الديمقراطية الأميركية كانت كارثة على الشرق الأوسط - فرانسيس غيلس

mainThumb

23-01-2019 03:55 PM

 بعد الحادي عشر من سبتمبر، قام المحافظون الجدد في الولايات المتحدة بصياغة رؤية للسياسة الخارجية، فضّلت استخدام القوة لفرض مؤسسات ديمقراطية على الأشخاص المضطهدين، بحجة عدم قدرة الناس الخاضعين للحكم الدكتاتوري على تحديد مصيرهم، مما يعطي القوى الأجنبية التزاما أخلاقيّا بتحسين مصيرهم عوضا عنهم.

 
أشار عالم السياسة الأميركي، أندرو باسيفيتش، إلى أنّه على الرغم من إمكانيات القوات المسلحة الأميركية التي وصلت إلى ذروتها في حقبة ما بعد الحرب الباردة، فإن هذه القوات المجهزة والموهوبة والمدربة تدريبا عاليا، والمنظمة، غير قادرة على إنجاز أي من المهام الأساسية التي تم تكليفها بها. وقال “نرسل القوات إلى الحرب لكنها لا تحقق السلام. وبدلا من ذلك، يبدو أن حروب أميركا ومناوشاتها ستستمر دون نهاية”.
 
يوضّح باسيفيتش في تحليل نشر على موقع “توم ديسباتش” أنّ هناك العديد من الأسباب التي تفسر هذه الحالة المؤسفة، فالخدمات المسلحة قد صممت لإظهار القوة العسكرية على أساس عالمي؛ فالدفاع عن الولايات المتحدة هو عبارة عن فكرة ثانوية، بعد أولويات أخرى مثل محاولة تهدئة مقاطعة قندهار في أفغانستان أو المواجهة مع الجماعات المسلحة في الصومال.
 
في الشرق الأوسط، الذي كان محور معظم النشاط العسكري الأميركي على مدى الجيل الماضي، تستند الفكرة الإمبريالية الديمقراطية على الاقتناع بأن الناس في هذه المنطقة الشاسعة متجانسون ثقافيا، وأن طبقاتهم الوسطى قوية سياسيا، وأن مواطنيهم يدركون واجباتهم تجاه بعضهم البعض، وأن الأساس الاجتماعي والمؤسسي للديمقراطية موجود.
 
أدرك قادة عسكريون بريطانيون وفرنسيون كبار خلل هذا التحليل، وعارضوا بلدانهم في الانضمام إلى الولايات المتحدة في العراق سنة 2003، وليبيا عام 2011. رأى بعض القادة بعد فترة قصيرة من سقوط نظام طالبان في أفغانستان أن محاولة بناء الديمقراطية في ذلك البلد كان عملا غبيّا، على الرغم من التطلعات الديمقراطية للعديد من الأفغان.
 
لا يستطيع الكثير من الناس هناك الاتفاق على الخطوط الأساسية للأمة، ناهيك عن الطبيعة الأساسية للدولة. يعرّف الأصوليون هناك، في جميع أنحاء العالم العربي، “الأمة” بأنها جماعة المؤمنين المسلمين الذين تحكمهم العلاقات وفق الشريعة الإسلامية، في حين يعرّفها القوميون بأنها مجموع المواطنين الذين يشتركون في لغة وثقافة وتراث، والمرتبطين بالقوانين المدنية والمؤسسات العلمانية.
 
تحدّد الأقليات في أفغانستان وإيران والدول العربية “الأمّة” من حيث سماتها الطائفية الخاصة، التي تهيمن عليها المؤسسات التي تضمنها، مثل الأقباط في مصر والموارنة في لبنان. وتعرّف الأقليات غير العربية المصطلح عبر الاجتماع في اللغة، حيث يعتبر الأمازيغ في الجزائر مثالا على ذلك.
 
أقامت تونس، المتجانسة دينيا ولغويا، نقاشات ديمقراطية منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي في 2011، إثر ثورة كانت نابعة من الداخل، لم يتم تشجيعها أو التأثير عليها من الخارج. تعتبر الطبقة الوسطى التونسية أقوى من معظم الطبقات الوسطى في الدول العربية، وفي هذا البلد يعتبر وجود المرأة وتأثيرها أهم من وجودها وتأثيرها في أي مكان آخر من أماكن المنطقة، بفضل تحررها قبل ثلاثة أجيال في عهد الحبيب بورقيبة.
 
تشكل الصحوة العربية مأزقا هائلا للولايات المتحدة. فمع تجاهل الديمقراطية باسم النفط في بداية “الحرب الأميركية من أجل الشرق الأوسط الكبير” -وهو عنوان كتاب باسيفيتش الذي نشر في 2016- فإن الولايات المتحدة سبق وأن أعلنت نفسها أعظم بطل في الديمقراطية، بعد 11 سبتمبر.
 
منذ ظهور الجمهورية الإسلامية في إيران في 1979، استنتج صناع السياسة في الولايات المتحدة أن القضاء على طرف واحد سيء هو مفتاح حل مشكلة أكبر. وقد فشل صانعو السياسة الأميركيون أكثر من مرّة في إدراك عدم وجود هدف موحد “للحرب ضد الإرهاب”. هناك أسباب أخرى أعمق، وراء عدم استعداد العالم العربي الأوسع للديمقراطية.
 
إن العقل العربي قادر تماما على التفكير الليبرالي لكن الحواجز الاجتماعية والمؤسساتيّة تشكل عقبات هائلة أمام تحقيقه. إنّ الحواجز تعارض روح الضوابط والتوازنات، وفصل الحريات الدينية والدولة والحريات الفردية التي تميز معظم الديمقراطيات الغربية.
 
لقد ورث الشرق الأوسط من أسلافه العثمانيين وغيرهم، تقليدا من البيروقراطية المركزية والاستبدادية التي يرمز إليها الملوك أو الدكتاتوريون العسكريون، الذين كان لديهم توطيد قوتهم وقمع المعارضة والحفاظ على الامتيازات الاقتصادية للعشيرة أهم من التنمية الاقتصادية والتعليمية. وظلّت قوى الطبقة المتوسطة ضعيفة عندما واجهت قواتا عسكرية أو ملكيّة أو دينية، ذات أولويات بعيدة عن الديمقراطية.
 
لا يعتمد الحكم الديمقراطي ببساطة على الانتخابات الحرة، إذا لم تكن مصحوبة بإصلاح مؤسسي واقتصادي، فإن النتيجة تبقى حالة من الجمود، كما تكتشف تونس. كما أعطت الانتخابات الحرة في العراق السلطة للشيعة ونفوذا أكبر لإيران، وهو عكس ما كان يقصده المحافظون الجدد في الولايات المتحدة. وبقيت مصر تحت سلطة من يقود الجيش.
 
قبل الغزو الأميركي للعراق في 2003، حذر أكاديمي أميركي كبير رئيس هيئة موظفي نائب الرئيس الأميركي من أن الانتخابات الحرة في العراق ستعطي قوة أكبر لإيران. وكان الرد المتغطرس من لويس “سكوتر” ليبي: “أنت تفهم التاريخ، ونحن نصنعه”.
 
أطلقت الإمبريالية الديمقراطية العنان الطائفي والعرقي والأيديولوجي الذي أعاد الشرق الأوسط ثلاثين سنة إلى الوراء. لقد فشلت تماما في إعادة إحياء معظم البلدان التي زارتها. وأصبح الصراع الطائفي والعرقي، واستعادة الحكم الاستبدادي، من عواقب نظرية تدميريّة.
 
ربما يكون دونالد ترامب أكثر حكمة مما نعتقد. لكنه من الغريب أن تكون سياسة رئيس ذي توجهات معادية لتوجهات باراك أوباما، في سوريا مشابهة لسياسة سلفه.
 
العرب


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد