رسالة النبي موسى الى الملك حدد بن بدد

mainThumb

21-01-2019 09:41 PM

 الحلقة السادسة 

 
رسالة النبي موسى الى الملك  حدد بن بدد 
ثم يتحدث النص التوراتي عن رسالة النبي موسى عليه الصلاة والسلام الى الملك حدد بن بدد ملك ادوم الأردني مستعطفا اياه ان يسمح لموسى وقومه ان يمروا عبر مملكة ادوم الى بلاد كنعان ولكن حدد رفض ذلك جملة وتفصيلا لأسباب تخص بلاده وعرشه كما سياتي في سياق البحث 
جاء في التوراة بهذا الخصوص:
 (17-دَعْنَا نَمُرَّ فِي أَرْضِكَ. لاَ نَمُرُّ فِي حَقْل وَلاَ فِي كَرْمٍ، وَلاَ نَشْرَبُ مَاءَ بِئْرٍ. فِي طَرِيقِ الْمَلِكِ نَمْشِي، لاَ نَمِيلُ يَمِينًا وَلاَ يَسَارًا حَتَّى نَتَجَاوَزَ تُخُومَكَ».واشتملت هذه الآية على : طلب المرور عبر ارض ادوم التي هي مملكة حدد بن بدد , وانهم لن يمروا عبر الكروم ولا يشربون من الابار الا بالثمن , وانهم لن يؤذوا المزروعات وانما يلتزمون المسير في الطريق السلطاني المسمى أيضا طريق الملك  لا يحيدون يمنة ولا يسرة. ومن هذا النص يتبين خصوبة البلاد الأردنية  بالمزروعات واشجار الفواكه والخضروات والمنتجات في ذلك العصر والتي أصبحت قاحلة في القرن العشرين ومطلع الحادي والعشرين الميلادي . , وان هناك طريق عام معروف ويخترق الممالك الأردنية من الجنوب الى الشمال اشرنا اليه سابقا , وهو طريق الملك , وان هناك ابار على ناصية الطريق وعلى طوله وهي ابار سبيل لشرب والاستخدام للأفراد والقوافل وليست لشعب مثل بني إسرائيل . لذا  عليهم ان يدفعوا ثمن الماء الذي سيشربونه .
18-فَقَالَ لَهُ أَدُومُ: «لاَ تَمُرُّ بِي لِئَلاَّ أَخْرُجَ لِلِقَائِكَ بِالسَّيْفِ». أي الملك حدد بن بدد ملك ادوم 
وجاءت قصة طلب موسى الاذن بالمرور ورفض الملك حدد لهذا الطلب في نص التوراة على النحو التالي (سفر العدد 20) 
1-وَأَتَى بَنُو إِسْرَائِيلَ، الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا (أي ان بني إسرائيل الذين خرجوا وسلموا جميعا قد وصلوا الى هنا) إِلَى بَرِّيَّةِ صِينَ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ (أي في الشهر الأول من خروجهم من مصر الى سيناء). وَأَقَامَ الشَّعْبُ فِي قَادَشَ. وَمَاتَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ وَدُفِنَتْ هُنَاكَ.
2-وَلَمْ يَكُنْ مَاءٌ لِلْجَمَاعَةِ فَاجْتَمَعُوا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (أي انهم تجمعوا احتجاجا ضد موسى وهارون حيث لم يكن الماء متوفرا ولا توجد مصادر من الينابيع والابار حيث انهم يجهلون طريقة استنباط الماء التي كان يسلكها الادوميون, وتعودوا في مصر على توفر الماء السطحي الجاري الذي لا يحتاج الى جهد جهيد لاستنباطه او الحصول عليه)).
3-وَخَاصَمَ الشَّعْبُ مُوسَى وَكَلَّمُوهُ قَائِلِينَ: «لَيْتَنَا فَنِينَا فَنَاءَ إِخْوَتِنَا أَمَامَ الرَّبِّ.
  أي جادلوا موسى وهارون واعتبروهما خصوما لبني إسرائيل لأنهم جاءوا بهم الى هذه البرية التي لم تكن بمستوى وادي النيل من الخصوبة وطيب الحياة، حيث تمنوا الموت لأنهم لم يصبروا على شظف العيش الذي كان امرا عاديا لدى الأردنيين الأدوميين:
4-لِمَاذَا أَتَيْتُمَا بِجَمَاعَةِ الرَّبِّ إِلَى هذِهِ الْبَرِّيَّةِ لِكَيْ نَمُوتَ فِيهَا نَحْنُ وَمَوَاشِينَا؟ (وهو دليل على انهم كان بحوزتهم مواشي من مختلف الاصناف منها الضأن والبقر والبغال والحمير والكلاب) 
5-وَلِمَاذَا أَصْعَدْتُمَانَا مِنْ مِصْرَ لِتَأْتِيَا بِنَا إِلَى هذَا الْمَكَانِ الرَّدِيءِ؟ لَيْسَ هُوَ مَكَانَ زَرْعٍ وَتِينٍ وَكَرْمٍ وَرُمَّانٍ، وَلاَ فِيهِ مَاءٌ لِلشُّرْبِ!».
أي انه مكان لا يناسبهم مناخا ولا طبيعة ولا إمكانات ولا تتوفر فيه حياة الرغد التي كانوا ينعمون بها في مصر. وقد وصفوا الخروج انها صعود من مصر أي انهم جاءوا من الأرض المنخفضة الى الأرض العالية، لأنهم خيموا في منطقة جبلية وهي برية صين، ولذلك قالوا: (لماذا اصعدتنا من مصر) 
6 فَأَتَى مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ أَمَامِ الْجَمَاعَةِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَسَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا، فَتَرَاءَى لَهُمَا مَجْدُ الرَّبِّ.
7-وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً:
8 «خُذِ الْعَصَا وَاجْمَعِ الْجَمَاعَةَ أَنْتَ وَهَارُونُ أَخُوكَ، وَكَلِّمَا الصَّخْرَةَ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ أَنْ تُعْطِيَ مَاءَهَا، فَتُخْرِجُ لَهُمْ مَاءً مِنَ الصَّخْرَةِ وَتَسْقِي الْجَمَاعَةَ وَمَوَاشِيَهُمْ».
9-فَأَخَذَ مُوسَى الْعَصَا مِنْ أَمَامِ الرَّبِّ كَمَا أَمَرَهُ،
10 وَجَمَعَ مُوسَى وَهَارُونُ الْجُمْهُورَ أَمَامَ الصَّخْرَةِ، فَقَالَ لَهُمُ: «اسْمَعُوا أَيُّهَا الْمَرَدَةُ، أَمِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ نُخْرِجُ لَكُمْ مَاءً؟».
11-وَرَفَعَ مُوسَى يَدَهُ وَضَرَبَ الصَّخْرَةَ بِعَصَاهُ مَرَّتَيْنِ، فَخَرَجَ مَاءٌ غَزِيرٌ، فَشَرِبَتِ الْجَمَاعَةُ وَمَوَاشِيهَا.
12 فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمَا لَمْ تُؤْمِنَا بِي حَتَّى تُقَدِّسَانِي أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِذلِكَ لاَ تُدْخِلاَنِ هذِهِ الْجَمَاعَةَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا».
13-هذَا مَاءُ مَرِيبَةَ، حَيْثُ خَاصَمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الرَّبَّ، فَتَقَدَّسَ فِيهِمْ.
14 وَأَرْسَلَ مُوسَى رُسُلاً مِنْ قَادَشَ إِلَى مَلِكِ أَدُومَ: «هكَذَا يَقُولُ أَخُوكَ إِسْرَائِيلُ: قَدْ عَرَفْتَ كُلَّ الْمَشَقَّةِ الَّتِي أَصَابَتْنَا.
15-إِنَّ آبَاءَنَا انْحَدَرُوا إِلَى مِصْرَ، وَأَقَمْنَا فِي مِصْرَ أَيَّامًا كَثِيرَةً وَأَسَاءَ الْمِصْرِيُّونَ إِلَيْنَا وَإِلَى آبَائِنَا،
16-فَصَرَخْنَا إِلَى الرَّبِّ فَسَمِعَ صَوْتَنَا، وَأَرْسَلَ مَلاَكًا وَأَخْرَجَنَا مِنْ مِصْرَ. وَهَا نَحْنُ فِي قَادَشَ، مَدِينَةٍ فِي طَرَفِ تُخُومِكَ.
17-دَعْنَا نَمُرَّ فِي أَرْضِكَ. لاَ نَمُرُّ فِي حَقْل وَلاَ فِي كَرْمٍ، وَلاَ نَشْرَبُ مَاءَ بِئْرٍ. فِي طَرِيقِ الْمَلِكِ نَمْشِي، لاَ نَمِيلُ يَمِينًا وَلاَ يَسَارًا حَتَّى نَتَجَاوَزَ تُخُومَكَ».
18-فَقَالَ لَهُ أَدُومُ: «لاَ تَمُرُّ بِي لِئَلاَّ أَخْرُجَ لِلِقَائِكَ بِالسَّيْفِ».
19-فَقَالَ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ: «فِي السِّكَّةِ نَصْعَدُ، وَإِذَا شَرِبْنَا أَنَا وَمَوَاشِيَّ مِنْ مَائِكَ أَدْفَعُ ثَمَنَهُ. لاَ شَيْءَ. أَمُرُّ بِرِجْلَيَّ فَقَطْ».
20 فَقَالَ: «لاَ تَمُرُّ». وَخَرَجَ أَدُومُ لِلِقَائِهِ بِشَعْبٍ غَفِيرٍ وَبِيَدٍ شَدِيدَةٍ.
21-وَأَبَى أَدُومُ أَنْ يَسْمَحَ لإِسْرَائِيلَ بِالْمُرُورِ فِي تُخُومِهِ، فَتَحَوَّلَ إِسْرَائِيلُ عَنْهُ.
22-فَارْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا، مِنْ قَادَشَ وَأَتَوْا إِلَى جَبَلِ هُورٍ. (أي ان اقامتهم في منطقة قادش كانت مؤقتة وارتحلوا منها مجرد رفض الملك حدد لهم ان يستقروا او يمروا كذليل انها كانت من مملكة حدد بن بدد وليست خارج سلطانه.). 
23-وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ فِي جَبَلِ هُورٍ عَلَى تُخُمِ أَرْضِ أَدُومَ قَائِلاً:
24 «يُضَمُّ هَارُونُ إِلَى قَوْمِهِ لأَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الأَرْضَ الَّتِي أَعْطَيْتُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكُمْ عَصَيْتُمْ قَوْلِي عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةَ.
25-خُذْ هَارُونَ وَأَلِعَازَارَ ابْنَهُ وَاصْعَدْ بِهِمَا إِلَى جَبَلِ هُورٍ)) انتهى المراد نقله. 
موقع ادوم الاستراتيجي ومزيد من الشرح للنصوص والوقائع: ‏
 طلب موسى من الملك حدد بن بدد اذنا للإسرائيليين كي يسلكوا في «طريق الملك» أي الطريق السلطاني عبر ادوم. (‏ قارن سفر العدد ٢٠: ‏١٧‏) ‏ هذه الطريق التي امتدت من خليج العقبة لتلتقي عند معان مع الطريق القادمة من مدائن صالح الى دمشق في ارام، ‏ وسميت السلطاني لأنها كانت تعبر الممالك الأردنية من خليج ادوم / العقبة الى دمشق وتعبر ممالك: ادوم ومؤاب وحشبون وعمون وباشان فيما يمكن تسميته الان الخط بالسريع النافذ. وكانت طريقا لمرور القوافل والمواطنين والبضائع والجيوش. وكانت تعتبر مشاعا لجميع الممالك ووقفا سلطانيا أي ملكيا لا يجوز لاحد ان يقطعه او يمنعه على المالك الأردنية ورعاياها، لأنه كان شريان المواصلات والاتصالات بين الممالك الأردنية القديمة، وكان أيضا أحد الطرق الرئيسة للقوافل التجارية العابرة والبينية التي كانت تشكل موردا رئيسا لخزائن هذه الممالك الاردنية. وقد شرحنا (ادناه) مسارها وتفرعانها سابقا في هذا البحث وأنها كانت تصل الى مصر غربا، والى يثرب (المدينة المنورة فيما بعد) ثم الى اليمن السعيد جنوبا، وفي الشمال تنتهي الى اذرعات فدمشق، وفرع اخر الى طبريا وصور والبحر الأبيض المتوسط حيث التواصل مع الفينيقيين، والى الساحل الكنعاني أي الفلسطيني فيما بعد 
  واشترط موسى عليه السلام على نفسه وقومه عند طلب الاذن من الملك حدد بن بدد ان يسلك بنو اسرائيل أثناء اجتيازهم بأدوم سيسيرون بمحاذاة الهضاب المرتفعة التي تحد العربة من الشرق، أي ما بي جبال الشراة والبادية، حيث كانت مدن ادوم الرئيسة تقع على طول هذه الطريق. ‏ (‏ انظر سفر التكوين ٣٦: ‏٣٣؛ ‏ ٢ مل ١٤: ‏٧‏) ‏ كما وُجدت طريق تؤدي الى الشرق امتدت من نقب الجنوب أي بجوار الحميمة مرورا بمعان عند طرف الصحراء العربية، ‏ حيث تلتقي طريقا اخرى تسير باتجاه جنوبي شمالي، وهي الطريق السلطاني التي أشرنا اليها توا. ‏ 
وتسمى طريق الملك هذه بالطريق السلطاني حيث لا زال الاسم عليها الى يومنا هذا في بداية القرن الحادي والعشرين الميلادي وتسمى أيضا الطريق الصحراوي او الخط الصحراوي لأنه متاخم للأرض التي أصبحت الصحراء الأردنية ويمتد بينها شرقا  وبين جبال الشراة ومؤاب غربا، وكانت خطا هاما يربط الممالك الأردنية الثمودية في طريق واحد وتمتد الى الجنوب الى مدائن صالح والحجر والعلا., كما تتفرع الي عصيون جابر وقادس برنيع وساحل البحر الأبيض المتوسط , وتتفرع من قادس أيضا باتجاه مصر عبر وادي الطميلات الى عاصمة الفراعنة والهكسوس في طيبة شرقي نهر النيل . وتتفرع عنها في عصيون جابر طريق اخر عبر وادي العربة الى طبريا واريحا. 
وعلى هذا الطريق في البادية الأردنية شرقي الكرك تم إنشاء سد مائي منذ أقدم العصور عند ملتقى الوديان الصحراوية التي تأتي من أعماق البادية الأردنية الشرقية، ويقع السد على هذا الطريق والتلاقي، ويسمى السد السلطاني ولا زال يحمل الاسم نفسه الى يومنا هذا بدون تغيير منذ الاف السنين، لأنه على طريق الملك او الطريق السلطاني وكان يعتبر طريقا دوليا في تلك العصور يربط الممالك الأردنية الثمودية معا وتسلكه القوافل التجارية الآتية من اليمن وبالعكس، وكان ذلك قبل وزمن الملك حدد بن بدد.
وقد استُخدمت هذه الطرق لنقل البضائع القيّمة الآتية من مصر، ‏ وبلاد العرب، ‏ وارام أي دمشق، ‏ وبلاد ما بين النهرين. ‏ ويُرجح ان الرسوم المحصّلة من قوافل الجمال والبغال والحمير المارة بهذه الطرق ساهمت الى حد كبير في ازدهار ادوم المادي والاقتصادي على مستوى الدولة والافراد والقرى والمدن والمحطات التجارية والأسواق. ‏ ويُحتمل ايضا ان المسافرين عبر الصحراء الذين اضناهم التعب كانوا يدفعون ثمن الطعام والمأوى والخدمات التي يحصلون عليها في محطات التوقف والمبيت وتبادل البضائع، حين يصلون الى ادوم. ‏وفي جميع الحالات فان ذلك كان يحرك السوق في حينه ويساعد على زيادة الدخل الفردي ودخل الدولة. وقد كانت العربات التي تجرها الخيول والبغال والحمير تسير على هذا الطريق تحمل البضائع البينية والركاب والمتاع أيضا. 
ان الجرف الصخري الجبلي العالي العميق في الجانب الغربي لهضبة الشراة، ‏ يتميز انه شديد الانحدار والوعورة ويطل على وادي العربة قد شكل حاجزا طبيعيا وحماية طبيعية من الصخور، والتي كان يتعذر تسلقها او احتلال ادوم من خلالها/ جهتها، الا ما كان من جروف يمكن ان تشكل ممرات صعبة بين ثنايا الصخور، وشكلت هذه الجهة الحصن الرئيس في ادوم بحماية قصوى. ‏
    وحال الاخدود العميق في وادي زارد / الحسا دون قيام موآب باجتياح المنطقة من جهة الشمال. ‏ الا ان الجبهة الشرقية الصحراوية كانت أكثر وأيسر عرضة للهجوم لأنها كانت مفتوحة، واختراقها سهل والمسير فيها، بحيث يمكن ان يتم ليلا بدلالة القمر والنجوم، ونهارا في وضح النهار، مما استوجب بناء قلاع متتالية للحماية لتشكل خط دفاع عن المملكة الأدومية من جهة الشمال الشرقي ومن الشرق، التي بدورها شكلت الحماية من هجمات قبائل المديانيين وغيرهم من البدو، قبل مجيء حدد بن بدد وقبل قيام ادوم باحتلال مدين وضمها بالقوة الى مملكة ادوم، كما سنجد في البحث بعون الله تعالى. 
   وعلاوة على ذلك، ‏ تخترق الجبال والهضاب صدوع تحدها عموما من كلا الجانبين جروف من الحجر الرملي الاحمر يتعذر تسلقها، حيث انها وعرة وقائمة وملساء في اغلبها، ‏ وتشكل هذه الجروف ممرات جبلية ضيقة وخطرة يصعب سلوكها او اجتيازها. ‏ ولهذا السبب تصف نبوة يهوه بفم النبي ارميا الأدوميين بأنهم مقيمون بكل ثقة ‹في مخابئ الصخر ومعتصمون بمرتفع الأكمة›، ‏ وبأنهم يشبهون العقاب في عشه. ‏ (انظر سفر ارميا ٤٩: ‏٧، ‏ ١٦‏ ‏).
   اما الادوميون فهم ورثة الحوريين من حيث المكان والعرق ونمط الحياة والتنظيم الاجتماعي والسياسي والثقافة والعقلية، والاستمرار الحضاري فكلهم ثموديون. وإذا كانت كلمة حوري -كما يرى بعض العلماء -تعني «ساكن الكهوف “فإنها تعني في لغتنا اللون الأحمر الممزوج بألوان أخرى بحيث يطغى عليها اللون الأحمر. وهو نفس المعنى لكلمة ادوم.
‏   كما ان ذكور الأدوميين خضعوا في البداية للختان. ‏ (‏سفر ارميا ٩: ‏٢٥، ‏ ٢٦‏؛ ‏ قارن حز ٣٢: ‏٢٩‏. ‏) ‏، ويبدو انهم تعلموا ذلك من النبيين الكريمين صالح وشعيب عليهما الصلاة والسلام، فكلاهما نبيان عربيان ثموديان، وكان على الاسرائيليين المرتحلين في البرية ألا ينتهكوا حق الأدوميين في امتلاك الارض، ‏ لاعتقاد الإسرائيليين وهما واعتقادا واهنا ان الأدوميين متحدرون من عيسو الوهمي، وان الرب يهوه سبق ان اعطى جبل سعير ملكا للمتحدرين من عيسو. أي للآدوميين -انظر سفر التثنية ٢: ‏١-‏٨‏. ‏وبمعنى اخر ان إلههم يهوه اعطى ادوم لليهود، وهذا هراء لا يتفق مع منطق ولا عقل.
كانت القبائل الأدومية في الاصل خاضعة لحكم وسيطرة شيوخ القبائل، وكانوا من رعايا الحوريين مثلما كان الانباط من رعايا الأدوميين فيما بعد، ‏ وتشير سلالة الملوك الأدوميين المتعاقبين الى ان الحكام جاءوا من قبائل أدومية مختلفة وانهم وصلوا للعرش عبر الانتخاب والاختيار وليس من خلال الوراثة، ولا من خلال الاقتتال والصراع، ولا من خلال الأساليب الدموية، ‏ وبالتالي لم تستأثر بالعرش الملكي عشيرة معينة ولا اسرة معينة لأنه لا توجد عشيرة عندهم تولت الملك بالوراثة ولا بالديمومة. ‏ (‏قارن سفر التكوين ٣٦: ‏١٥-‏١٩، ‏ ٣١-‏٤٣‏)، مما زاد من قوة الدولة وديمومتها. لأنه لم يتبوأ العرش الا من يستحقه ومؤهل له بعيدا عن العواطف والمزاجيات والاهواء الشخصية ‏.
  والاشارة في سفر التكوين ٣٦: ‏٣١ الى الحكام الأدوميين بأنهم «الملوك الذين ملكوا في ارض ادوم قبل ان يملك ملك على بني اسرائيل» اعتُبرت من وجهة نظر بعض النقاد مفارقة تاريخية او اضافة أُقحمت لاحقا. ‏ لكن هذا غير صحيح لأنه لم يكن لبني إسرائيل ملكا زمن الأدوميين، وانهم عرفوا تنصيب الملك لاحقا بعد عدة قرون، تقليدا لملوك مملكة عمون كما سياتي بعون الله، وأشار الى ذلك القران الكريم في سورة البقرة (اية 246 سورة البقرة)، وكان ذلك اول ملك من بني إسرائيل وهذا اعتراف سفر التكوين (في سفر التكوين ٣٦: ‏٣١). كما ان موسى وهو نبي من اولي العزم وهو كليم الله سبحانه وهو الذي يعتقد (بضم الياء) انه كاتب سفر التكوين، وكان يعرف وعد الله الواضح ليعقوب (‏اسرائيل) ‏ بأن ‹ملوكا سيخرجون من صلبه / أي ملوكا لبني إسرائيل) (‏ التكوين ٣٥: ‏١١‏) ‏ كما ان موسى نفسه تنبأ بأن اسرائيل سيحكمها ملك في النهاية -سفر التثنية ٢٨: ‏٣٦‏. ‏
 ان الباحث (د احمد عويدي العبادي) لا يتفق مع ما ورد في الترجمة السبعينية اليونانية حيث توجد فيها اضافة الى الآية في سفر ايوب ٤٢: ‏١٧ تحدد هوية ايوب بأنه يوباب، ‏وانه الملك الأدومي المذكور في سفر التكوين ٣٦: ‏٣٣‏. ‏ ولا شك ان أيوب عليه السلام هو نبي من انبياء الله تعالى نزل في ادوم ولم يكن ملكا ويمكن ان يكون يوباب أحد ملوك ادوم، ولكنه ليس النبي أيوب على الاطلاق، وانما اسم على اسم، وكان مقر سيدنا أيوب في العيص على الجبل المطل على الطفيلة والمسمى العيص الى الان، ذلك الجبل الذي كان واحدا من اعمال المملكة الأدومية، وان كانت التوراة تشير الى ملوك ادوم مقترنين بأرض العيص او العوص واسم سيدنا أيوب عليه السلام.
    وترى نصوص التوراة من باب الاحتمال ان أحد «اصحاب» ايوب الثلاثة الذين زاروه وانتقدوه اثناء مرضه كان ادوميا أي من امراء ادوم، ‏ وهو أليفاز التيماني، وكان أحد أصحاب أيوب الثلاثة، وكان من تيمان وهي ولاية من ولايات أدوم. ويبدو اليفاز في صورة حكيم وقور من حكماء تيمان في أدوم، قارن ما ورد في سفر التكوين ٣٦: ‏١١، ‏ ٣٤‏. ‏) ‏ ويُشار في سفر ارميا ٤٩: ‏٧ الى ان تيمان الأدومية اشتهرت بحكمة شعبها. ‏ وربما ساهم في اكتسابهم هذا الصيت كثرة احتكاكهم وتواصلهم المستمر مع المسافرين الآتين من الشرق والتعامل مع القوافل. ‏ وللحديث بقية في الحلقة السابعة بعون الله


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد