الإفكيون .. وخطابهم اللاذع- د. رشيد عبّاس

mainThumb

30-11-2019 07:41 AM

مُنْذُ اسابيع وانا احاول الاحاطة بطبيعة وسيكولوجية الإفكيون, وبعد جهد جهيد توصلت الى جملة من الحقائق المتواضعة حول هذه الفئة من البشر, وقبل الخوض بطبيعة وسيكولوجية هذه الفئة من البشر لا بد من اعطاء لمحة بسيطة عن طبيعة هؤلاء, وللاختصار اقول ان الإفكيون: هم مجموعة من الافراد المتواجدين في جميع المجتمعات البشرية في كل مكان وزمان, تقوم هذه المجموعة بضرب أعراض عباد الله في المجتمعات والدول من اجل النيل منهم وتركيعهم واذلالهم لتحقيق اهداف معينة, من خلال الطعن اللاذع في الاعراض, وبث التهم والاشاعات والدسائس تجاه تلك الاعراض. 
 
التاريخ البشري منذ بدء الخلق حتى اللحظة شهد حالات إفكٌ عديدة, فمنها ما اصاب اعراض بعض الرسل والانبياء, ومنها ما اصاب اعراض بعض الملوك والرؤساء, ومنها ما اصاب اعراض بعض اصحاب الشأن والمكانة, وقد اتضح جلياً ان اهداف الإفكيون في ضرب اعراض بعض الرسل والانبياء, يختلف عنه في ضرب اعراض بعض الملوك والرؤساء, او في ضرب اعراض بعض اصحاب الشأن والمكانة, لكن هناك شيء مشترك لمثل هذه الاهداف تتجلى في مبدأ (التشويه) المقصود بشكل عام, والسؤال المطروح هنا, ما هي اهداف الإفكيون تجاه بعض الرسل والانبياء؟ وما هي اهدافهم تجاه بعض الملوك والرؤساء؟ وما هي اهدافهم تجاه بعض اصحاب الشأن والمكانة في المجتمع؟ اسئلة اطرحها على المفكرين الأيديولوجيين على امتداد الكرة الارضية والتي باتت في عصر وسائل الاتصال شقة صغيرة مفروشة.
 
تقول كتب التاريخ المتخصصة في احداث الماضي البعيد ان اصعب واشرس حالات الإفك عبر التاريخ البشري والتي نسجها الإفكيون كانت في وسط الجزيرة العربية, وربما يعود السبب في ذلك لأنها مست عِرض واحد من انبياء الله عز وجل الشرفاء, ولكون المساس بالِعرض والشرف في تلك الفترة كان بمكانة اعلان حرب وقتال بين القبائل وبطونها, اما حالات الإفك التي نسجها الإفكيون في مغارب الارض ومشارقها فقد كانت اخف وطئه من حالة إفكٌ وسط الجزيرة العربية, مع العلم انها قد مسّت العديد من الملوك والرؤساء, وبعض اصحاب الشأن والمكانة في تلك المغارب والمشارق, والامثلة على ذلك كثيرة ولا يمكن حصرها. 
 
يمكن الوقوف على اهداف الإفكيون لقصص الإفك التي نسجوها تجاه بعض الرسل والانبياء على انها كانت محاولات فاشلة لتغيير بوصلة رسالة الانبياء والرسل نحو مجتمعاتهم التي بُعثوا من اجلها, وتذكر كتب التاريخ ان جميع محاولات الإفكيون تجاه بعض الرسل والانبياء قد باءت بالفشل, فقد اتهم الإفكيون مثلا كلا من السيدة عائشة بنت أبي بكر والصحابي صفوان بن المعطل بارتكاب الفاحشة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكنها دُحِضت بآيات من سورة النور، حيث نزلت آيات من القرآن الكريم تُخبرُ ببراءتهما، وتم تطبيق حد القذف بمن أشاعوا ذلك الافتراء.  
 
اما اهداف الإفكيون لقصص الإفك التي نسجوها تجاه بعض الملوك والرؤساء عبر التاريخ البشري في هذا العالم الواسع فقد كانت ترمي الى ضربهم بأعراضهم واعراض الاخرين من اجل زعزعة انظمة هؤلاء الملوك والرؤساء ومن ثم الانقلاب عليهم, ويؤكد التاريخ البشري فشل بعض هذه الحالات في مواقع, ونجاحها في مواقع اخرى, في حين ان اهداف الإفكيون لقصص الإفك التي نسجوها تجاه بعض اصحاب الشأن والمكانة عبر التاريخ في هذا العالم الواسع فقد كانت ترمي الى ضربهم بأعراض الاخرين من اجل تصفية بعض الحسابات الشخصية في العمل العام او الخاص, ويؤكد التاريخ البشري نجاح هذه الحالات في معظم المواقع.
 
ندرك تماما صعوبة علاج هذه الظاهرة ظاهرة خطاب الإفك لدى الشعوب والامم، لان الشعوب بطبعها تعشق الغيبة والنميمة، وتتجلى في عملية الطعن بأعراض الاخرين، وكأن الطعن بإعراض الاخرين عُرف وطبيعة اجتماعية توارثناها عبر التاريخ البشري، وكأنه ايضا تقليد مقدس علينا التمسك به، فكيف سيكون الحال بعد ان توفرت وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة التي منحت لهذا المجتمع مالم يكن يحلم به في ان تصل نميمته ويصل طعنه بأعراض الناس الى العالم كله؟
هذه دعوة للإفكيون الى ان يحكّموا ضمائرهم وعقولهم وقيمهم الاخلاقية قبل ان يساهموا في الاساءة الى الانبياء والرسل, والى الملوك والرؤساء, والى اصحاب الشأن والمكانة والطعن بأعراضهم حتى لو كانوا على خلاف معهم في النهج والمبدأ الرأي, وينبغي ان يربأ هؤلاء بأنفسهم عن ممارسة خطاب الإفك فهو سلوك بشري في قمة الانحطاط , ويؤسفني ان اقول: ان الإفكيون اصبحوا ظاهرة في هذا العصر تعيش حالة عداء وكراهية وتخوين دائم للأخرين، وأنهم في حالة تضخم مرضي, لا يروا في المرآة سوى أَنفسهم.
 
بقي ان نقول: عبر التاريخ البشري الإفكيون لُعنوا في الدنيا والاخرة, ونالوا من الله عز وجل عذاب عظيم, جزاء برميهم المحصنات الغافلات المؤمنات, قال تعالى (إِن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لُعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم),..وعند الله تجتمع الخصوم.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد