غادر ماكورغ بانتظار سليماني! - مشرق عباس

mainThumb

03-01-2019 03:58 PM

 اعلان الموفد الاميركي الدائم في العراق بريت ماكورغ استقالته، وخروجه فعلياً من المسؤولية مع بداية العام الجديد، خبر جيد لمعظم العراقيين، سواء اصدقاء اميركا أو أعدائها، مثلما سيكون سحب يد الجنرال قاسم سليماني من المسؤولية في العراق خبرا جيدا لمعظم العراقيين من اصدقاء ايران واعدائها ايضاً.

 
 
والحديث بلسان طرفين مختلفين تماماً في تقييمهما للمعطيات العراقية، يبدو امراً مستحيلاً، وقد ينبري من يقول انه يشعر بالحزن لمغادرة ماكورغ، وقد ينصب اخر مجلس عزاء لمغادرة سليماني المحتملة! لكنه واقع حال، فالاصدقاء قبل الاعداء اصبحوا غير قادرين على التعاطي مع السياقات التي حاول الرجلان تكريسها في العراق طوال السنوات الماضية، وابدال الاشخاص وان كان لايمثل متغيراً ستراتيجياً حاسماً في السياسة الاميركية او الايرانية، فانه قد يمثل بداية جديدة لمصلحة الانسجام العراقي الداخلي.
 
كان ماكورغ حسب شهادات معظم الساسة العراقيين من كل الاطراف والاتجاهات متورط خلال ولاية اوباما في نقل رسائل غير دقيقة حول الوضع العراقي، كما ان رسائله الى حكومة المالكي بشأن التعاطي مع ازمة الاحتجاجات السنية، قد ساهمت بالانهيار الامني الذي شهده البلد، ومع استمراره في مهامه وتطويرها بعد 2014 كممثل للتحالف الدولي في العراق، ومن ثم سورية، كان ماكورغ يلبس سترة ترامب الفضفاضة، ليعبر عن اراء غير موضوعية حول مجمل الشأن العراقي، ويتجاوز السياقات الدبلوماسية ليدخل في سباق ارادات مكلف وأحياناً شخصي الطابع، مع المندوب الايراني الدائم لادارة الصراع في المنطقة الجنرال قاسم سليماني.
 
وليس غريباً القول ان افتقار الولايات المتحدة الى ستراتيجية محددة في العراق عام 2003 لايختلف كثيراً عن افتقارها الى ستراتيجية محددة عام 2018 الذي ختم بزيارة درامية لترامب الى قاعدة عين الاسد من دون لقاء اي مسؤول عراقي، وان غياب ماكورغ سيحدث فرقاً شكلياً على مستوى آليات تعاطي الاطراف العراقية المختلفة مع واشنطن عبر وسطاء جدد وربما أكثر حكمة ودراية وهدوءاً. سليماني ليس افضل حالاً، في العراق، وحديث اصدقاء ايران عن قرب مغادرته المشهد العراقي، لاينتمي الى امنيات غير الاصدقاء، بل يستند الى معطيات ايرانية داخلية، ومتغيرات متوقعة في مشهد ادارة الصراع في المنطقة عموماً.
 
والجنرال بات يدرك كما يبدو، ما يدركه صناع القرار الايراني، بان نجاح النفوذ الامني والسياسي في العراق طوال السنوات الماضية، وتحويل سليماني الى صانع فعلي محترف وعلني لكراسي الحكم في هذا البلد، وما صاحب كل ذلك من احتفاء وتعظيم في الشخصية التي يتزاحم السياسيون لالتقاط صور الى جوارها، لم يحقق سوى ربح تكتيكي، وان الخسارات الستراتيجية الحقيقية، تتعلق بالشارع العراقي الشيعي قبل السني والكردي، الذي يحمل ايران كدولة وليس سليماني كشخص فقط مسؤولية فشل الدولة العراقية، واستشراء فساد من استغل نفوذ ايران ليفسد. ليس متوقعاً ايضاً ان تغير ايران ستراتيجياتها فيما لو سحبت يد الجنرال، لكن الامر سيكون مريحاً لاقرب اصدقائها، الذين ينتقلون من صفوف المقاتلين الى صفوف السياسيين، واصبحوا اكثر انسجاماً في التعاطي مع السفارة الايرانية من التعاطي مع الحرس الثوري.
 
في مراحل مختلفة كانت بغداد مكان حوار ايراني – اميركي مباشر وغير معلن، وهناك حوارات في الكواليس تتم حتى اليوم عبر السفارتين اللتين تدركان ان الظروف العراقية قد تتغير في اية لحظة، كما تدركان المخاطر التي ترتبت على اهمال تطلعات الشعب العراقي، والجروح الغائرة التي نجمت عن سياستيهما على حياة العراقيين ودمائهم ومستقبلهم وعلى الدولة التي يحلمون ببنائها، وان الوقت لن يطول قبل ان تنفرط معادلات التوازن الهشة التي تم العمل على تكوينها عبر منظومات سياسية فاسدة ومهلهلة.
 
قد لايكون اعادة الاعتبار للدولة العراقية لتضبط توازناتها وتوفر الخدمة والنماء والاستقرار لشعبها، ضمن الاولويات الاميركية او الايرانية اليوم او غداً، فهي في نهاية المطاف مهمة عراقية داخلية، لكن متغيرات في زاوية النظر للدولتين الاكثر تأثيراً في العراق قد يساعد على توفير بيئة مواتية للحوار الداخلي العراقي، بنسبة ضغوط اقل من تلك التي مارسها ماكورغ وسليماني.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد