لبنان: إعادة إنتاج الأزمة - عديد نصار

mainThumb

14-02-2019 03:56 PM

 واضح أن القوى السياسية المسيطرة في لبنان تواصل إعادة إنتاج نظام سيطرتها بدعم صريح حينا وموارب أحيانا من قوى النظامين الإقليمي والدولي، على الرغم من تراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمالية التي ترثها عن نفسها من حكومة إلى أخرى، وبرغم الفضائح والنتائج الاجتماعية المدوية التي ترجمها جورج زريق في أقصى أشكالها من خلال إحراق جسده في باحة المدرسة التي يتعلم فيها أولاده نتيجة انعدام قدرته على دفع الأقساط المدرسية والإذلال الذي وجد نفسه فيه أمام أطفاله.

 
يعيد النظام اللبناني إنتاج سيطرته غير عابئ بمن هم تحت، فقواه واثقة أن هؤلاء لن يكون بمقدورهم أن يرفعوا الصوت نفسه أو يوحدوا ساحات احتجاجهم مهما تفاقمت أوضاعهم. وأن قضية جورج زريق ستمر خلال أيام كما مرت قضية الطفل أحمد الزعبي وسواها من القضايا المشابهة.
 
وهكذا يناقش البرلمان اللبناني البيان الوزاري للحكومة الجديدة برئاسة سعد الحريري، الذي هو نسخة معدلة عن البيان الوزاري للحكومة السابقة، غير آبهٍ بأصوات المحتجين على مسافة أمتار في ميدان رياض الصلح والذين هم أنفسهم لم يتمكنوا من التوافق على خطاب واحد.
 
الحكومة التي تمثل بتشكيلتها الوزارية نسخة مصغرة عن هذا البرلمان سوف تنال الثقة حكما، غير أنه لا بد للنواب من مختلف الكتل أن يستعرضوا مهاراتهم الخطابية في عمل شبه مسرحي بائس على شاشات الفضائيات، إذ لم يكن بمقدور رؤساء الكتل النيابية أن يختصروا الكلمات بكلمة واحدة يلقيها أحد أعضاء الكتلة الواحدة وتعبّر عن موقفها، إذ يريد أكثر من نائب من الكتلة عينها إظهار عبقريته طالما أن الكلمات تنقل عبر الشاشات.
 
ورغم الاتهامات المتبادلة بالفساد فإن الجميع داخل القاعة مطمئن. الفساد مطمئن إلى رطانة الخطابات التي تدعو إلى محاربته. فمحاربة الفساد على أيدي القوى المسيطرة في لبنان التي حكمته ولا زالت منذ اتفاق الطائف راكمت على اللبنانيين أكثر من مئة مليار دولار من الديون، إضافة إلى مئات المليارات من الناتج المحلي التي لا نعرف أين ذهبت.
 
صحيح أن عددا محدودا من النواب سوف يحجب الثقة عن الحكومة، ولكن هذا لن يغيّر من الأمر شيئا. وحده النائب جميل السيد وفي خطاب شعبوي فضح بعض التوجهات المالية التي تصيب ذوي الدخل المحدود وخصوصا المتقاعدين معتبرا ذلك خطا أحمر، وأن تقليل الفساد المالي إلى النصف كاف لاستعادة التوازن إلى مالية الدولة، مؤكدا أن “لبنان ليس مفلسا، لبنان بلد منهوب”.
 
في المقلب الآخر، تتعالى وتيرة الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي كلما ظهرت واحدة من قضايا البؤس التي يشهدها لبنان يوميا، من الطفل محمد وهبة الذي توفي على باب المستشفى لعدم قدرة ذويه على دفع تأمين مالي، إلى الطفل أحمد الزعبي الذي سقط في منور بناية في بيروت أثناء ملاحقة شرطة بلدية بيروت له، إلى إحراق جورج زريق نفسه لعدم تمكّنه من دفع أقساط أولاده، ونتيجة الابتزاز الذي تعرض له على يد إدارة المدرسة من أجل إعطائه إفادة مدرسية تمكنه من نقل ابنته إلى مدرسة رسمية، إلى فادي إبراهيم رعد الذي يعتصم وحيدا في إحدى ساحات طرابلس مقطب الفم مضربا عن الطعام منذ أسبوعين. وتيرة الغضب هذه لم تتمكّن من أن تترجم واقعا على الأرض في ساحات الاحتجاج، ما يدفع الناشطين إلى اليأس وإلى جلد الذات وجلد المجتمع الذي يتعرض لكل هذه الكوارث دون أن يتمكن من تنظيم حالة احتجاجية حاشدة قادرة على المواجهة.
 
الدولة اللبنانية محكومة من ائتلاف مافيات عائلة وميليشياوية يهيمن عليها اليوم ويحميها حزب الله. هذه المافيات منغمسة بالفساد وتستثمر في قطاعات الدولة وتنهب المال العام عبر إقراض الدولة بفوائد عالية من خلال البنوك التي يمتلكها قادة هذه المافيات، مباشرة أو بالواسطة، ومن خلال الصفقات والتعهدات الوهمية أو شبه الوهمية أو الفعلية ولكن بتكاليف مضاعفة. لذلك فإنّ قوى السلطة همشت وألغت دور المؤسسات الرقابية ودجنت القضاء وسيطرت على كل مؤسسات السلطة. كان ذلك بداية برعاية نظام الأسد وبالاشتراك معه، ثم بات اليوم تحت هيمنة حزب الله وسلاحه المذهبي.
 
يتمتع نظام ائتلاف القوى المافيوية بغطاء طائفي ذي امتداد إقليمي، وبدعم سياسي ومادي إقليمي ودولي مقابل بيع ولاءات سياسية يعبَّر عنها بمواقف سياسية تتضارب وتتلاقى حسب تضارب أو تلاقي المواقف والأجندات السياسية الخارجية.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد