الحب السيبراني - داليا عبيدات

mainThumb

14-02-2019 11:27 AM

هل سبق لك وأن سمعت بهذه المصلحات أو إحداها: الأمن السيبراني (Cybersecurity) ، الحروب السيبرانية (Cyberwar)، التنمر السيبراني(Cyberbullying)، الإرهاب السيبراني (Cyberterrorism) ، الجرائم السيبرانية (Cybercrimes) وغيرها من المصطلحات المرتبطة بكلمة سايبر- Cyber؟ 
 
كلمة سايبر، أصلها يوناني( kubernētēs κυβερνᾶν) وتعني الضبط أو التحكم، وتطور المصطلح ليشمل  كل ما يتعلق بالحواسيب وشبكات  الإتصال الإلكترونية، كالإنترنت. ويشار للعالم الإفتراضي بالفضاء الإلكتروني (CyberSpace) وهو مصلح اقترحه "وليام غيبسون" في روايته "الكروم المحترق" عام 1982 بإعتباره أن البيئة الإفتراضية موازية  للبيئة الحقيقة التي نعيشها.
 
إليكم الجديد؛ فهناك الحب السيبراني
 
 يقع الناس في الحب على شبكة الإنترنت – هذه حقيقة -  ويختبرون مشاعر عميقة خلالها، تم إثباتها في كثير من الأحيان ، إلا أن هنالك من يصر على إنكارها، نظرا للشك في وجود علاقات حب حقيقية على شبكة الإنترنت.
 
هناك توجه يرى أن الإنترنت جعل المستخدمين أكثر ثقة في بعضهم البعض حيث مكنهم من الكشف عن المعلومات بسرعة أكبر، وهذا يؤدي بدوره إلى صداقات وألفة أسرع نتيجة لتأثير الإفصاح وعدم التحفظ   Online Disinhibition Effect والتي يتم اختصارها بـ ( ODE)  الذي يجعل المستخدم أقل سيطرة أو ضبط لنفسه عبر الإنترنت مقارنة بالتواصل الشخصي، كما لو كانوا في حالة سكر حسبما ترى عالمة النفس السيبراني ماري آيكن .  
 
وهنا يطرح السؤال :  كيف يكون من الممكن تأسيس علاقة وثيقة وحميمة إذا كان تواجد المشاركين مرتبط فقط بتبادل الرسائل النصية (Texting ) أو مقاطع الفيديو والصور عبر شبكة الإنترنت؟ 
 
من أجل توضيح ما إذا كانت الرومانسية الإلكترونية (Cyber-Romance ) بمثابة العلاقة الرومانسية الحقيقية أو مجرد علاقة زائفة ، يجب علينا أولا توضيح مفهوم العلاقة وربطها بالظروف التي تختلف باختلاف طريقة تفكيرالأشخاص وتوجهاتهم وتطلعاتهم، حيث أن تخطي مبدأ الصراحة والشفافية من البداية قد يسبب اختلاطاً في المفاهيم بين المشاركين ، كأن نرى فتاة مثلا واقعة في غرام شاب يعتبرها صديقة لا أكثر، فتتحطم كل آمالها وأحلامها التي بنتها وفقا لما شعرته اتجاهه منذ البداية. 
 
إنه من الطبيعي أن تتطور العلاقة الإجتماعية بين شخصين إذا كان التواصل بينهما متكرر. و تأتي عملية التواصل على شكلين رئيسيين  وهما : التفاعل غير المتزامن (مؤجل) ، مثل: الرسائل التقليدية، والملاحظات. 
 
أو التفاعل المتزامن (الفوري) مثل: المكالمات الهاتفية ، والمحادثات الشخصية ، والأنشطة المشتركة.  ومع ميزة المزامنة وعدم المزامنة التي توفرها منصات التواصل الإجتماعي وتطبيقات المحادثة بجميع أنواعها مثل " الماسنجر" و "الواتس أب"، أصبح أمر تأسيس العلاقات بل والحفاظ عليها أسهل مما هو عليه في أرض الواقع. ولقد أشارت "ديانا تيرنر" - عالمة الأعصاب في جامعة هارفرد - أن معدل كلامنا مع الآخرين والذي نفصح خلاله ذاتيا عن شعورنا أو ما نفكر فيه يصل إلى 40%، ولكن عندما نتصفح  الإنترنت يتضاعف مقدارالإفصاح الذاتي إلى 80%، وذلك يعزا للاستجابة الدماغية الشبيهة بإطلاق الدوبامين عند مستخدمي الإنترنت. وهذا التفسير النفسي- الاجتماعي للعلاقات الشخصية لا يضع قيودا على نوع الوسائط المستخدمة في التواصل الفردي في حالة الحب  أو الإجتماعي في حالة الأصدقاء والمعارف، وبالتالي يسمح لعلاقات اجتماعية حقيقية بالتشكل عندما يتصل المشاركون مع بعضهم البعض في الغالب أو بشكل حصري عبر بيئة إلكترونية . 
 
خلال تطور العلاقة على شبكة الإنترنت، يتعرف المشاركون على بعضهم البعض ويتفاوضون حول تعريف مشترك للعلاقة ، كتحديد توقعاتهم وإرساء ميولهم مما يحدد الرغبة فيما بعد للإلتزام بالعلاقة.
 
وبصرف النظر عن الإتصالات المفتوحة وأنماط السلوك التفاعلي الذي يوفره التواصل على أرض الواقع كالعمليات العاطفية والتحفيزية والمعرفية الموجودة في داخل كل شريك، كشعورالشوق، والرغبة في التحضير للإجتماع القادم، وتذكر التجارب المشتركة التي مر بها الطرفين، إلا أن الفضاء الإلكتروني (Cyberspace )  يلعب دوراً مهماً في جودة واستمرارية العلاقة.
 
تتميزعلاقات الحب  بروابط شخصية قوية تختلف بشكل واضح عن العلاقات العائلية والصداقة. وهنالك ثلاث عناصر أساسية للعلاقات الرومانسية في علم النفس كما يرى شتاينبرغ : العاطفة والحميمية والالتزام. 
 
ومن الناحية النظرية ، لا يمكن لأي أحد إنكار حقيقة أن علاقات الحب حصرا على العالم الواقعي ، لأنه من حيث المبدأ ، العاطفة (الإثارة المشتركة والإفصاح عن الرغبات والخيالات الجنسية)، الحميمية (كالدعم في أوقات المشكلات الشخصية) ، والالتزام (التواصل المنتظم) ، موجود في العالم الإفتراضي كما هو في العالم المادي (الواقعي). لذلك أي علاقة رومانسية ينشئها الشخص عبر الإنترنت ، ويلتزم بها خارج الشبكة يطلق عليها " علاقة غرامية إلكترونية".
 
ووفقا لموقع الجمعية الأمريكية لعلم النفس، تشير عدة دراسات إلى أنه حتى عندما لا يكون هناك اتصال شخصي فعلي بين الأطراف ، يمكن أن تكون العلاقات عبر الإنترنت مدمرة كما لو كانت على أرض الواقع ، مثيرة بذلك مشاعر الغضب والغيرة وانعدام الأمان. وهناك العديد من الأسباب التي تجعل الناس يلجأون إلى هذه العلاقات ، كالهروب من الواقع، و إطلاق العنان للخيال ، والحصول على احترام الذات ، وتجنب إختبار آلام علاقات سابقة ، والرغبة في القاء نظرة خارج  العادات والتقاليد والدين الذي ينبذ التعارف و يحدد شرعية العلاقة وفق ظروف وشروط خاصة. 
 
 وإن كانت قصص الحب في الحقيقة تتمايل بين فرص النجاح والفشل، بين الصدق والخداع ، وبين الشفافية والغموض، فإن فرص هذا التمايل يجنح بالغالب إلى الأسوء عبر شبكة الإنترنت فهي غير آمنة، فإعدادات الخصوصية والأمان يمكن انتهاكها بكل سهولة وأكبر مثال على ذلك فضيحة إختراق بيانات الفيسبوك التي طالت 87 مليون حساب مستخدم في عام 2018 ، وعلى أثرها تعرض مؤسس الشركة "مارك زوكربيرغ" إلى المساءلة القانونية أمام الكونغرس الأمريكي، حيث تم ربط الموضوع بدوافع سياسية. 
 
بالإضافة إلى ما يوفره الإنترنت من وجود خاصية الإسم المستعار أوالمجهولية “Anonymity” ، التي أصبح بسببها الإبتزاز على جميع أشكاله متاح ، لا رادع له، حيث تتجلى أبشع صور انعدام الإنسانية من إحتيال وكذب وخداع وإيذاء بدم بارد، أغلبها ناتجة عن أمراض نفسية كامنة وكأن الإنترنت محرر للوحش الذي بداخل كل شخص من ذاك النوع.
 
 ولقد  قامت العديد من برامج  تلفزيون الواقع “Reality Shows” مثل " Catfish” ، وهو برنامج يتناول  البحث عن أشخاص منتحلين لشخصيات خيالية او مزيفة على الإنترنت ويستغلون هذه الشخصيات  بإقامة علاقات غرامية مع أشخاص آخرين مع إعطاءهم معلومات مغلوطة عن أنفسهم ، وفكرة البرنامج جاءت من تجربة صاحبها  "نيف شالمان" الذي تعرض للإحتيال من قبل إمرأة شابة أحبها وتعلق بها عن طريق الفيسبوك، ليكتشف فيما بعد أنها امرأة خمسينية ، لديها ما يقارب 30 حساباً ، بأسماء أشخاص مختلفين، وعند مواجهتها بالحقيقة كان ردها " الفيس بوك كان أملي المرتقب و عالمي الوحيد الذي أحسست من خلاله بشعور المتعة والإعجاب، لقد أحسست بأنني مرغوبة وبأن أحد ما يهتم بي، حتى وإن كان ذلك كله من نسج الخيال، لقد صدقته  وآمنت به".  
 
 وما زاد الطين بلة هو إطلاق مواقع المواعدة الإلكترونية " Online Dating Websites”، التي تهدف إلى جمعك بتوأم روحك المميز، وتشجع على إقامة علاقات تحاكي تلك التي على أرض الواقع . ولقد كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي  عن,000 15 جريمة إلكترونية في العام 2016 ، وقدرت الخسائر المالية المرتبطة بهذه الجرائم ب 230 مليون دولار على مدى سنتين متواليتين أي ان الإحتيال العاطفي يحصد أكثر من 100 مليون دولار سنويا.
 
كما أشارت الإحصاءات الرسمية في بريطانيا عام 2017، أن 1.9 مليون بلاغ تم تقديمه لحوادث تتعلق بالاحتيال باسم الحب عبر الإنترنت في انجلترا وويلز وتضمن ذلك ابتزاز جنسي وعاطفي ومادي.
 
وأما بما يتعلق في عمليات النصب والابتزاز العاطفي الإلكتروني  في البلدان العربية ، مثل الإمارات- دبي، فلقد صرحت مديرية مكافحة الجرائم الإلكترونية بالإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية أن قضايا النصب الإلكتروني والإبتزاز العاطفي والمادي احتلت الصدارة في مجمل القضايا الإلكترونية عام 2014 بواقع 2799 قضية مسجلة خلال الأعوام الثلاث الأخيرة . وفي الأردن، تعاملت وحدة الجرائم الإلكترونية في إدارة البحث الجنائي في مديرية الامن العام  مع ما يزيد عن (7500) جريمة إلكترونية في عام 2018  وأغلبها جرائم جنسية. 
 
وهنا لا بد من الإشارة إلى  أن معظم حالات النصب والإحتيال تنطلق من استغلال  كلا الجنسين لعاطفة كل منهما الآخر، لذلك وجب أخذ الحيطة و الحذر، و عدم الخلط بين العاطفة والعقل، فوجود العاطفة لا يلغي العقل. ولنبتعد عن عقد المقارنات ، فعلاقات الحب الإفتراضية عبر وسائل التواصل الإجتماعي، ليست في الغالب مضمونة النتائج، وحتى يثبت العكس تبقى هذه العلاقات مجهولة المصير.

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد