تداعيات غزو العراق ستستمر إلى نصف قرن مقبل - د. باهرة الشيخلي

mainThumb

01-06-2019 12:14 AM

 لم يستطع القائمون على مستشفى الفلوجة العام أن يقدموا إحصاءات دقيقة بأعداد الأطفال المولودين بتشوهات خلقية خلال الأعوام التي أعقبت الهجوم الأميركي على هذه المدينة، لكنهم يؤكدون أن أعدادهم كبيرة، بينما يرفض آباء الأطفال الضحايا الحديث عن مأساة أطفالهم. وهذا لا يشمل أطفال الفلوجة فقط، وإنما الأطفال في جميع المناطق التي استخدم فيها الجيش الأميركي الأسلحة المحرمة دوليا في العراق.

 
يكبر هؤلاء الأطفال حاملين تشوهاتهم، ومنهم من حمل هذه التشوهات وهو لا يزال جنينا في بطن أمه، وسيخرج من هؤلاء الأطفال في المستقبل، جيش سيلاحق الأميركان ونظام الولي الفقيه في إيران، الذي تعاون مع الغزو الأميركي من خلال الأحزاب الموالية له، قضائيا، مطالبا بالقصاص والتعويض. وترافق جيش المشوهين جيوش من العراقيين الذين تضرروا من الغزو الأميركي لبلادهم ومن الدور الإيراني فيه، مع العلم أن الأذى الذي سببه ذلك الغزو بدأ ولن يتوقف.
 
فنسنت إيمانويل، وهو جندي أميركي شارك في الحرب على العراق، اعترف في تصريح مثير قبل سنتين، أن الغرب ترك العراق دولة مدمرة تماما، إذ “تم تسميم الناس وتشويههم والبيئة الطبيعية سامة من القنابل المشبعة باليورانيوم المنضب”.
 
بعد 16 عاما من الحرب على الإرهاب، هناك أمر واحد واضح من هذه التجربة، وهو أن الغرب ماهر في إثارة البربرية وعظيم في إثارة الهمجية وخلق الدول الفاشلة، كما وصف إيمانويل، بمقال كتبه في موقع “وايرد جاي” الأميركي تحت عنوان “كيف ساعدتُ في إنشاء داعش” تحدث فيه عن تجربته في حرب العراق، والأرضية التي ساعدت في إنشاء تنظيم داعش، ويقول إن الانتقام الذي مورس ضد العراق، والمعروف باسم ضربة ارتدادية (أو استباقية) يجري حاليا اختباره في جميع أنحاء العالم مع عدم وجود نهاية في الأفق لهذه التدخلات، مُقرا بأنه في ذلك الوقت، رأى وشارك بنحو روتيني في البذاءات التي كانت تحصل في العراق.
 
يروي إيمانويل “في يوم من الأيام عندما كنا نقوم بدورياتنا في منطقة من محافظة الأنبار في العراق، رَمَيْتُ القمامة من سيارتنا كي يلتقطها بعض المارة. لم أفكر أبدا في مسألة كيف سيَذَكُرُنا العراقيون أو كتب التاريخ. أردت، ببساطة، توفير مساحة إضافية في السيارة الهمفي، التي كنا نستقلها. بعد مرور سنوات عندما التحقت بدورة لدراسة تاريخ الحضارة الغربية في الجامعة، وعندما كنت أستمع إلى أستاذي وهو يتحدث عن مهد الحضارة (العراق) فكرت في القمامة، التي رميتها على الأرض في صحراء بلاد ما بين النهرين. ومدى الإساءة التي كنا نرتكبها بحق تلك الحضارة العريقة”.
 
وتحدث عن الشناعات التي ارتكبوها في تعذيب المعتقلين، وكيف جردوا الشعب العراقي من إنسانيته في ممارسات تبلغ ذروتها، بعد أن ينتهي إطلاق الرصاص والانفجارات، حيث يمضي العديد من جنود المارينز أوقات فراغهم وهم يلتقطون صورا للموتى.
 
ما كتبه الجندي الأميركي فينسنت إيمانويل ليس سوى جزئية صغيرة أمام مجريات الاحتلال، ولعل كتاب الكاتبة العراقية بثينة الناصري، الذي جمعت فيه رسائل جنود الاحتلال واعترافاتهم وما ارتكبوه من انتهاكات وجرائم ضد العراقيين، يعطي صورة أكثر وضوحا عما اقترفه الجيش الأميركي ضد العراقيين، وهي جميعا مما يدخل في إطار جرائم ضد الإنسانية.
 
بات واضحا منذ الإعلان الأميركي عن حرب عالمية ضد الإرهاب، أن جورج دبليو بوش ومعه المحافظون الجدد سعوا إلى إطلاق تعميم على المسلمين كافة واستحدثوا مصطلح “الخطر الأخضر”، في إشارة إلى الإسلام. نعم، ثمة العديد من الوقائع تشير إلى أن من بين أكثر المثيرات تأثيرا على تصنيع داعش هي قيام العقل السياسي الأميركي بتعميم الموت وصنع الإرهاب وملاحقة الأبرياء، بحيث وصل عدد الذين احتجزتهم القوات الأميركية في العراق إلى قرابة 50 ألفا في السنوات الثلاث الأولى من الاحتلال.
 
ولعل لجنة تشيلكوت البريطانية التي قضت مدة تسع سنوات في التحقيق والتدقيق بمهنية وحيادية للإجابة عن سؤال: هل كان صحيحا أو ضروريا مشاركة الجيش البريطاني في الحرب على العراق واحتلاله في مارس 2003؟ قد أثبتت أن الحرب التي شنها الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش وحلفاؤه، على العراق لم تكن قانونية وأنها لم تكن ضرورية طبقا لقواعد القانون الدولي ومبادئه. وما خرجت به تلك اللجنة من نتائج ترك آثارا قانونية دولية وعالمية تشبه الزلازل، اهتزت لها شعوب الكرة الأرضية كلها ما عدا العراق، ولم تبد الحكومة العراقية أي اهتمام بتلك النتائج، كما يلزم قانونيا وأخلاقيا على المستويين الداخلي والخارجي، في حين تحركت المؤسسات والأحزاب البريطانية.
 
المهم للعراقيين هو أنهم كسبوا أكبر قضية قانونية وحضارية وأخلاقية وأخطرها وأعظمها في التاريخ، والتي ستبقى تداعياتها محط اهتمام العالم إلى نصف قرن مقبل، وهذه القضية التاريخية ستغير وجه العالم اقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا، لكن لكي يحققوا ذلك عليهم رفع أصواتهم، لإرغام المجتمع الدولي على الوقوف إلى جانب حقوقهم، بعد أن تعرض الملايين منهم لأبشع جرائم الحرب والإبادة والجرائم ضد الإنسانية، وذلك باتحاد جهود أهل القانون مع منظمات حقوق الإنسان الدولية وجميع وسائل الإعلام العالمية لشرح جريمة العدوان على العراق، وقيادة ثورة سلمية قانونية في العصيان المدني وتنظيم نقل السلطة السياسية إلى حكومة إنقاذ وطني بالتنسيق والتعاون مع هيئة الأمم المتحدة وأمينها العام حفظا للأمن والسلم وإيقاف كارثة الإجرام الدولي والميليشيوي في العراق استنادا إلى قواعد ومبادئ التدخل الإنساني المقررة في القانون الدولي.
 
كما يتوجب على الدول التي شاركت في هذه الحرب تحمل المسؤولية المدنية المترتبة على الجريمة التي ارتكبتها حكوماتها لجبر الأضرار الكارثية التي طالت البشر والزرع والضرع والماء في الأنهار، وغيرها مما تقدر بآلاف المليارات من الدولارات تتوزع على عاتق الدول المعتدية، ومنها إيران، كل حسب حجم خطورة فعل العدوان الإجرامي وجسامته، وما ضاع حق وراءه طالب، وستكون الجيوش المؤلفة من العراقيين المتضررين من الغزو الأميركي لبلادهم هي المطالبة بذلك الحق.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد