قارون يتحالف مع الملك حدد

mainThumb

12-01-2019 08:53 PM

 
الحلقة الخامسة 
  وكانت رسالة موسى عليه السلام الى الملك حدد بن بدد تتضمن عدة نقاط هامة كما تبينها التوراة. كانت الفقرة الأولى منها انه ألقى الضوء على حال بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر وحطوا رحالهم في سيناء استعدادا للعبور الى ارض الميعاد وهي بلاد كنعان فتقول الفقرة الأولى: انهم جاءوا الى هنا وانه كان مع موسى من قومه الناس الذين خرجوا سالمين من فرعون والطوفان والاذى الذي سلمهم الله منه على يد فرعون وجنوده لو سلم من الغرق. فلو سلم فرعون لأبادهم عن بكرة ابيهم، ولكن الله سبحانه تولاه وأهلكه وجنوده واغرقهم اجمعين.
   واشارت الرسالة ان بني إسرائيل قد تجمعوا معا هنا بقيادة موسى وهارون في البرية حيث لا بيوت من الطين والحجر تأويهم بعكس الحال الذي كانوا عليه في مصر، وحيث لا ماء يجري ليشربوا ويسقوا مواشيهم ولا ماء للزراعة، وحيث لا تتوفر سبل الحياة التي كانت متوفرة لهم في مصر، وصاروا في حرمان الى درجة انهم تمنوا الفناء مع من فني من بني إسرائيل في مصر وذلك خيرا لهم من العيش في صحراء ليس فيها شيء من سبل الرفاهية التي كانت متوفرة لهم في مصر. 
 
   لقد كان تجمعهم في برية صين وهي في الركن الشمال الشرقي من سيناء، أي أنهم ابتعدوا عن ذراع خليج السويس، أي انهم ابتعدوا عن مصر رهبة ورعبا من فرعون ومن اتباعه من ان يلحقوا بهم وينتقموا منهم ويبيدونهم عن بكرة ابيهم وتوغلوا في ولاية قادس في سيناء الأدومية فقد نأي بهم الرعب الى مناطق في برية سيناء ليست خصبة بالمستوى الذي كان عليه حال وادي النيل. وكان وصولهم الى هنا خلال شهر (كما يبين النص) من دخولهم سيناء ونجاتهم من فرعون والطوفان.
 
   وقد اعتبروا هذا المكان وهو برية صن وجه شؤم عليهم (رغم انه كان مقدسا عند الأدوميين كما كان حاله لدى الحوريين من قبل) ذلك ان مريم شقيقة موسى عليه السلام قد ماتت في المكان وتم دفنها هناك. ويقول النص التوراتي انهم اقاموا في المدينة الأدومية الأردنية قادش برنيع الواقعة في التخوم الغربية الأدومية، وهي ليست في برية صين وانما في طرفها الغربي. ونحن نرى نهم لم يقيموا في المدينة، وانما أقاموا في الولاية الأدومية وهي ولاية صن / صين وعاصمتها قادش برنيع، وبالتالي فان ذكر قادش هو برهان انها كانت عاصمة ولاية صين في منطقة برية سيناء، وان بني إسرائيل لم يدخلوها كما سنبين في سياق هذا البحث بعونه تعالى، وان قولهم انهم في المدينة انما هو تعبير على انهم في الولاية التي عاصمتها هذه المدينة وهي قادس برنيع.
   يبين نص الرسالة الموجودة في العهد القديم / التوراة مخاصمة بني إسرائيل لموسى وهارون عليهما السلام بسبب الظروف القاسية فوق الأرض الأردنية الأدومية في سيناء، واعتبروهما انهما سبب وصول بني إسرائيل هنا وتعرضهم للخطر ’ الى درجة انهم( أي بنو إسرائيل) تمنوا الموت والفناء مع من اصابهم الموت من بني إسرائيل على ارض مصر قبل خروجهم الى البرية، ومن خلال النص يتبين لنا انهم كانوا يملكون قطعانا كثيرة من المواشي معهم وبالتالي لم تكن المراعي متوفرة بشكل جيد، مما يجعلهم ومواشيهم مهددون بالفناء, وهذا يبين انهم جاءوا في مطلع الصيف او اثناء الصيف حيث تكون المراعي قد جفت وذهب موسم الحصاد , وان مواشي الأدوميين قد أتت على المراعي .
  ومن الواضح ان بني إسرائيل لم يكونوا في قادش برنيع المدينة، وانما في ولاية قادس أي في   البرية القاحلة من حولها حيث لا زرع ولا ضرع يشبه ما الفوه في مصر، وانما حياة بدوية منسجمة مع إمكانات المنطقة من الموارد الظاهرة من الماء والكلاء والطعام، فوصفوه بالمكان الرديء، أي ان مكانهم كان في ولاية قادس فأطلقوا اسم المركز والمقصود الولاية، كما يقال في العصر الحديث عندما يطلق اسم العاصمة والمقصود البلاد برمتها التي تشكل المدينة عاصمة لها. ونجد وصفه في النص التالي في الفقرتين الرابعة والخامسة:  
 
 (4-لِمَاذَا أَتَيْتُمَا بِجَمَاعَةِ الرَّبِّ إِلَى هذِهِ الْبَرِّيَّةِ لِكَيْ نَمُوتَ فِيهَا نَحْنُ وَمَوَاشِينَا؟      
5-وَلِمَاذَا أَصْعَدْتُمَانَا مِنْ مِصْرَ لِتَأْتِيَا بِنَا إِلَى هذَا الْمَكَانِ الرَّدِيءِ؟ لَيْسَ هُوَ مَكَانَ زَرْعٍ وَتِينٍ وَكَرْمٍ وَرُمَّانٍ، وَلاَ فِيهِ مَاءٌ لِلشُّرْبِ!».
 
وقد كان هذا الاحتجاج الذي نظمه قارون بالاتفاق مع الملك حدد بن بدد ضد إدارة موسى وهارون لقومهم وللازمة التي وقعوا فيها، وكانت الثورة من قبل شيوخ بني إسرائيل وممثلي الاسباط الذين استأجرهم وحرضهم قارون بعد ان اعطاهم من المال ما جلب لهم الشجاعة في القول , وبعد ان ضمن لهم قارون حياة كريمة في ادوم كجزء من رعية الملك حدد بن بدد في حال طردهم  موسى من المجموعة او تشتت بنو إسرائيل , وكان قرارهم المتفق عليه مع قارون والملك حدد بالاحتجاج والثورة، حيث تداعوا الى اجتماع عام لهم في خيمة الاجتماع لتداول الامر وما الت اليه حال بني إسرائيل في البرية القاحلة في مجتمع ادومي أردني حليف للفرعون الهالك ويحمل حقده على بني إسرائيل، وتحت سطوة الملك حدد بن بدد الذي يرفضهم ويطوقهم وسينكل بهم, والذي قادهم الى هذه البرية القاحلة لكي يهلكوا مع ضمان الحياة الكريمة لعملائه اذا ما هلك القوم الاخرون .
 
   وقاموا باستدعاء موسى وهارون عليهما السلام وتعنيفهما انهما قادا بني إسرائيل الى الهلاك المحقق، حيث عدم توفر الماء والغذاء والفواكه من الرمان والتين والعنب والتمر، وعدم توفر الكلأ للمواشي، وجاء النص كما يلي: (6 فَأَتَى مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ أَمَامِ الْجَمَاعَةِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَسَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا، فَتَرَاءَى لَهُمَا مَجْدُ الرَّبِّ) انتهى التضمين. ولولا الدعم الإلهي لموسى وهارون لقتلهم بنو إسرائيل لان قتل الأنبياء سمة لهم واخلاقا    
 ونجد أيضا ان القوم ضايقوا قائديهما موسى وهارون وضاقوا بهم ذرعا  واعتبروهم وجه شؤم على بني إسرائيل , وطلبوا اليهما وفير الماء في هذه البرية القاحلة حيث احاق بهم وبمواشيهم الظمأ ويوشكون على الهلاك , وحيث يرفض الادوميون السماح لهم للوصول الى الابار والينابيع ويمنعونهم من دخول مدينة قادس التي تتوفر بها سائر مقومات الحياة: فأوحى الله سبحانه الى موسى عليه السلام ان يضرب بعصاه الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل سبط مورده ومشربه  المنفصل عن الاخرين فشربوا وشربت مواشيهم  .( ۞ وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) البقرة .  
 ولكن رواية التوراة لهذا الحدث مختلفة لأنها مختلقة، وحيث نجد ان النص التوراتي يختلف في نصه عما ورد في القران الكريم، الا ان الجوهر واحد وهو ضرب الحجر بالعصا وخروج الماء منه ليسقي القوم ومواشيهم. وجاء النص القرآني وهو كلام الله سبحانه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أكثر دقة وتفصيلا من النص التوراتي الذي كتبه الأشخاص مع ما يعتريه من الهوى والتغيير والتحريف. وقد ذكرنا النص القرآني توا 
 
 اما النص التوراتي: فجاء على النحو التالي: 7) وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً
 
8 «خُذِ الْعَصَا وَاجْمَعِ الْجَمَاعَةَ أَنْتَ وَهَارُونُ أَخُوكَ، وَكَلِّمَا الصَّخْرَةَ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ أَنْ تُعْطِيَ مَاءَهَا، فَتُخْرِجُ لَهُمْ مَاءً مِنَ الصَّخْرَةِ وَتَسْقِي الْجَمَاعَةَ وَمَوَاشِيَهُمْ».
9-فَأَخَذَ مُوسَى الْعَصَا مِنْ أَمَامِ الرَّبِّ كَمَا أَمَرَهُ،
10 وَجَمَعَ مُوسَى وَهَارُونُ الْجُمْهُورَ أَمَامَ الصَّخْرَةِ، فَقَالَ لَهُمُ: «اسْمَعُوا أَيُّهَا الْمَرَدَةُ، أَمِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ نُخْرِجُ لَكُمْ مَاءً؟».
11-وَرَفَعَ مُوسَى يَدَهُ وَضَرَبَ الصَّخْرَةَ بِعَصَاهُ مَرَّتَيْنِ، فَخَرَجَ مَاءٌ غَزِيرٌ، فَشَرِبَتِ الْجَمَاعَةُ وَمَوَاشِيهَا.
ونعيد النص القرآني لأنه الأكثر دقة وصحة وامانة وتفصيلا وجاء فيه: (وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) سورة البقرة 
وقد تم ذلك امام بني إسرائيل لكي يسكن غضبهم وتنطفي ثورتهم ولعلهم يؤمنون بالله بدل ايمانهم بالأصنام والفرعون والعجل، وبالفعل تحقق الهدف بعد تلبية الطلب وانتهاء أسباب الثورة والتمرد واثبت موسى وهارون لقومهما انهما انبياء وانهم متصلون بالله سبحانه وان طلبهم مستجاب عنده سبحانه، وبذلك فشلت خطة الملك حدد المتفق عليها مع قارون وشيوخ من بني إسرائيل وعددهم 250 شخصا كما ذكرنا أعلاه.
ونجد حسب التوراة ان موسى وبعد ان حقق الله طلبه واستجاب دعاءه انه تحدث مع قومه بلغة قوية وفوقية أيضا , وتعنيف لهم على إساءة الظن والادب مع الله ومع رسوله عليه السلام، فوصفهم بأنهم مردة بقوله: (اسْمَعُوا أَيُّهَا الْمَرَدَةُ)، ومن نص التوراة نجد ان موسى وهارون سجدا شكرا لله سبحانه في صلاته ودعائه ان يستجيب لهما فاستجاب لهم ربهم لدعاء وحقق لهم الطلب : (6 فَأَتَى مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ أَمَامِ الْجَمَاعَةِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَسَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا، فَتَرَاءَى لَهُمَا مَجْدُ الرَّبِّ) 
 
وللحديث بقية باذن الله تعالى


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد