صوت المال يعلو على السلطة - رندا حتامله

mainThumb

18-01-2019 06:00 PM

بالأمس كسى بياض الثلج الربوع الأردنية وبالفرح القلوب الأردنية التي ما زالت عامرة بحب الأردن والإنتماء لكل ذرة من ثراه رغم الأزمات الإقتصادية والفساد الذي يدفع بنا نحو الهاوية ، جُل الأردنيون لم يهدأون وهم يترصدون من خلال هواتفهم النقالة أخباراً  تُقِرُ تأخيراً للدوام أو عطلةً رسمية وباتت هذه العادة عُرفاً يرافق كل توقع لمنخفض ثلجي وهذه المرة لم تكن الحكومة متخبطة كعادتها وأصدر الرزاز قراراً رسمياً في وقت مبكر يقضي بعطلة يوم الخميس تحسباً لعواقب الحالة  الجوية السائدة . 
 
و قرار رئاسة الوزراء بعطلة رسمية يقضي بتعطيل جميع القطاعات الحكومية والخاصة بحسب المادة  59 من قانون العمل الأردني الفقرة ب والتي تقول :
 
" اذا اشتغل العامل في يوم عطلته الأسبوعية او ايام الاعياد الدينية او العطل الرسمية يتقاضى لقاء عمله عن ذلك اليوم اجرا اضافياً لا يقل عن (150%) من اجره المعتاد."
 
المادة القانونية نصها واضح ولا تحتاج لحقوقي يشرحها وبذلك يكون الموظف في شركة خاصة مشمولاً بالعطلة الرسمية وإذا إقتضت طبيعة عمل الشركة الدوام لا بد من دفع أجر إضافي للموظف عوضاً عن عطلته ، إلا أن مجموعة رجل الاعمال "طلال أبوغزالة" أصدرت بياناً شديد اللهجة  يتوعد للموظفين المتغيبيين عن عملهم بإنزال مخالفة لهم تؤخذ بعين الإعتبار عند تقييم الأداء ، مندداً البيان بإلزامية العطلة وبأنها هدر للإنتاجية مُتذرعاً بالأزمة الإقتصادية وبأن المجموعة ترفد الإقتصاد الأردني ، متحدياً الحكومة ووزارة العمل أن تلجأ للقضاء ليفصل بينها وبين الموظفين !
 
الموظفون لن يجرؤا على الإعتراض على رب عملهم وسيأخذون العقوبة دون أدنى مطالبة بحقوقهم خوفاً من فقدان عملهم ، المثير للدهشة هولهجة البيان التي تقول للموظفين : أنتم تتقاضون رواتبكم من الشركة وليس من الحكومة ، وكأنها تمنح الرواتب صدقة أو زكاة دون أن يقدم الموظف جهداً يستحق الراتب عليه ، والغريب أن الشركات الخاصة ثمة نظام بينها وبين موظفيها وتستطيع أن تحذرهم قبل أن يتغيبوا عن عملهم بأنهم غير مشمولين بالعطلة ، أو كانت تستطيع أن تنزل قراراً بعد هذه العطلة بأنها العطلة الأخيرة وأنهم غير معنيين بقرار الحكومة دون أن تُنزل بهم عقوبة وهم بحكم العادة يعطلون كما جاء في نص البيان الذي ندّد بقرارات العطل الإلزامية في حقبة الحكومات السابقة .
 
البيان يحتاج وفي قراءة تحليلية لخطاب البيان نجد أنه يرمي لأكثر من معنى ولأبعاد تفوح منها رائحة الرأسمالية والإقطاعية ، في رمزية تقول: أن المال يتكلم والمال يحكم والمال ذو سطوة أكثر من السلطة .
 
البيان هيّج مواقع التواصل الإجتماعية وذهبت تعليقات البعض إلى التنديد بشخصية رجل الأعمال "طلال أبو غزالة " وفاحت رائحة الحقد الطبقي عندما أشار البيان إلى أن سعادته في مكتبه من الثامنة صباحاً ، فالبعض انتقد بملىء صوته سوء تنظيم خدمات النقل العام التي يمتطيها صباحاً لعمله والبعض الاخر إتخذ من القضية مدخلاً لإنتقاد سوء البنى التحتية وتجمع مياه الأمطار التي تتلف السيارات الخاصة ، والملفت أن جميع المعلقين ليسوا من موظفي المجموعة مكممين الأفواه .
 
"طلال أبو غزلة " شخصية ناجحة ومجتهدة ونحن هنا لسنا بصدد الإساءة إليها . لكن البيان أظهر لنا تحدياً لم يكن في الحسبان ألا وهو سلطة المال التي حتماً تؤسس لإمبراطورية داخل مملكة وكأن الأزمة الإقتصادية التي تمر بها البلد باتت الذراع الموجوعة التي تمسكنا منها الدول الخارجية بمنحها وتنغزنا بها القوى الداخلية بمشاريعها الإستثمارية ، وبدلاً من أن تكون هي القدوة في تطبيق سيادة القانون باتت تُسن لنقسها قوانين خاصة بإمبراطوريتها المالية ، والشعب المسحوق دائماً هو الحلقة الأضعف والضحية التي تدفع الثمن دائماً ، ما أحوجنا في بلد الأمان إلى الأمان الحقيقي وما أحوجنا في ظل أزمتنا الإقتصادية إلى إقتصادي محنك يغزو الابيض قلبه قبل رأسه كما غزى الابيض ربوعنا الاردنية وما أن ذاب حتى بدا السواد يحيق بنا مجدداً !


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد