خربشات أحلام - د. صلاح داود

mainThumb

13-09-2019 04:42 PM

كشبحٍ جميلٍ مرت تلك الأحلام من أمام قلبٍ مهجورٍ وخَرِب، لم يُرِد ذلك الشبح  الاستيطان فيه، لأنه بات كالمقبرة التي تَهَرَّب منها موتاها، منذ نصف قرنٍ كان يحمل أحلاما غضة، تارة يريد أن يكون ربانا وتارة أخرى قاضيا ومرة تمنى أن يكون فلاحا.. وفي النهاية قال لا أريد إلا أن أكون إنسانا.
 
كان يحلم بكل جوارحه إذا حالفني الحظ ُسأشتري الذهب من بعيد جدا أو من قريب، وبعد أن مرت السنون قال: سأشتري الخشب وسأكتفي بالقريب، ولحظة اندثار شمس العمر تبصر وتفكر فبدل سريرته واكتفى بتقليب الرمل القابع أمام منزله بطرف منسأته المهترئة. 
 
تلّفت يمنة ويسرة، نظر من القريب البعيد إلى أليفه وصديق عمره صاحب الأحلام مثلَهُ، ولكنه أبرز منه حكمة وأجود صبرا، وأعاد شريط نضاله أمامه، وتساءل؟ كيف أنجزَ كل تلك المهام المحظورة؟ كيف نجح ونجا وسلِم من كل الموانع والمعضلات، عَنَّ وشهَق بحرارة وقال: لا بدّ أنه كان مبخوتا.
 
للأحلام قوة ومناعة لا يظفر بها ويهزمها إلا من عرف ذاته، سهرُ ليلة بعد ليلة، جهد وكَدٌ ومثابرة، اغتيال لرهبتنا وهلعِنا من التجربة والتجديد والابتلاء، نصر على ذات ضعفنا وتعذيب لدكتاتورية وغطرسة أعذارنا بأننا لا نستطبع، واختباء من اختبائنا.
سنوات من الأحلام الممزوجة بالعمل الملتوتة بالإرداة والفعل، سُلطةٌ مطلقة للمشيئة التي منحنا الله إياها، وهمّةٌ رابية منيفة تُسقِط ظلالها وهيمنتها على أحلامنا لتغدو واقعا يغيّر واقعنا.
 
قوة الأحلام والأمنيات... إما رغبة عارمة للنجاح والتفوق ومبتغى للسمو والرفعة، أو مغلفات رسائل.. لم ولن تصل إلى المُرسَل إليه أبدا، كبعض المنسيين والميتين لا نذكرهم إلا للترحم عليهم لا لنفخ الروح فيهم كرة أخرى.
 
في نهاية كل حلم جميل ستجد حياة أخرى تمنيت تحقيقها لذاتك، واعتراف خطير بأنك تستطيع إذا تحليّت بالإزماع والتصميم، جدارة غريبة على الاستمرار والتمادي لننطلق إلى خارج متاريس أحلامنا وربما تعدينا سياج هُزالنا وضعفنا. 
 
قوة غامضة نستمدها من أحلامنا تجعلنا لا نشعر بشيء سوى لذة النصر والإنجاز ونشوته، كلذة تناول وجبة دسمة بعد مخمصة ومسغبة، نعم تناولٌ لأحلامك بنهم وجشع وغضب وشهية مفتوحة.
 
لا تنتظر أن يحلم أحد عنك، ولا تتوقع أن ترى حلما في نشرات الأخبار فهي لا تولي اهتماما لها، فأحلامك ليست هناك بل هي هنا في غرفة ما مقيدة بالسرير، أو ربما في قاع بحر ما أو في نجمة في السماء.. لا أحد يدري.. ولكن ريعانها وغُرّتها في قلبك وعقلك، فلا تهتم لمن يتهمك بالجنون أو المس والهوس، حتى وإن اتهموك بخيانة الطبيعة والخروج عن المألوف ووعي العقل.. لا تتوقف عن الأحلام.
 
فلتكن أحلامنا كالمنازل أكبر من ساكنيها، نزينها كما نشاء على طريقتنا لا على مذاهبهم.. بالقش والطلاء، وربما بماء الورد أو ماء المطر، أحلام كزجاج ملون أو كنوز الغابة أو أزهار وحصوات صغيرة.. وعندما ننتهي من الأحلام فلنكن كمن انتهى من الغناء منتظرا أن تمر العصافير فتسرق أحد نغماته لتحلم بها بطريقتها من جديد.. حلم جديد وحياة جديدة..
 
 
 
 
 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد