جغرافيا الأزمة في ليبيا .. أمراء الحرب وصراعات الاستنزاف الطويلة

mainThumb

24-04-2019 09:10 PM

بقلم محمد صالح العبيدي-

تنطلق الأزمة الليبية أساسا من اضطراب الشخصية القاعدية الموغلة اجمالا في التشعبات القبلية، والغارقة في الانتماء الوشائجي الذي يتضارب مع الأساس الفلسفي للدولة التعاقدية.

 
ولا يخفى على احد ان العقيد معمر القذافي لم يهيأ اسباب البناء السياسي المدني داخل  ليبيا فكان سقوطه ايذانا بميلاد اخطر تحالف يمكن له القضاء على اسباب التطور وهو تحالف شبكات التهريب الدولية 
 
وقد عانت تونس من هذا الاخطبوط الخطير الذي ينشط في الجهة الغربية و تبقى شواهده قائمة الى اليوم على حادثة  اختطاف عدد من الديبلوماسيين سنة 2015 واختفاء سفيان الشورابي ونذير القطاري في ظروف غامضة وعمليات المقايضة التي نفذتها اذرع الاخطبوط مع اطلاق سراح وليد القليب. 
 
كل هذه المعطيات تجعل من إمكانيات الحل قد يطول أمده في ليبيا  الى اجل غير محسوم ، فمن السهل اعلان الحرب ولكن من الصعب تحديد سقفها الزمني  وذلك بمقياس ان الحرب في ليبيا هي ليست حربا نظامية تكون فيها المظلة الأممية أمراً حاسما وإنما هي حرب عصابات بلا معايير اخلاقية ولا ضوابط تاريخية.
 
أمراء الحرب والمصالح الدولية    
 
يختزل المجال الليبي قدرات استراتيجية هائلة حيث يمكن لها ان تكون جسرا يربط اكثر من جهة و مصلحة دولية ،  تحوز  على النقطة الفاصلة بين ثلاثية مهمة: الداخل الليبي والعمق الأفريقي (جنوب الصحراء) والأفق الأوروبي ..وهذه الثلاثية هي فسحة للعديد من الميليشيات التي كشفتها صحيفة الغارديان في بداية هذه السنة. 
 
 
 
وهذه الميليشيات هي شبيهة بعصابات القرصنة التي تنشط على سواحل الصومال ، بمعنى انها خارج إطار القوانين الدولية وتشتغل في اكثر من اتجاه كالمخدرات والسلاح والاتجار بالبشر وتستفيد مثل هذه الجماعات من هشاشة الاوضاع في دول الجوار مثل تونس و الجزائر و الفراغ الصحراوي المتاخم لمالي وذلك على خطوط التماس مع تنظيم القاعدة في المغرب العربي  مما يجعل لها مرونة الحركة وديناميكية الاستفادة المتبادلة مع جماعات شبيهة تتقاسم معها المصلحة و الأرباح. 
 
الرؤية التونسية الغائبة 
 
على صفيح ساخن تتضارب المصالح الدولية،  وعلى رمال متحركة تتموج حركة التاريخ والجغرافيا من حولنا، فهذا الجوار الليبي الذي ظل مصدر توتر منذ القذافي يواصل ممارسة دوره بأشكال مختلفة 
وإذا كان الصراع بين بورقيبة والقذافي عرف حرب استنزاف غير معلنة تارة ومعلنة في بعض الأحيان الأخرى على غرار عملية قفصة سنة 1980، فإن حرب الاستنزاف اليوم أصبحت تقوم بها ميليشيات مسلحة  لم تتردد طيلة الثماني سنوات من بث سمومها في تونس وتيسير عملية دخول السلاح للجماعات المقاتلة في ثلاثية النار (جبال سمامة و السلوم و الشعانبي).
 
وهذه المعطيات المتراكمة  تقابلها "بهتة"ديبلوماسية تونسية اقتصرت على اجتماعات برقية للمجلس الامن القومي دون توضيح لمسار الموقف التونسي الذي يتأرجح بين الحيادية الإيجابية والحيادية السلبية ولأن التغيرات الاستراتيجية متسارعة بشكل جنوني فانه من الضروري على الديبلوماسية التي يترأسها الباجي قائد السبسي ان تحسم تحركاتها بشكل واضح حتى لا نستفيق بعد الآجال الممكنة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد