الطفيلة في حضرة الملك - د. صبري ربيحات

mainThumb

20-02-2019 04:35 PM

الطفيلة التي انتظرت نصيبها من الامطار والثلوج تلقت الكثير منها هذا الاسبوع فمنذ ايام وبشائر الخير تنهال على المحافظة التي امتازت بتنوع تضاريسها وغنى مواردها وكثرة خيراتها وصلابة انسانها ...
 
الى جانب نعم السماء عليها وعلى اهلها كانت الطفيلة في هذا الاسبوع على موعد مع زيارة ملكية اسعدت الاهل وبددت القلق واعادت الى الانفس الكثير من الامل والحياة فعلى ارض الجامعة التقنية التقى جلالة الملك وسمو ولي العهد بالالاف من ابناء المحافظة الذين اتوا من كافة الجنبات التي اعياها الفقر ونال منها العوز دون ان يلامس قلوبهم المشبعة بالحب والايمان والوفاء. ففي كل زاوية من زوايا المكان هناك ما يذكرهم بالبدايات الجميلة والمسيرة التي كان عنوانها "معه وبه انا ماضون..فلتشهد يا شجر الزيتون".
 
اللقاء الذي تم على اكثر البقاع الجغرافية ارتباطا بما يبعث في النفوس الفخر ويولد مشاعر الاعتزاز كان صادقا ودافئا ومثمرا ومختلفا عن الكثير من اللقاءات التي طالما اتخذت طابعا بروتوكوليا ففي هذه المرة استمع جلالة الملك الى مطالب الاهالي واوجاعهم وعتبهم وحبهم دون كلل أو استعجال. واجاب على اسئلتهم واستفساراتهم وقال لهم بالكلمة والابتسامة والوقفة والايماءات بانه يعرف شكواهم ومعاناتهم ويتطلع الى ان يرى انفراجا لازماتهم واجابات شافية لاسئلتهم ومقترحاتهم .
 
في الذاكرة الشعبية للاهالي والمكان صور للامير زيد بن الحسين والملك عبدالله الاول والحسين الباني الذين جاءوا الى الطفيلة مرارا واقاموا في بيوتها وعرفوا اسماء شيوخها ونسجوا علاقات لا تنسى مع رجالات الطفيلة منذ ذياب العوران ومصطفى المحيسن وحتى سلامة سعيد وسليمان عيال عواد فقد زار المرحوم عبدالله الاول الطفيلة واقام في بيت العوران ويذكر الطفايلة يوم حضر المرحوم جلالة الحسين الى الطفيلة لافتتاح المستشفى عام 1961 وامضى فيها ليلتين في ضيافة الشيخ صالح العوران ويحفظ الجميع ابيات الشعر التي حملتها قصيدة عارف المرايات في عام 1989 وهو يخاطب الحسين الذي جاء لصلاة العيد مع الاهل في الطفيلة اذ قال " فانظر لنفسك رغم انك بيننا ...انت المضيف وشعبك الزوار"
 
زيارة جلالة الملك وولي العهد تاتي لتعيد لذاكرة الطفايلة الايام الجميلة التي أمضاها الاباء وهم ممتلئون بمشاعر الفخر والاعتزاز باسهامتهم في بناء الوطن وصناعة التاريخ ففي مثل هذا الوقت من عام 1918 تداعى ابناء الجوابرة والحمايدة والعطاعطة والسعوديين والثوابية والحويطات والحجايا والمناعيين للانضمام الى جيش الثورة العربية بقيادة الامير الشاب زيد بن الحسين 
 
الذي نصب خيمة على مقربة من العيص حيث الجامعة اليوم. وفي مشهد فيه من الجلال والقدسية والايمان التفت العشائر حول قيادة الامير زيد للقتال في احد اهم معارك الثورة العربية الكبرى التي انهت الوجود العثماني في جنوب البلاد" معركة حد الدقيق" حيث فقد العثمانيون قيادتهم واسر جنودهم والقوا بمدافعهم فغنمها العرب ولفتت انظار العالم الى الصلابة والشجاعة التي تحلى بها ابناء هذا الجزء الغالي من الوطن العزيز.
 
منذ تلك الايام نالت الطفيلة شرف الاسهام في صناعة التاريخ وترسخ في قلوب وعقول ابناءها الكثير من الحب والتقدير والولاء للهاشمين باعتبارهم اسيادا وقادة وثوارا يحرصون على كرامة الامة ويسعون الى استعادة مجدها وسؤددها . وفي المقابل احس الهاشميون بهذا الصدق وهذا الحب والشجاعة والصفاء فاصبغوا على ديارهم صبغة اسعدتهم وزادتهم فرحا والقا. الطفايلة الذين يفاخرون بانهم ابناء المحافظة الهاشمية كانوا في اعلى درجات السعادة وهم يستقبلون مليكهم وولي عهده . فقد جاءوا رجالا ونساء, شيوخا واطفال. اساتذة وطلابا للقاء القيادة والتعبير عن الحب وبث الهموم في اطار لا يخرج عن الروح التي تاسست منذ ما يزيد على مائة عام . 
 
المشكلات التي تواجه الاردن عديدة ومتنوعة لكنها ليست صعبة لتولد الاحباط او تدفعنا نحو التسليم والقنوط. عبر اكثر من نصف قرن استثمر الاردن في التعليم العالي واوجد عشرات الجامعات التي تدير مئات التخصصات في مختلف الميادين والحقول . المشكلة التي تواجهنا اليوم ان الجامعات لا زالت منهمكة في عمليات التدريس والبحوث النظرية الامر الذي اضعف الصلة بينها وبين محيطها وحرم المجتمع من فرصة التطوير الذي يمكن ان ينجم عن الابحاث التطبيقية.
 
التحديات الكبرى للتعليم العالي لا تتوقف عند تزايد اعداد الخريجين وقلة الموارد المالية وتنامي البطالة بل تتجاوزها الى اهمية التحول نحو التعليم التقني وربط المخرجات بحاجة السوق وتحسين قدرة الخريج على ممارسة المهن والاعمال المستقبلية من خلال التهيئة والدمج في اسواق العمل في المراحل النهائية للبرنامج التعليمي.
 
الطفيلة التقنية جامعة انشأت منذ 14 عام لتعنى برفد السوق بالكفاءات العلمية والابحاث والخبرات في الميادين التي تحتاج الى التقنيات لا سيما انها تتوسط في موقعها موارد الاردن الاساسية في الصناعة والتعدين وشبكات النقل فالى جوارها مناجم الفوسفات ومصانع البوتاس والاسمنت وحقول توليد الطاقة الشمسية ومزارع حصاد طاقة الرياح وهي على مقربة من المناجم التاريخية للنحاس والمنغنيز اضافة الى الصخر الزيتي والاملاح والجص.
 
خلال الزيارة التي قام بها جلالة الملك لمحافظة الطفيلة يوم الاثنين الماضي عرض الطلبة في تخصصات الهندسة والتكنولوجيا عددا من التصاميم والابتكارات التي قدمت حلولا لبعض التحديات التي تواجهنا في مجالات التكنولوجيا والطاقة والموارد. العروض التي قدمها الطلبة كانت نتاجا مباشرا ومناورة حية تبين كيفية توظيف العلوم والمعارف في ايجاد الحلول للمشكلات التي تواجه المجتمع في قطاعات الزراعة والصناعة والطاقة والتعدين وتبين كيفية توظيف البيئة التعليمية بما فيها من معارف وخبرات ومشاغل ومختبرات لتطوير التصاميم والنماذج القابلة للتصنيع والاستخدام .
 
مشاريع الطلبة التي تراوحت بين تصميم لهياكل ومحركات لسيارات السباق والتي سبق للجامعة ان شاركت في منافسة عالمية وحصلت على المرتبة الثانية من بين 32 جامعة بريطانية واروبية, الى روبوتات كشف المتفجرات والالغام وانظمة تحسين كفاءة خلايا الطاقة الشمسية ونظام ترشيد استخدام المياه في مغاسل السيارات والذي بدء تطبيقه الفعلي بكفاءة توفير تصل الى 90%بعض من المشروعات التي يعمل عليها طلبة الجامعة. 
 
اليوم يستعد طلبة الجامعة واساتذتها الى توظيف كل معارفهم ومهاراتهم ونتائج ابحاثهم في تطوير اساليب العمل وايجاد الحلول العملية لمشكلاتنا وصولا الى العالمية في البحث والتطوير والانجاز


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد