدائل اقتصادية واجتماعية تحفظ كرامة الطبقات الوسطى والمهمشة، هذا إلى جانب عودة الاتحاد العام التونسي للشغل إلى مربعه النقابي وقيادته في الأشهر الأخيرة للعديد من الإضرابات أبرزها الإضراب العام في الوظيفة العمومية في شهر نوفمبر الماضي أو الإضراب العام الوطني الذي يستعد لتنفيذه في 17 يناير القادم عقب اتهامه للحكومة بمواصلة سياسات تفقير الشعب عبر تلقي إملاءات صندوق النقد الدولي.
 
ويكثر السؤال في تونس أيضا عن الأطراف المتسببة في إغراق البلاد في مطبّات سياسية واقتصادية مظلمة. ولئن تجمع مختلف القطاعات والشرائح التونسية على قصور الطبقة السياسية برمتها منذ الثورة، إلا أنها تعرب أيضا عن تذمّرها وإحباطها من أطراف سياسية بعينها تعتبر أنها سرقت حلمها في التوجه إلى تشييد تونس حرة ومزدهرة في نفس الوقت.
 
ورغم أن العديد من التونسيين يتذمّرون اليوم من سطوة اليمين الليبرالي والإسلاميين على مفاصل الدولة ما جعل كل السياسات المتخذة لا تخدم مصلحة الطبقات الضعيفة والمهمشة، إلا أنهم يجمعون أيضا على أن حصيلة حكم “الترويكا” من 2011 إلى 2014 والتي قادتها حركة النهضة كانت علاوة على إغراقها تونس في دماء الإرهاب والاغتيالات السياسية أكثر وطأة، حيث لم تعتمد سوى على سياسات ليبرالية صرفة زادت في تفقير الشعب وإثقال كاهله بالمزيد من الضرائب مع مواصلة التوجّه الدائم للصناديق المالية الدولية المانحة وجعلها بوصلة دائمة للاقتصاد التونسي.
 
ومما ينذر بأن البلاد مقبلة ربما على انتفاضة جديدة تكون بطريقة مغايرة لما حصل في عام 2011، أن التونسيين أدركوا أيضا أن حفنة من الانتهازيين ركبوا على موجة الثورة وكانوا وراء الدفع نحو إفشال تحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية، خدمة لمصالح ودوائر مالية ضيّقة تخدم أقلية وليس أغلبية الشعب.
 
وسيكون الفصل الجديد من الثورة التونسية على الأرجح، حاملا عدة أبعاد فيها ما هو سياسي ولا تخرج مقاصده عن المعركة الحالية بين رأسي السلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة) أو بين حزبي نداء تونس وحركة النهضة أو أن الاحتجاجات ستكتسي شعارا جديدا قديما تقوده الفئات المهمّشة تحت يافطة “ثورة الخبز”.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد