مجالس أمناء الجامعات الرسمية والمهمة شبه المستحيلة

mainThumb

26-05-2019 02:29 PM

منذ الإعلان عن تشكيلة مجالس أمناء الجامعات الرسمية في العام الماضي،  ثمة جدل كبير ونقاش واسع بين رفض وتأييد لتشكيلة هذه المجالس، والدور الجديد الذي أصبحت تمارسه بموجب قانون الجامعات الجديد.
 
 لا أريد في هذه المقالة الرد على الهجمة التي تتعرض لها مجالس الأمناء والدعوات لإعادة تشكيلها ،  وكان ذلك حل للإشكالية في العلاقة بين مجالس  الأمناء ورؤساء الجامعات،   وكان المجالس الجديدة في حال تشكيلها تملك حلا سحريا لكافة مشاكل الجامعات وعلى رأسها المديونية،  ولكن هذا الموضوع سأعود له قريبا، واكشف دوافع هذه الهجمة وأبعادها وبعض من يقف ورائها، وسوف اسمي الأشياء بمسمياتها، دون تردد أو مجاملة لأحد.
 
 في هذه المقالة  أريد أن القي الضوء على مسالتين أساسيتين حول العلاقة بين مجالس الأمناء ورؤساء الجامعات وهما:  الرقابة على الجامعات كوظيفة أساسية من وظائف مجالس الأمناء،  واستقلالية الجامعات من النواحي المالية والإدارية والتي هي كلمه حق يراد بها باطل أحيانا، وتجعل مهمة مجالس أمناء الجامعات في الرقابة  شبه مستحيلة.
 
 يرى البعض ان مفهوم الرقابة على الجامعات مستحيل التحقق ، وربما ينطوي على تناقض مع مفهوم استقلالية الجامعات، علما ان هذه الوظيفة الرقابية منصوص عليها بشكل صريح وواضح في قانون الجامعات، الذي أعطى لمجالس الأمناء صلاحيات  ومهام رسم السياسة العامة للجامعة ، وتقييم  أداء قياداتها من كافة الجوانب فهل هناك خلل في القانون مثلا؟
 
 الحقيقة ان التصورات الشخصية لبعض رؤساء الجامعات لمفهوم استقلالية الجامعات على النحو الذي يجرد مجالس الأمناء  من صلاحياتهم في الرقابة،  أمرا مستحيل التحقق ، وهذا ربما ناتج عن رغبتهم بالاستقلالية لكي ينفردوا بالراي والقرار  ، فيتحول رئيس الجامعة إلى سلطان مطلق في جامعته،  يصول ويجول دون حسيب او رقيب،  ويطبق معاييره الخاصة في  القبول والابتعاث والتعيين والترقية وغيرها،  ووقائع التجربة التاريخية في الجامعات الأردنية،  وسجلات المحاكم الأردنية خير شاهد على تعسف بعض رؤساء الجامعات في الكثير من الممارسات والقرارات التي اتخذت أثناء توليهم المسؤولية ، فالرئيس القائد الملهم العادل والمنزه عن الخطأ،  غير موجود في الجامعات الأردنية،  والاستقلالية التي ينادي بها بعض الرؤساء تنطلق من المسلمة السابقة بعدالة وموضوعيه الرئيس،  وهذه المسلمة غير موجودة اصلا  و غير مسلم بها.
 
 ان عدم قابليه بعض رؤساء الجامعات  التكيف مع الوضع الجديد الذي  كرسه قانون الجامعات الجديد بذريعة استقلالية الجامعات ، هو جنوح نحو الانفراد بالسلطة دون رقابة،  وهذا شكل من أشكال الاستبداد،  وعلى هؤلاء  الرؤساء ان يسلموا بشكل تام بضرورة قبول المبدأ الديمقراطي بتلازم السلطة والمسؤولية،  وهذا التلازم من خصائص الحكم الرشيد(Good Governance) أو النموذج المثالي المفترض للإدارة سواء كانت جامعة أو أي مؤسسة أخرى ،  وهذا من عناوين الإصلاح المنشود  الذي يطالب فيه الجميع حكام  ومحكومين.
 
 ان سلطة رئيس الجامعة الخاضعة للرقابة والمقيدة بالقانون والأنظمة والتعليمات والتقاليد والأعراف الجامعية ، لا تتناقض مع استقلالية الجامعات، اما ان يتحول مجلس الأمناء الى شاهد زور او ختم مطاطي(Rubber Stamp) بيد الرئيس وعلى بركه الله يوافق على كل قراراته انطلاقا من انه الرئيس المسؤول عن الجامعة، هي  فكرة مغلوطة، لا حجة تسندها،  ولا منطق يدعمها،  وهذا تفكير من مخلفات العصور الوسطى،   ولو كان هذا التصور صحيحا فما الحاجة إذا من وجود  مجالس أمناء الجامعات؟
 
 ان الحضور القوي لمجالس الأمناء في الجامعات والذي لا يمكن إنكاره هذه الأيام، هو الترجمة العملية لنصوص قانون الجامعات،  ودليل على ان هذه المجالس تمارس  دورها على الوجه  الأكمل،  وهكذا يجب ان تكون الحال، ولا يمكن بأي حال العودة إلى الوراء ومقارنة الأوضاع بما كانت عليه مجالس الأمناء الشكلية  في الماضي.
 
 ان استقلالية الجامعات تعني أشياء مختلفة باختلاف شخصيات الرؤساء ، واذا كان البعض منهم يشكو من تدخل مجلس الأمناء، ويتوهم ان استقلالية الجامعات تعني تهميش مجالس الأمناء او تغييبها،  فإننا نذكرهم وننصحهم بان هذا الفهم مغلوط،  ويقع في دائرة المستحيل الذي لا يمكن ان يتحقق او يتم القبول به،  ولا يصلح إطارا عاما لإدارة الجامعات،وليست هذه هي الجامعات التي نريد .
 
 على رؤساء الجامعات ان يتكيفوا مع القانون الجديد،  فعقارب الساعة  لن تدور إلى الوراء،  ومجالس الأمناء أمرا مفروغا منه،  وحقيقة طبيعية، وتجسيد لقيم الديمقراطية والحكم الرشيد والإصلاح المنشود.  وان تغييرها لن يغير من حقائق الواقع شيئا، وازعم ان معالي الدكتور وليد المعاني وزير التربية والتعليم العالي والبحث العلمي بحكم خبرته العميقة بملف التعليم العالي مدرك لهذه الحقائق، هو اذكى من الدخول في إشكالية حل مجالس الأمناء والدخول في نفق إعادة التشكيل،  لانه حتما ستتعرض التشكيلة الجديدة للنقد ، وعندها هل سيتم المطالبة بحلها وإعادة تشكيلها ، و هكذا نستمر في الدوران في حلقه مفرغة. لذى اقول ان الحل ليس في حل هذه المجالس ، وإذا كان هناك إشكالية في العلاقة بين المجالس ورؤساء الجامعات،  فان جذور المشكلة تعود إلى الفهم المغلوط لدور أو وظيفة هذه المجالس،  وإذا كان ثمة خطا في الممارسة وانتقاد لدور وأداء هذه المجالس،  فربما أصل المشكلة ان هذه التجربة جديدة لرؤساء تعودوا على عدم الرقابة والمحاسبة ، خلافا لنص القانون الذي منح للمجالس هذه الصلاحيات وليس العلة  في الأشخاص رؤساء وأعضاء مجالس الأمناء. 
 
*استاذ العلوم السياسية في  جامعة اليرموك
خبير دولي في دراسات  الديمقراطية 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد