زيارتان ربيعيتان لافتتان - فـــؤاد مطـــر

mainThumb

19-03-2019 03:08 PM

 ها هي بداية فصل الربيع تُستهل بزيارتيْن لافتتيْن.. بأمل أن تكونا بنتائجهما واعدتيْن، تحدُثان في الوقت الذي ضاق صدر المنطقة العربية بأثقال النازحين السوريين على دول تجاوزت القدرة على تحمُّل الاستضافة ونعني بالذات لبنان بشكل خاص، وبضجيج الاحتجاج العربي الساكت منه، وذاك الذي وصل من حيث التعبير إلى مشارف الحسم. وفي حين أثمر الضجيج الجزائري نتائج طيبة نسبياً، وعلى قاعدة «لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم»، فإن الضجيج السوداني متواصل.

وفي أي حال كان واعياً ومتعادلاً الاحتجاج الشعبي الجزائري مع التفهم الحكيم من جانب صاحب «العهدة الخامسة» المصروف النظر اضطراراً عنها أخْذاً بالمثل الشعبي الجزائري «البلا إذا جاك من جناحك قصو.. وإذا وجعْتك ضرسك نحِّيها»، فلا يتمسك بهذه العهدة ضِمْن خط التعقل في التصرف ثم في اتخاذ القرار. وكذلك من أجْل أن يبقى ماء الوجه محفوظاً.
 
وفي السودان تستمر الحال على ما هي عليه ما دام صاحب العهدة الرابعة يرى أن كل هذا الذي يحدث إنما هو مجرد «ابتلاء» استرشاداً بالآيات الكريمة في أكثر من سورة، ومنها «وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم» و«الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً» و«ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلُوكم في ما آتاكم». صدق الله العظيم.
 
ولأن النظام السوداني من قمته (الرئيس عمر البشير) إلى قواعده الملتزمة ينتهجون عقيدة إسلامية، فمن الطبيعي في ساعة الشدة سواء في النظام أو عليه، اعتبار الأمر حالة ابتلاء من رب العالمين يمتحن بها قدرة عباده على التحمل. وهذا يعني بقاء كتاب الحالة السودانية مفتوحاً بضجيج المحتجين وإجراءات سلطة الابتلاء.
 
الزيارتان الربيعيتان اللافتتان تتمان في أسبوع واحد. فالرئيس اللبناني ميشال عون سيزور موسكو يوم 25 مارس (آذار). وقد تم إعداد متقن للزيارة التي تكتسب أهمية مضافة؛ كون الرئيس عون الحليف للرئيس بشَّار الأسد يزور كرملين بوتين (الحليف حربياً لسوريا الأسدية) في حين العين البشَّارية شاخصة تنتظر من الرئيس الجار اختراقاً للعزلة التي هو عليها النظام البشَّاري، أي بما معناه زيارة من الجار القريب الرئيس اللبناني في الدرجة الأُولى. لكن الله غالب على نحو المثل الشعبي الذي يردده الناس في دول المغرب العربي عندما يواجهون الشدائد. وهنا يصبح الابتلاء توأم جوهر عبارة الله غالب.
 
في الوقت الذي يكون الرئيس عون أنهى محادثاته مع الرئيس بوتين وعاد على درجة من الاطمئنان إلى أن روسيا ستخفف ما أمكنها تخفيفه من أثقال على الكتف اللبناني في موضوع النازحين السوريين، كما يكون أبلغ بوتين من مر الشكوى في شأن ما أصاب سوريا معنوياً إلى جانب الأذى في حق البشر من الدور الروسي الحربي، وهي شكوى يصعب على الرئيس بشَّار الإفصاح عنها، لكن ذلك لا يعني أن قنوات التواصل النشيطة بينه وبين حليفه الرئيس عون لا تنقل بأسلوب أو آخر ما في الصدر البشّاري من مرارة الشكوى... في الوقت هذا يكون البابا فرنسيس بدأ يوم 30 مارس زيارة إلى المملكة المغربية. ومع أن زياراته السابقة إلى دول عربية كانت عموماً مجدية، وبالذات زيارة دولة الإمارات المحطة اللافتة في هذه الزيارات؛ كون رئيس الكنيسة الكاثوليكية لقي على أرض خليجية وللمرة الأُولى ما كان الفاتيكان يتطلع إليه منذ عقود، إلا أن زيارته للمغرب تكتسب البُعد الذي يتجاوز بكثير القضية التي هي عنوان الزيارة، وهي موضوع الهجرة التي يعيرها البابا فرنسيس اهتماماً نوعياً، وذلك من منطلق إنساني.
 
ليس في أجندة البابا فرنسيس نقاط خلاف عالقة تحتاج إلى توضيح. فالمسيحية في المملكة المغربية جزء من النسيج المتماسك، ولا يشعر مسيحيو المملكة بالغربة، ولا بالتميز، ولا بالخشية من اجتياحات داعشية لتهجيرهم، كما أن الكنائس والمدارس الكاثوليكية والمسيحية عموماً تعيش حالة طمأنينة كتلك التي تعيشها في لبنان ومصر... وفي العراق زمن الحكم الصدَّامي. وحيث هنالك كثافة سكانية مسيحية في المملكة المغربية هنالك كنيسة.
 
لكن ثمة مسألة تفرضها الزيارة البابوية المتميزة للمغرب، بمعنى أن تكون مناسبة للحديث حولها، ونعني بها قضية القدس. فالملك المضيف محمد السادس هو وريث والده الراحل الحسن الثاني في رئاسة «لجنة القدس» التي نشأت بموجب توصية من المؤتمر السادس لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي في جدة عام 1975 تضمنت إسناد رئاستها إلى العاهل المغربي.
 
يومها كانت المدينة المقدسة الإسلامية - المسيحية تعيش ظروفاً بالغة الخطورة من جانب الاحتلال الإسرائيلي شملت محاولة لإحراق الحرم الثالث - شُلَّت أيدي الفاعلين. وحتى اليوم امتداداً منذ ذلك التاريخ والمدينة من عبث دولي إلى عبث إسرائيلي.. إلى ابتكارات ترمبية تنذر بالعواصف في حين المأمول صدور نسائم حلول. ثم جاء قرار نقْل السفارة الأميركية ومعها الدائرة القنصلية إلى القدس الغربية يشكِّل ذروة العبث الذي لا بد في الحد الأدنى من مواجهته روحياً من جانب رئيس الكنيسة الكاثوليكية الذي يزور المملكة المغربية ضيفاً عزيزاً مكرَّماً على عاهلها الذي هو رئيس «لجنة القدس» إلى جانب صفته الروحية «أمير المؤمنين».
 
وما دامت محنة المهاجرين هي توأم محنة ملايين اللاجئين الفلسطينيين كما محنة ملايين اللاجئين السوريين، فإن ما يأمله المرء إنسانياً من البابا فرنسيس واستباقاً «صفقة العصر» التي طال طبخها وكثُرت بهاراتها، وقفة نوعية من أجْل القدس التي خصها الملك سلمان بن عبد العزيز بنوع من التذكير له دلالته عندما أطلق على القمة العربية الدورية التي استضافها في الظهران (15 أبريل/ نيسان 2018) تسمية «قمة القدس». ثم كرر التأكيد أمام الجمع العربي – الأوروبي في قمة شرم الشيخ (الأحد 24 فبراير/ شباط 2018) على القدس بأنها مركزية القضية الفلسطينية؛ وهذا لكي يأخذ القاصون والدانون والمرجعيات السياسية والروحية التي تزور الدول العربية وأحدثها زيارة البابا فرنسيس إلى المملكة المغربية، أن القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية التي لا حل إلا بالتسليم الدولي والإسرائيلي بذلك.
 
وفي القمة العربية الدورية في تونس بعد أيام ما سيضاف من التأكيد على ذلك... وربما على نحو ما يحلم به شاعرنا السوداني الكبير أحمد محمد صالح على هامش الغضبة الشعبية لبني قومه «إن كنتمو بعد لم تغضبوا فلستم قُريشاً ولستم مُضر». والله المعين.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد