أحداث عجلون .. أخطاء متكررة ومعالجات عقيمة - عمر عليمات

mainThumb

18-02-2019 02:55 PM

 الحديث عن هيبة الدولة لم يعد يضيف شيئاً جديداً، بل مجرد كليشيهات مكررة بلا روح ولا معنى، فالأصل تصويب الخطأ، وفرض هيبة الدولة يبدأ بالبحث عن الأسباب الكامنة وراء تزايد نزعة تحدي مؤسسات الدولة وقوانينها لدى البعض، وعدم التعامل معها بعقلية الثأر بدلاً من عقلية سيادة القانون.
 
ما جرى في عجلون ليس بالجديد، وإن كان هذه المرة أكثر شراسة، حيث وصل الأمر إلى استخدام السلاح ضد الدولة، ومن الواضح أن من يرفع سلاحاً في وجه رجل أمن أو أمام مبنى حكومي يمارس تهديداً مباشراً ضد الدولة وسيادتها وهيبتها.
 
لا نريد الحديث هنا عن حالة بعينها أو إطلاق أحكام بناء على روايات صدرت من هذا الطرف أو ذاك، فهذا دور المؤسسات المعنية لا دورنا، ولكن على الجميع وفي مقدمتهم الحكومة ورئيسها الوقوف وقفة حقيقية لقراءة الواقع الذي وصلنا إليه، ومعرفة لماذا بات السلوك الحكومي بغض النظر عن مستواه محل شك واعتراض؟، ولماذا أصبح الفرد مستفزّاً بطريقة غير مبررة؟، وكأنه يبحث عن طريقة لتنفيس الغضب دون التفكير في النتائج والمآلات.
 
لنتكلم بصراحة، فالأردني بات اليوم في حالة صدام مع أي قرار حكومي، والريبة هي المسيطرة، وحالة عدم اليقين بأن الحكومة تعمل لمصلحة الفرد والمجتمع باتت طاغية. وإن كنا نبالغ في ذلك، فما بال الإطارات المشتعلة التي ملأت شوارعنا في أحداث عديدة، وإن تباعدت أوقاتها واختلفت مقاصدها ومسبباتها، ولماذا تغص صفحات التواصل الاجتماعي بالإشاعات والاتهامات دون أي تفكير في مصدرها وهدف مطلقيها؟.
 
القضية ليست قضية شباب منفعل وفورة غضب آنية، فعندما يصبح الشغب عنواناً للأردن في الصحافة الدولية والإقليمية، فعن أي استقطاب للاستثمار نتحدث، وأي مستثمر سيواصل استثماره، وأي طالب سيأتي للدراسة في جامعاتنا، وأي تطوير سياحي نتحدث عنه؟.. والقائمة تطول.
 
عندما تحذر السفارات رعاياها من شوارعنا، وعندما نعلن عن وقف إطلاق نار، وكأننا في بلد غير الأردن الذي نفخر بقانونه وأمنه وأمانه، وعندما تعطى الحكومات مُهلاً محددة زمنياً، فنحن أمام منزلق خطير ينذر بما لا تحمد عقباه.
 
أحداث عجلون لن تكون الأخيرة ما دام تفكير "نظام القطعة" هو المسيطر على إدارتنا للعمل العام، وما دام نظام التخدير هو السائد، وما دام المسؤول يعتبر نفسه عابر سبيل يسلم الأزمة لمن بعده، دون حلول أو حتى تفكير في إيجاد حلول، اليوم لم نعد أمام حالة من النزق العام بقدر ما نحن أمام حالة من الاستقواء على الدولة وكُفر بواح بأي تصرف تتخذه، وهي متهمة حتى وإن كانت بريئة، وما هذه الحالة إلا نتيجة حتمية لسياسة "الطبطبة واللفلفة"، التي مارستها العديد من حكوماتنا مع الكثير من مشاكلنا، فلا هي عرفت السبب وراء هذه المشاكل ولا هي قدمت حلاً جذرياً لها.
 
لو كنا نفكر بالطريق الصحيح لدعت الحكومة إلى تشكيل خلية أزمة على مستوى الدولة، لأنه إذا كان أمن المجتمع وهيبة الدولة لا يستحقان خلية أزمة، فأي أمر آخر يستحقها؟!، اليوم الحكومة مدعوة لمناقشة وبحث كل جزئية من جزئيات الغضب الذي بات يعتمل في الصدور وينتظر عود ثقاب، اليوم نحن بحاجة ماسة إلى حوكمة قراراتنا وعدالتها، واتخاذ الشفافية عنواناً للعمل لا مسحوقاً للتجميل، علينا أن نعيد للأردني ثقته بحكومته ومسؤوليه.
 
الأردن أكبر من أي حكومة وعلى مَن يريد أن يمارس ذات الأخطاء ويواصل النهج نفسه الذي أحرق أصابعنا في كل المجالات، أن يترجل ويترك السفينة لغيره، لعله يوصلها إلى بر الأمان، ليس لنا سوى هذا الوطن نحتمي به، فلا تكونوا سبباً في إضعافه، والخرق يكبُر يوماً بعد يوم، فلا توصلونا إلى مرحلة لا ينفع معها الرتق.

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد