بومبيو في بيروت: أربع سنوات عجاف والعقوبات في تصاعد - علي الأمين

mainThumb

19-03-2019 03:29 PM

 وزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو في بيروت هذا الأسبوع، في سياق جولة تشمل إسرائيل والكويت، والعنوان الأبرز في زيارته سيكون دور حزب الله في لبنان والمنطقة، ومسؤولية الحكومة اللبنانية تجاه هذا الدور، وتحذيرها من تنامي نفوذه في المؤسسات اللبنانية الشرعية التي تتحول إلى عنصر حماية لدوره غير الشرعي في لبنان وخارجه حسب وجهة نظر واشنطن.

 
في جعبة الوزير الأميركي ملف ما يتعلق بالحدود اللبنانية مع إسرائيل ولاسيما الحدود البحرية التي ترتبط بآبار الغاز المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل. ورغم الخطوات المتقدمة التي نفذتها إسرائيل وباتت قاب قوسين أو أدنى لتتحول إلى دولة مصدرة للغاز، فإن الحكومة اللبنانية تتلهى بصراعات أقطابها وعلى تقاسم جلد الدب قبل اصطياده، فيما ينتشي البعض الآخر من اللبنانيين ببروباغندا المقاومة التي صارت مجرد سوط لجلد اللبنانيين صباح مساء من أجل إضعاف الدولة، وتقديمها هدية إضافية لإسرائيل، بعد سلسلة الهدايا التي جرى تقديمها على مسرح مذبحة الشعب السوري.
 
يصل بومبيو بيروت، من دون أن تحمل هذه الزيارة تطورا في مسار الأحداث الداخلية، فليس لبنان على سلّم أولويات هذه الإدارة، وقصارى ما يَعني الأميركيين اليوم، على الرغم من الرسائل الاعتراضية على تنامي دور حزب الله، هو المحافظة على الاستقرار الأمني الذي يوفره الحزب ويلتزم به على طول الحدود مع إسرائيل، إلى جانب تعزيز الحصانة الأمنية تجاه المجموعات الإرهابية، وهذا ما تقوم به الأجهزة الأمنية والعسكرية، فيما يبقى دور حزب الله العسكري والأمني في سوريا وغيرها، عنوان احتجاج أميركي ومصدرا من مصادر التهديد والتحذير للحكومة اللبنانية.
 
ليس خافياً أن توصيف حزب الله انتقل في واشنطن من رتبة المنظمة الإرهابية، إلى إدراجه تحت توصيف المنظمات الإجرامية، وبحسب مصادر بحثية في واشنطن وقريبة من مؤسسات إنتاج القرار الأميركي في الشرق الأوسط، فإن ثمة وجهتي نظر متعارضتين في أوساط الإدارة الأميركية تجاه لبنان.
 
الأولى تنظر إلى لبنان باعتباره رهينة في يد منظمة إرهابية هو حزب الله، وبالتالي فإن الهدف هو إنقاذ الرهينة وليس قتلها حين اتخاذ أي إجراء أميركي ضد حزب الله، وهذه النظرة أبرز متبنّيها هما وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، وهما الشخصيتان، بحسب المصادر نفسها، اللتان تلجمان أي محاولة إسرائيلية لتعزيز فرص الحرب ضد لبنان، لأن هذه الحرب ستكون حربا مدمّرة كما تشير المواقف والوقائع على هذا الصعيد.
 
أما النظرة الثانية فهي الأشد والأخطر على لبنان، والتي يتبناها فريق آخر داخل الإدارة الأميركية والكونغرس، والتي تعتبر أنه لم يعد هناك شيء اسمه دولة لبنانية، بل حزب الله فقط هو الموجود، وما مؤسسات الدولة إلا وسيلة لتمترس حزب الله بها، وهي الوظيفة الوحيدة التي تقوم بها.
 
الخلاف بين هاتين النظرتين داخل الإدارة الأميركية تجاه لبنان، لا يعني أن ثمة نقاشا داخل الإدارة باتجاه بلورة استراتيجية جديدة. فالإدارة الأميركية ليس لديها أي برنامج لتنفيذ خطة مواجهة في هذا البلد، بل إن الثابت الوحيد في لبنان والمنطقة العربية وتحديدا في المواجهة مع إيران، هو سياسة العقوبات.
 
وتنقل الأوساط البحثية الأميركية المعنية بالشرق الأوسط، أن الإدارة الأميركية فوجئت بسلاسة تنفيذ العقوبات على إيران، فالتزام الصين والهند بشروط العقوبات، وهما الدولتان الأهم بين الدول التي تستورد النفط من إيران، كان أكثر من المتوقع أميركيا، وحتى الاتحاد الأوروبي لم يخرج عن القواعد التي وضعتها واشنطن. أدى ذلك إلى أن واشنطن، التي لا تضع في برنامجها خيار الحرب مع إيران، قلّصت مدة تحقيق العقوبات للنتائج الإيجابية التي تتوخاها، من الفترة بين خمس سنوات إلى عشر سنوات، إلى مدة أدناها ثلاث سنوات وأقصاها خمس سنوات من تاريخ بدء العقوبات الأميركية بعد إلغاء الاتفاق النووي مع إيران.
 
 
بهذا المعنى فإن السياسة الأميركية في تجربة المواجهة مع إيران، وبالتالي أذرعها في المنطقة العربية وعلى رأسها حزب الله، هي سياسة الاستنزاف، من خلال العقوبات المالية وتشديد الحصار، من دون التورّط في أي حرب سواء كانت بقرار إسرائيلي أو أميركي. وهذا التوجه الأميركي الذي يصطدم مع الموقف الإسرائيلي، الذي ينحاز إلى مشروع الحرب ضد النفوذ الإيراني بمظلة أميركية في سوريا ولبنان، لا يزال هو الأقوى ويلجم محاولات إسرائيل التي لا تزال تظهر قلقا من تمدد النفوذ الإيراني في سوريا وتحذر من ترسيخه. فالنظرة الإسرائيلية بحسب المصادر البحثية نفسها، تعتبر أنها تحقق انتصارات في معارك متعددة على إيران في سوريا، لكن هذه الانتصارات لا تؤدي إلى هزيمة إيران في هذا البلد، وهذا ما يجعل القيادة الإسرائيلية متمسكة بخيار الحرب، لكن بغطاء وضوء أخضر أميركيين، وهذا ما لن تقبله واشنطن في المدى المنظور إن لم يكن مرفوضا بالمطلق لديها.
 
يزور بومبيو بيروت في اليومين المقبلين، وهو يدرك أن لبنان أمام خطر انهيار مالي، فضلا عن تنامي الأزمات الاقتصادية والاجتماعية فيه، ولن يضيف على هذا المشهد إلا ما بات معروفا من أن خلاص اللبنانيين بأيديهم وليس بيد الخارج. فالخارج يساعد لبنان إذا ما أراد اللبنانيون مساعدة أنفسهم، وبالتالي فإن ترسيخ مؤسسات الدولة هو الطريق الوحيد لمواجهة المأزق اللبناني، ولا يمكن للدولة أن تقوم وتستقيم في ظل وجود ميليشيا متحكمة ومسيطرة وتتفوق في سلطتها على الدولة. لذا فإن مسار العقوبات سيتصاعد على حزب الله أميركيا، وثمة توقعات بصدور قرارات من وزارة الخزانة الأميركية، ستطال أحد البنوك اللبنانية بسبب ما تعتبره تغطية لنشاطات مالية لحزب الله، وهي خطوة في ما لو جرت، ستزيد من الإحراج للبنوك اللبنانية وللسياسة المالية اللبنانية على وجه التحديد.
 
يحمل بومبيو إلى لبنان سلة من العقوبات المغلّفة بتمنيات استعادة الدولة لسلطتها، وهو لا يعد بخلاص قريب بل بالمزيد من الأزمات طالما أن الدولة ضعيفة ورهينة الدويلة، وما يحذر منه بومبيو هو الحرب بمعناها العسكري، لكن حرب العقوبات مستمرة ولن تتوقف، وأمام اللبنانيين أربع سنوات عجاف وعليهم أن يقرروا ماذا يريدون؛ الدولة أم الدويلة؟
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد