في سنوات عمرهم الأولى يختبرون مشاعر القسوة والخوف

mainThumb

17-03-2019 01:22 PM

السوسنة  - خلافات مستمرة يعيشها الثلاثيني هاشم عبد الكريم مع زوجته بسبب تعنيفها لابنهما الصغير، يقول "تزعجني جدا طريقتها في تربيتها لطفلنا، وتعاملها القاسي معه، بالرغم من أنه لم يتجاوز عامه الثاني"، مبينا أنه غير راضٍ عن تلك الطرق التي تتبعها، والتي تركز في الغالب على الضرب والصراخ وتوبيخه بأبشع الألفاظ. 

ويلفت إلى أنه حذرها مرات عدة محاولا بذلك ثنيها عن أكثر الأخطاء إيذاء لطفلهما، لدرجة أنه هددها بالطلاق في حال أصرت على معاقبته وتخويفه، مستنكرا قسوتها غير المبررة، وافتقادها لمشاعر الحنان والدفء. 
 
يقول "ليس مقبولا مطلقا أن تتخلى الأم عن فطرتها، بحجة أنها تريد تأديب ابنها وإشعاره بالرهبة"، معتبرا أن اللجوء لمثل تلك الأساليب هو في حقيقته أمر خطير له تبعات سلبية تؤثر على نفسية الطفل وبالتالي على شخصيته. ويشير إلى أن تعرض ابنه للمعاملة السيئة وتحديدا في هذا السنة جعله أكثر انطواء وخوفا، مؤكدا أن الأطفال في بداية عمرهم لا يجدي معهم العقاب، وأنهم بحاجة فقط للحب والرعاية والاهتمام. 
 
أخطاء عديدة يرتكبها الآباء خلال تربيتهم لأطفالهم تجعلهم يغفلون عن خطورة تلك التصرفات المنطوية على العنف والإيذاء والتأثير السلبي المؤدي غالبا إلى افتقاد الطفل للأمان والحب، وخاصة في المرحلة المبكرة من عمره. إن تعريضه للتعنيف وبث بذور الخوف في نفسيته وإبداء مشاعر القسوة لتعليمه الامتثال للأوامر كلها أساليب تضعف من شخصية الطفل، وتجعله غير قادر على مواجهة التحديات الكبيرة. 
 
أما هيام عوني التي تصدمها جدا طريقة أختها في تربية أبنائها الصغار، فتقول "أشعر بالضيق والحزن كلما ذهبت لزيارة أختي ورأيتها تعنف صغارها وتضربهم"، معللة تصرفها هذا بأنها لا تفهم عليهم، وأنهم كثيرو الحركة واتباعها أسلوب التخويف هو الحل، لكونها تؤمن به كأسلوب تهذيبي ورادع، ومن شأنه أن يجعلهم أقوى ويعدهم لمواجهة الحياة. 
 
وتبين أنها وبعد نقاشها العقيم مع أختها واستيائها من طريقتها التي تنم عن جهل وقلة وعي، قررت أن تمتنع عن زيارتها رافضة تلك الأفكار التي تدافع بها أختها عن نفسها، ومنتقدة لجوء بعض الآباء لمثل هذه الأساليب قناعة منهم بأنها أساس التربية الصحيحة، وسبيلهم لضبط أطفالهم والسيطرة عليهم. 
 
وتعتقد أنه من الضروري وجود توعية حقيقية تحمي الأطفال من تلك السلطة الأبوية التي قد تكون في بعض الأحيان حلا جائرا. 
 
الأخصائية النفسية أسماء طوقان، ترى أن تعنيف الأطفال من قبل آبائهم بهدف التربية والتأديب يعد إيذاء نفسيا لأطفالهم سواء كان تعنيفا لفظيا أو جسديا، فهو يؤثر على نموهم العاطفي والاجتماعي والسلوكي أيضا، وقد يكون هذا التأثير بشكل ملحوظ على المدى القريب أو البعيد حسب شدة التعنيف وتكراره. 
 
وتضيف "وعليه ينشأ طفلا ضعيف الشخصية متدني الثقة بالنفس هشا من الداخل يعاني من القلق والتردد، لعدم شعوره بالأمان والرهاب الاجتماعي، فيصبح انطوائيا يتجنب الآخرين لشعوره بالنقص والضعف، وأيضا شعوره بالاكتئاب بالإضافة إلى ظهور الاضطرابات النفسية مثل نتف الشعر والتبول اللاإرادي وقضم الأظافر، بسبب العنف بأشكاله المتعددة". 
 
وقد يكون الطفل عدوانيا وعنيفا مع الأطفال الآخرين وحتى مع الكبار؛ لأنه قد اكتسب هذا السلوك من أسرته، فالأسرة هي القدوة أو اللبنة الأساسية لأطفالها، بحسب الأخصائية طوقان. 
 
الاستشاري التربوي الأسري الدكتور عايش نوايسة، يبين أنه جاء الاهتمام بظاهرة العنف نتيجة تطور الوعي العام بأهمية سلوك الإنسان في القرن الحادي العشرين، خاصة بعد تطور نظريات علم النفس التي أصبحت تفسر سلوكيات الإنسان، في ضوء مرحلة الطفولة المبكرة، وما يترتب عليها من أهمية تكوين الفرد في هذه المرحلة المبكرة من حياة الإنسان، وما يترتب من تأثير على حياته فيما بعد، كما ترافق هذا الاهتمام بنشوء كثير من المؤسسات والحركات التي تدافع عن حقوق الإنسان. 
 
ويضيف "يعد العنف مشكلة خطيرة تواجه كثيراً من المجتمعات في العالم، وهو قديم قدم الوجود، ومما يزيد في خطورته أن غالبية من يمارس عليهم العنف هم من الأطفال الذين يمرون بمراحل نمائية مهمة تؤثر في توافقهم النفسي المستقبلي، وبخاصة مرحلة الطفولة المبكرة، وللعنف ضد الأطفال صغار السن مظاهر متعددة فمنه العنف اللفظي والجسدي والنفسي. 
 
وتعد الأسرة اللبنة الأساسية في عملية التنشئة الاجتماعية لما لها من أهمية بالغة في تحديد شخصية الطفل، ونقله منالسواء إلى اللاسواء، وهي المكان الذي تبدأ فيه المعالم الأولى لتنشئة الطفل اجتماعيا.
 
إن العنف ضد الأطفال صغار السن من قبل الآباء أو الأمهات يؤثر في نفسية وسلوك الطفل في الجوانب العقلية والصحية، ويؤدي إلى مشاكل كبيرة في عمليات التواصل الاجتماعي وعمليات التعلم لاحقا، كما تؤدي إلى اضطرابات نفسية تنعكس على شخصية الطفل مستقبلاً. 
 
ويؤكد نوايسة "لذا على الأهل العمل على توفير ظروف مناسبة لنمو الطفل المتوازن في الجوانب النفسية والعاطفية والانفعالية والاجتماعية، وعليهم العمل على إبعاد الأطفال عن مبررات التعنيف والتركيز على توفير بيئة سليمة لنموه في ظل تواصل عائلي فعال".


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد