استذكار - بلال حسن التل

mainThumb

12-05-2019 01:24 AM

شاهدت كما شاهد الأردنيين وغيرهم عبر الإعلام,اللواء الركن حسين محمد الحواتمه المدير العام لقوات الدرك, في حواره مع المعتصمين على الدوار الرابع خلال رمضان الماضي, يومها رسم اللواء الحواتمه صورة مشرقة انتشرت في أنحاء العالم للعلاقة بين رجل الأمن والمواطن في بلدنا, وهي علاقة تختلف عن العلاقة بينهما في معظم دول العالم, ففي الوقت الذي يظل رجل الأمن في معظم دول العالم متحفزاً للانقضاض على المواطن خاصة في حالة الاحتجاجات, فإن رجل الأمن الأردني ينشغل في ابتكار أساليب لتجنب الاحتكاك مع المواطن المحتج, وأساليب أخرى لحماية هذا المحتج, منها توزيع المياه والمرطبات ومنها تقاسم وجبة الطعام معه.
 
ثم سمعته كما سمعه الأردنيون وغيرهم وهو يبدي رأيه في مشاركة بعض الضباط والمسؤولين المتقاعدين في اعتصامات الدوار الرابع, وهو رأي أثار حفيظة البعض, مثلما اعترض عليه آخرون, وقد فات هؤلاء أنه لايبدي مثل هذه الآراء, ولا يتخذ مثل هذه المواقف الواضحة إلا رجل دولة, يتحمل مسؤولية رأيه, ولا يخاف من ضريبة موقفه مهما كان صادماً للآخرين, وهو نمط من رجال الدولة افتقدناه حتى أعاده إلينا مديرعام الدرك في تصريحه الشهير الذي يشبه تصريحات البناة الأوائل للدولة, وتصريحات حماتها في الأزمات, الذين لم يكونوا يخافون من الصدام مع أهواء الناس, ولم يكونوا ينساقون مع هذه الأهواء طلباً للشعبوية, بل كانوا يرجحون المصالح العليا للدولة على حساب شعبيتهم وصورتهم الشخصية.
 
وهو بالضبط مافعله اللواء الحواتمه بتصريحاته حول بعض المشاركين باحتجاجات الدوار الرابع, علماً بأن الرجل لم يخرج عن حدود اختصاصه الوظيفي.
 
فاعتصامات الدوار الرابع في أكثر من وجه من وجوهها قضية أمنية تدخل في صلب عمل الرجل, الذي يفهم الأمن بمعناه الشامل وبتأثيراته المختلفة, ومنها أهمية أن يظل من يشغل موقع وظيفي متقدم في الدولة حريصاً على أسرارها حامياً لهيبتها عاملاً على حفظ استقرارها, مقدما مصالحها العليا على مكاسبه الشخصية, مؤمناً بأن المواقع تكليف أكثر منها تشريف, وأنها ليست دائمة لأحد ومن ثم لامبرر لمن يغادر موقعه أن ينقلب إلى معارض أو خصم ينهش في بنيان الدولة ولا يقدر ظروفها، فإذا أضفنا إلى ذلك ما تسببه الاعتصامات من إنهاك لمنتسبي الأجهزة الأمنية, تأكدنا أن المدير العام لقوات الدرك لم يتكلم في قضية المشاركين باعتصامات الرابع  خارج اختصاصه.
 
استذكرت هاتين الواقعتين للواء الحواتمه وأنا استمع إلى حديثه مع وفد جماعة عمان لحوارات المستقبل الذي زار مديرية الدرك, كجزء من برنامج ملك الإنجاز الذي تنفذه الجماعة في إطار مبادرتها "الإنجاز في مواجهة الإحباط والتشكيك "التي تسعى إلى لفت أنظار الأردنيين إلى الجزء المملوء من كأس وطنهم ليعملوا على ملئ الجزء الفارغ بدلاً من تحطيم الجزء المملؤ وهم يستسلمون للإشاعات وللإفتراءات وقد كان حديث اللواء يصب في هذه الاتجاه لكنه كان أيضاً حديث مليء بالدلالات التي أطربتني إلى درجة النشوة فماذا قال مدير عام قوات الدرك لجماعة عمان لحوارات المستقبل؟ الجواب في مقال لاحق.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد