لهذا سيفرح بشار الأسد باعتداء نيوزيلندا؟ - فائق الحسن

mainThumb

19-03-2019 03:30 PM

 في الوقت الذي يحتدم النقاش في الدول الغربية حول موضوع تقديم الدعم والتمويل للنظام الحاكم في سوريا، يأتي الاعتداء الدامي الذي شنّه واحد أو أكثر من المتعصبين في نيوزيلندا والذي أودى بحياة خمسين من المصلّين وأصاب آخرين، حيث يتوقع أن يؤثر هذه الاعتداء وما يشابهه من النشاطات العنصرية في الغرب على مستقبل العلاقة بين الحكومات الغربية والأنظمة المستبدة في العالم.

 
الكثير من المعارضين لحكم بشار الأسد توقّعوا أن ضخ الملايين من اللاجئين إلى خارج البلاد من شأنه أن يدفع الدول الأوروبية إلى زيادة ضغطها على النظام وتدفعه للتنحي كسبيل وحيد لإعادة اللاجئين إلى بلادهم، والتخلص من الضغط السياسي والمالي الذي باتوا يشكلونه على الدول التي استقبلتهم.
 
ولكن عجز المعارضة عن إسقاط النظام، جعل ورقة اللاجئين تخرج من أيدي المعارضين لتصبح في يد النظام وحلفائه فيضغط بواسطتها على الدول الغربية، من أجل الإسراع في حسم موضوع الصراع في سوريا، وتقديم الدعم للنظام كي يستعيد قدراته على حكم البلاد، مقابل تخليص هذه الدول من عبء اللاجئين عن طريق تهيئة الظروف أمامهم للعودة إلى بلادهم.
 
هذه المساعي من قبل روسيا والنظام لإقناع الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية بتمويل إعادة بناء النظام لم تلق حتى الآن قبولا نظرا للحرج الذي تشكله ممارسات النظام وأجهزته الأمنية ضد العائدين إلى مناطقه لمن يدعون إلى إرسالهم إليها، كما حدث مع العائدين قسرا من مخيمات النزوح في لبنان حيث تعرّض الكثير منهم إلى الإخفاء والتصفية، وكذلك فإن الأخبار اليومية عن اعتقال وقتل الأفراد في المناطق التي دخلت في مصالحات مع النظام لتجنب التدمير تبيّن مصير كل المعارضين للنظام إذا ما أصبحوا في متناول المخابرات الجوية والأمن العسكري وقطعان الشبيحة التي لا يحكمها قانون ولا يعنيها بيان سياسي أو تصريح إعلامي يطلقه مسؤولو النظام لخداع من هم خارج البلاد من منظمات وحكومات.
 
لا يكون غريبا أن ندّعي تأثير اعتداء على المهاجرين في أقصى الشرق على العلاقات الدولية في الغرب، فالعالم اليوم أصبح شبكة واحدة، وأي ضغط على خيط منها سينتقل على امتداد هذا الخيط، ويؤثر فيه وفي الخيوط المربوطة به
 
ولكن الحكومات الغربية باتت اليوم معرّضة لضغط كبير من تيار متصاعد القوة يجعل من قضية القومية والعنصرية أكبر محركات صعوده نحو الحكم، ويضم بؤرا تهدد بتفجير الأوضاع السياسية والاجتماعية، خاصة وأنه لا يزال يجد معارضة في تنفيذ مطالبه المتعجلة من قبل أغلبية المواطنين، وهذا التيار يعتبر من يعارضون خياراته خونة للأوطان بفتحهم المجال أمام الغرباء ليصبحوا أغلبية مؤثرة داخلها.
 
وبالتالي فإن تلك الكتل الخطرة من التيار مؤهلة لتصعيد ضغطها على الحكومات وإرهاب معارضيها عن طريق هجمات فردية أو منظمة تستهدف غير الأوروبيين عموما، والمسلمين منهم خصوصا، لتوصل بذلك رسائل واضحة بأنها مستعدة لإشعال الموقف ضد الأقليات في حال الإصرار على عدم تغيير القوانين المتعلقة باللجوء وتجنيس الوافدين، والتي يعتبرها هذا التيار اليميني سببا في تعاظم الخطر الذي يهدد النقاء العرقي للسكان الأصليين والتفوق الاقتصادي لهم في تلك البلاد.
 
وهكذا يعرض النظام الحاكم في سوريا وحلفاؤه المساعدة على الحكومات الغربية لتخليصها من مشكلة اللاجئين التي باتت تشكل خطرا على الاستقرار الاجتماعي وتهدّد بإشعال صراع داخلي في حال تنامي تجلياتها الدموية ودخولها في حلبة الأفعال والردود عليها، بأن يستقبلوا من تسببوا بنزوحهم من جديد، لقاء أن تستبدل تلك الحكومات إنفاق المليارات على اللاجئين وإعاشتهم وتأهليهم بتقديمها للنظام وحلفائه الذين يتوقعون أن تصب كل أموال “إعادة الإعمار” في خزائن شركاتهم.
 
وبمقدار ما تتصاعد ضغوط العنصريين في الغرب وتبلغ أطوارا دموية كما ظهر في اعتداء نيوزيلندا، بمقدار ما تشعر الحكومات الغربية بضرورة الاستعجال في تخفيف العوامل المساعدة على تنامي التيارات العنصرية والفاشية المدّمرة في بلدانها، ومن أهمّ العوامل تزايد أعداد المهاجرين في بلدانها، وخاصة أن تصاعد قوة هذه التيارات لا يهدد السلم الأهلي فيها فحسب، بل ينعش الذاكرة الأوروبية بالذكريات المريرة عن صعودها في بدايات القرن الماضي، والذي أوصل القارة إلى حافة الإفناء في حرب عالمية مدمّرة.
 
وبسبب هذه العجلة فإن الحكومات الأوروبية قد تسرّع من عملية تقديم التنازلات أمام النظام السوري وحلفائه، وصولا إلى العمل على تقويته والسعي إلى تثبيته بعد التنازل عن المطالب بإسقاطه أو إصلاحه على الأقل، وتخفف في المستقبل من ضغوطها على الأنظمة المستبدة لتغيير بنيتها، ومن دعمها لحركات التغيير في البلدان الواقعة تحت حكمها.
 
وهكذا فإن النظام أضاف إلى قائمة حلفائه في المرحلة القادمة كلا من قضية اللجوء والتيار المعادي لها في البلدان المستضيفة، فهو يهدد بإدامة أزمة اللجوء ما دامت هناك تهديدات لبقائه في الحكم، ويستفيد من التيارات المعادية للاجئين في تهديد الحكومات المستضيفة لهم، وبذلك يتحول إلى مساعد في حل هذه الأزمة بدلا من كونه مسبّبا لها، وإلى مستحق للمكافأة والدعم بدل استحقاقه للعقوبات والعداء.
 
 
ولهذا نجد في الخطاب الرسمي والشعبي الموالي للنظام تشجيعا لتوجهات الحركات العنصرية والفاشية في الغرب، فهم يرونهم حلفاء في حرب واحدة، وخاصة أن المنظمات والأحزاب المعادية للاجئين في الغرب باتت كلها تنسج علاقات قوية مع الحكومة الروسية، وتتلقى منها الدعم والتوجيه بخصوص مطالبها السياسية وأطروحاتها الشعبية.
 
كما نرى جهودا خائبة من إعلام النظام في العمل لتطمين اللاجئين وإظهار رغبتهم بالعودة إلى بلادهم، وتصوير حركة إعادة إعمار المناطق التي دمّرها وهجّر سكانها، كدليل على قدرته على استيعاب اللاجئين من جديد، في حال الاتفاق على آلية مرضية لإعادتهم، تتضمن تحمل الدول الغنية لتكاليف هذه الخطوة. وليست دول الجوار لسوريا بعيدة عن هذه اللعبة التي صار اللاجئون فيها كرة تتقاذفها الدول والحكومات.
 
فالحكومة التركية لا زالت تستعملهم كوسيلة لتهديد الحكومات الأوروبية وابتزازها لضخ المزيد من الأموال في اقتصادها المتراجع على شكل منح ومساعدات للاجئين، والتوقف عن دعم معارضيها، وهي ترى أن كل تهديد من قبلها بطوفان من اللاجئين يغمر أوروبا سيشكل استفزازا للحركات المعادية للاجئين، ويترجم بضغوط على الحكومات تدفعها إلى طلب الصمت التركي المدفوع الثمن.
 
وهكذا لا يكون غريبا أن ندّعي تأثير اعتداء على المهاجرين في أقصى الشرق على العلاقات الدولية في الغرب، فالعالم اليوم أصبح شبكة واحدة، وأي ضغط على خيط منها سينتقل على امتداد هذا الخيط، ويؤثر فيه وفي الخيوط المربوطة به، وصولا إلى التأثير في الشبكة كلها.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد