تونس: تحيا دولة الحزب - عبدالجليل معالي

mainThumb

23-02-2019 03:41 PM

 منذ إعلان رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، تأسيس حزبه الجديد، أثيرت أسئلة كثيرة متعلقة بعلاقة الحزب الجديد بالدولة. أسئلة تجاوزت مسألة الصخب الذي هيمن على وسائل التواصل الاجتماعي واكتفى بالتركيز على إشكالية اسم الحزب الذي عُدّ استيلاء على مقولة طالما حضرت في شعارات التونسيين في المناسبات الوطنية والرياضية والاحتجاجية.

 
الأعمق من مسألة الاسم المشتق من شعار شعبي ووطني جامع، تمحورَ حول ما اعتُبرَ استعمالا لأجهزة الدولة ومؤسساتها، في خدمة الحزب الجديد.
 
في منطلق الحكاية أن يوسف الشاهد، مؤسس الحزب الجديد، مازال يضطلع بمنصب رئيس الحكومة إلى حد اليوم. وفي منطلق الامتعاض التونسي إحالة على توقيت إعلان تأسيس الحزب أشهرا قليلة قبل الاستحقاق الانتخابي القادم، بما يعنيه ذلك من رهانات تقصّدها الشاهد من تأسيس حزبه على مشارف الانتخابات القادمة. توقيت تأسيس الحزب ومواصلة الاضطلاع بالمنصب الرسمي، مسألتان لفتتا الانتباه إلى ما يعتري الحدث من إخلالات سياسية وقانونية وأخلاقية أكثر عمقا وخطورة.
 
يمكن التجاوز على بعض درجات الإخلال. فاسم الحزب يمكن تغييره صوب صيغة أخرى لا “تعتدي” ولا تصادر مشتركا تونسيا وتحوّله أصلا تجاريا يوظف سياسيا، ومواصلة الاضطلاع بالمسؤولية الحكومية يمكن تداركها بالاستقالة، وإن متأخرة طالما أن المحظور حصل عندما أعلن رئيس الحكومة، وهو في منصبه، اعتزامه تشكيل الحزب. لكن الأخطر يكمن في توظيف مؤسسات الدولة وأجهزتها خدمة للحزب وفعالياته.
 
محاولة بعض قيادات حزب “تحيا تونس” (الذي مازال يسمى كذلك على الرغم من كل التحفظات) إلى تكذيب كل أثر للعلاقة المحرمة بين الدولة والحزب، لم يكن كافيا من الناحية السياسية، لدحض العلامات الدالة على التداخل المشار إليه.
 
تكليف شوقي قداس، رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، برئاسة لجنة إعداد مؤتمر ”تحيا تونس”، كان آخر حلقات التداخل بين الحزب والدولة. الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، هي مؤسسة عمومية تم إحداثها عام 2007، وتم تعيين رئيسها بأمر حكومي في مايو 2015، ثم تم اختياره لرئاسة مؤتمر الحزب ما اضطره في اليوم نفسه إلى إعلان إجازة بشهرين بما يوحي بتفرغه للحزب أو “ابتعاده” عن المهمة الرسمية.
 
 إجازة رئيس الهيئة تعني أيضا تعطل عملها ذلك أنها لا تجتمع إلا بدعوة من رئيسها. ودون الغوص في التفاصيل الإجرائية والقانونية لتكليف قداس برئاسة مؤتمر الحزب الجديد، فإن خيار الشاهد هذا لاقى انتقادات واسعة من جهات كثيرة، لم تكتف بالاعتراض على التكليف الأخير بل ربطت ذلك بوجود العشرات من مسؤولي الدولة ووزرائها في اجتماعات الحزب الجديد، وهو ما يعكس استعادة للنزوع القديم في توظيف الإدارة لخدمة الحزب.
 
التداخل بين حزب “تحيا تونس” والدولة التونسية يعكس “انقلابا” في المفاهيم السياسية. في المعتاد السياسي في كل بلاد العالم أن الحزب يؤسس من أجل الوصول إلى الحكم، على أساس برامج وخيارات اقتصادية واجتماعية يتم صوغها انطلاقا من تشخيص للواقع القائم. ما حدث في “منجز” الشاهد أن الأمر انقلب رأسا على عقب. نشأ الحزب من رحم الحكومة ومن مؤسسات الدولة وورث كتلة برلمانية جاهزة، ثم طرح على نفسه مهمة الوصول إلى الحكم مُنطلقا من مواقع الحكم. وفي ذلك مفارقة ترتقي إلى رتبة البدعة.
 
التداخل بين الدولة والحزب هو واحد من أعراض المرض الذي انتاب الجسد السياسي التونسي. رئيس حكومة يعلن حزبا جديدا، باسم ملتبس معبّر عن خواء سياسي، يستعمل في نشاطه مؤسسات الدولة ومقراتها ومسؤوليها وأجهزتها وبرلمانييها، قبل أشهر قليلة من الانتخابات، فضلا عن انطلاقه ونشأته من داخل الحكومة ذاتها كلها شواهد تتضافر لتعني انقلابا على كل القواعد السياسية السائدة.
 
يستوي الحزب الجديد في ما أقدم عليه من إقحام للحزب في الدولة مع من يستعمل الدين للوصول إلى السلطة. والرابط بين الاستعمالين عقل يفتقد البرامج والحلول، ويبحث عن تعويض عجزه بالاتكاء على الدولة أو على الدين، علّ الاتكاء يسعفه في تذليل العراقيل. ولا غرابة أن يتحالف من يستعمل الدولة مع من يوظف الدين لكتابة مستقبل البلاد بحبر “سياسي” مغشوش.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد