عندما تتحدث فلسطين باسم 80 بالمئة من سكان العالم! - ناجي حرج

mainThumb

20-01-2019 04:12 PM

 باشرت دولة فلسطين يوم الثلاثاء 15 يناير 2019، رئاستها لمجموعة الــ77 والصين في الأمم المتحدة لمدة عام. وقد جرت لذلك مراسم خاصة في نيويورك، حضرها الرئيس الفلسطيني محمود عباس والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيسة الجمعية العامة ماريا فيرناندا اسبينوزا، ووزير خارجية مصر سامح شكري الذي كانت بلاده تتولى رئاسة المجموعة للعام الماضي (2018).

 
المعروف أن مجموعة الـ77 تتكون من 134 دولة تمثل 80 بالمئة من مجموع سكان العالم، سيتحدث باسمها مندوب فلسطين في كل الاجتماعات الدولية التي ستعقد في هيئات الأمم المتحدة على مدار العام. ولذلك فإن الحدث يكتسب أهمية معنوية كبيرة في ضوء المعاناة المستمرّة للشعب الفلسطيني، إذ يمثل تأكيدا دوليا كبيرا بحضوره ككيان دولي، ناهيك عن دلالاته السياسية وانعكاساته القانونية على مظهر نشاط الدولة الفلسطينية في المنظومة الدولية.
 
وحيث أن فلسطين لا تتمتع بصفة الدولة العضو وإنما بصفة المراقب فقط، فإنه يجب أن لا ننظر إلى اختيارها لرئاسة هذه المجموعة الرئيسة كإجراء روتيني ضمن سياق تناوب الدول الأعضاء على تولّي المسؤوليات ضمن نشاطات الأمم المتحدة، وإنما كان من الواضح أن المجموعة قد خططت جيدا لكي تكون لذلك الاختيار آثاره السياسية ونتائجه القانونية بالضد من كل السياسات التي مورست خلال الأعوام الماضية ضد حقوق الشعب الفلسطيني وتطلعاته إلى أخذ مكانته الدولية وتقرير مصيره بيده.
 
فبعد أن اتخذ وزراء خارجية المجموعة في سبتمبر الماضي قرارا بتولي فلسطين رئاسة المجموعة، أعقبوه بتقديم مشروع قرار إلى الجمعية العامة يوسع من صلاحيات دولة فلسطين مضيفا لها صلاحيّات لا تتمتع بها الدولة المراقبة. وقد حصل مشروع القرار، الذي صاغته مصر، تحت بند “تعزيز منظومة الأمم المتحدّة” على تأييد أغلبيّة من 146 دولة مقابل 3 دول ضدّه هي أستراليا وإسرائيل والولايات المتحدة، وامتناع 15 عضوا عن التصويت.
 
الأمر الجوهري في القرار أنه اعتمد مجموعة من طرائق عملٍ خاصّة “لمشاركة دولة فلسطين في دورات وأعمال الجمعية العامة والمؤتمرات الدولية التي تعقد برعاية الجمعية أو الأجهزة الأخرى التابعة للأمم المتحدة”، طيلة فترة رئاسة فلسطين للمجموعة، كان الهدف منها تمكين دولة فلسطين من مشاركة فعّالة في كل الاجتماعات، بحيث تتصرّف عمليا كأي دولة كاملة العضوية. ولعل هذا الإجراء يضع الحدث في صياغته القانونية التي تمكنّ فلسطين من التصرّف كدولة كاملة العضوية في مباشرتها لمسؤولياتها في رئاسة مجموعة الـ77 والصين في كل محافل الأمم المتحدة.
 
فقد طلب القرار، من أجهزة المتحدة والوكالات المتخصصة والمنظمات والكيانات الأخرى ذات الصلة داخل منظومة الأمم المتحدة، تطبيق تلك اﻟﻄﺮائق التي تتضمن الحق في الإدلاء ببيانات نيابة عن المجموعة، بما في ذلك ضمن ممثلي المجموعات الرئيسية، وتقديم المقترحات والتعديلات، والمشاركة في رعاية المقترحات والتعديلات، ورفع الاقتراحات الإجرائية، كما تتضمن الحقّ في تقديم تعليلات للتصويت نيابة عن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي هي أعضاء في مجموعة الـ77 والصين وحق الرد في ما يتعلق بمواقف المجموعة والصين.
 
وتشي الكلمات التي ألقاها ممثلو إسرائيل والولايات المتحدة وأستراليا بالظلال السياسية المهمّة للقرار، إذ سيكون صوت فلسطين هو الناطق نيابة عن القسم الأعظم من سكان الأرض خلال هذا العام. فقبل التصويت على القرار عبّرت كلماتهم أمام الجمعية العامة عن المعارضة الشديدة لمشروع القرار. فقد قال نائب البعثة الأميركية في نيويورك جوناثن كوهين، إن “بلاده لا تعترف أساسا بوجود دولة فلسطينية، وبالتالي فإنها تعارض بشدة اتخاذ هذا القرار”. مضيفا أنه “يحق فقط للدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تتحدث وتتصرف باسم مجموعات الدول الرئيسية في الأمم المتحدة”. وأضاف المندوب الأميركي “إن تحقيق السلام الحقيقي يتطلب التحلي بالشجاعة للجلوس على طاولة المفاوضات وتقديم التنازلات”. وشدّد على أن هذا القرار “هو العكس تماما”. وهذا الموقف ليس بجديد، فالولايات المتحدة تعارض أي خطوة من شأنها تقوية الوجود الفلسطيني في أجهزة المنظومة الدولية بما في ذلك انضمام فلسطين إلى المعاهدات الدولية.
 
أمّا المتحدث باسم دولة الاحتلال (إسرائيل) فقد رأى أن القرار “لا يخدم إلا مصالح أحد الوفود”. وأضاف “إن المحاولات المستمرة لتغيير القواعد الإجرائية تُضعف المنظمة، وأنه من المُثير للسخرية النظر في المشروع في إطار بند جدول الأعمال المعنون “تعزيز منظومة الأمم المتحدة”.
 
الدولة الثالثة التي صوّتت ضد القرار، أستراليا، وقالت في كلمة على لسان السفيرة جيليان بيرد “إن قرار أستراليا بعدم التصويت على هذا القرار يعكس موقفنا القديم بأن المحاولات الفلسطينية للحصول على اعتراف كدولة في المحافل الدولية لا تساعد كثيرا الجهود الرامية إلى حل الدولتين”.
 
لكن ممثل دولة فلسطين شدّد في كلمته إثر تبني القرار، على أن حكومته “لن تدّخر جهدا لإثبات هذه الثقة في قدرتها على تمثيل مصالح مجموعة الـ77 والدفاع عنها”، مضيفا أن وفده سوف يشارك بشكل بناء مع جميع الشركاء في “تعزيز التعاون والتوصل إلى اتفاقات مفيدة من أجل الصالح العام للبشرية”.
 
وآثرت الكلمات التي ألقيت أثناء تسلّم الرئاسة، يوم 15 يناير الجاري، التأكيد على الأهمية المميزة للحدث، فقد أكدّ كل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ورئيسة الجمعية العامة ماريا فيرناندا اسبينوزا على “الأهميّة التاريخية لتولي فلسطين رئاسة مجموعة الـ77، في ظل الأهمية الكبيرة لهذه المجموعة ودورها الفاعل في رسم السياسات داخل منظومة الأمم المتحدة ولما تمثله من ثقل بشري كبير في هذا العالم”. وأشار غوتيريش إلى أن الشعب الفلسطيني قد واجه أكبر التحديات العالمية خطورة.
 
وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس “إن استمرار إسرائيل في الاستعمار والاحتلال لفلسطين يقوض تنميتنا وقدرتنا على التعاون والتنسيق ويعرقل التنمية المستقبلية المتسقة لجميع شعوب المنطقة”.
 
ولا بدّ من الإشارة إلى أن تسلم دولة فلسطين رئاسة مجموعة كبيرة كمجموعة الـ77 والصين في الأمم المتحدة يأتي في ظل التسريبات والتحليلات المتضاربة بشأن ما أطلق عليه تسمية “صفقة القرن” على أساس أنها مشروع أميركي جديد لحلّ النزاع في الشرق الأوسط من شأنه إسدال الستار على مشروع نشوء دولة فلسطينية بالفعل. وبالتالي فإن ظهور فلسطين المتعدّد في محافل الأمم المتحدة سيعيد التذكير بمأساة شعب سلبه الاحتلال كلّ حقوقه، ويسعى جاهدا لسلب حتى حقه في الكلام.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد