تحقيق صفقة القرن عن طريق ذهول الصدمة

mainThumb

24-03-2019 04:47 PM

الرئيس الأمريكي (دونالد ترمب) و إدارته، على ما يبدو، في صدد "حرق" جميع المراحل في سبيل تصفية القضية الفلسطينية، و بأسرع وقت، و بأقل كلفة و معارضة قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة. 
 
النهج المُتبع يقوم على فكرة "إدارة التغيير بذهول الصدمة" حيث يفاجِئ ترمب - في كل  مرة - العالم بأسرة بإعلان كاسح يقلب جميع الحسابات الإقليمية و الدولية رأسًا على عقب، فمرةً يفاجِئ العالم باللقاء التاريخي مع الزعيم الكوري، و مرةً يأمر بسحب القوات من سوريا، و مرةً يعلن نقل السفارة إلى القدس، ثم يضم القدس والجولان لإسرائيل ! 
 
قد يبدو كل ذلك ليس أكثر من تخبط و اندفاع يتجاوز كل الخطوط الحمراء، و قد يبدو انجرافًا هائلًا باتجاه الرغبات الصهيونية، و قد يبدو كمجرد تسريع لاستحقاقات مُعدّة مسبقًا و كان الخلاف فقط على توقيتاتها، و على  الأرجح أن كل ما يحدث هو استباق لمرحلة ما بعد تغيُّر خارطة القوى العالمية و الإقليمية، حيث (الصين و الهند  و روسيا) تتجه للعب أدوار عالمية رئيسية قد تُنازِع التفرّد الأمريكي المُطلَق، و حيث (تركيا و إيران) يصبحان اللاعبين الأكثر تأثيرًا في الشرق الأوسط، في ظل كل ذلك، فإن الإلحاح يتصاعد باتجاه إنهاء أحد أقدم و أخطر الملفات العالمية و الإقليمية متمثلًا بالقضية الفلسطينية قبل تنامي أي دور للقوى سابقة الذكر.
 
العوائق الكبرى أمام حل القضية الفلسطينية -كما يرها الكثير من الأطراف- هي القدس و اللاجئين و المياه و يهودية إسرائيل و الدولة الفلسطينية مع حدود 1967 ، وهي جميعها محاور جدلية و معقدة ليس من السهل التوصل فيها لحلول مُرضِية لأطراف الصراع، و خاصةً في ظل التفوق العسكري الإسرائيلي و تمزّق الموقف العربي و ضعفه بعد تبعات (ثورات الربيع العربي) و الانشغال عن ملف فلسطين لصالح الأزمات و الحروب الداخلية الممتدة من (مصر، سوريا، العراق، ليبيا، اليمن، السودان، فالجزائر).
 
في ظل تعقيدات هذا الظرف التأريخي الاستثنائي، و من الناحية العملانية، فإن (الرئيس ترمب) يجد في نفسه ذلك "الكاو بوي" القادر على اختراق البلدة بأكملها مطلقًا الرصاص بكل الاتجاهات دون أي احد يضع لاندفاعه أي حد، إنها نظرية (إدارة التغيير بذهول الصدمة) حيث يُحقّق (عامل المفاجاة) القيمة الكبرى في المعركة، مِمّا يضطر الطرف الآخر للاستسلام الكامل و الرضوخ لشروط المهاجم المندفع بقوة.
 
من المتوقع و في غضون عامٍ واحد، أن يتم إغلاف ملف اللاجئين الفلسطينيين، و بنفس طريقة إغلاق ملفات (نقل السفارة و القدس و الجولان و يهودية الدولة) عن طريق إعلان مُفاجِئ و صادم يجعل الجميع يبدو كالمذهول العاجز عن أي مقاومة، و الأمر لن يكون بذلك التعقيد الذي نتصوره جميعًا؛ فما على (الرئيس ترمب) سوى الخروج بتصريح أن على الدول المُستضِيفة للاجئين في المنطقة القيام بدورها المتوقع في دعم عملية السلام و قيامها بتجنيس و توطين ما لديها من لاجئين، وأن هذا هو الحل الوحيد الممكن لقضية اللجوء، و يتحوّل هذا التصريح في غضون أشهر لقرارٍ رسميٍ يجب على جميع الأطراف الالتزام به و تنفيذه، رضي من رضي و خالف من خالف، متجاوزًا قرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن كما تم تجاوزها سابقًا.
 
صفقة القرن، و بتفاصيلها، هي في طور التنفيذ، ولم يتبق منها سوى جزئية اللاجئين فعليًا. القوى العالمية و الإقليمية حاليًا هي عاجزة عن دفع أي ظلم سيلحق بالفلسطينيين، هذا إن لم تكن بعض الأطراف "منخرطة" ببعض جوانب الصفقة، ولكن الشعب الفلسطيني نفسه هو الوحيد القادر على كبح جماح الاندفاع الكاسح للفكرة الصهيونية، عبر تصعيد آليات المقاومة، و إعادة الأمور للمربع الأول، كما كانت في الانتفاضة الأولى، عندها ستنكشف عورة الجميع أمام حقائق الأرض و الإنسان، الإنسان الفلسطيني الذي خذلته البشرية و تركته وحيدًا أمام قوة الثكنة العسكرية الإسرائيلية المتجبرة بحق القوة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد