هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا (سيدنا يوسف وزليخا، ج4 من 10)ِ.

mainThumb

29-12-2019 08:59 AM

 إستكمالاً لما جاء في الجزء الثالث من مقالتي السابقة والتي ناقشت الآية رقم 25 من سورة يوسف، نتابع في هذه المقالة أحداث الآية (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ  (يوسف: 26))، وأحداث الآية (وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (يوسف:27)). فبعد أن إتهمت زليخا يوسف بأنه أراد بها سوءاً وأمام زوجها العزيز ومن كان معه حاضراً عند آخر باب فتح ليوسف وهو يركض وتركض زليخا خلفه وهي تحاول أن تمسك به وقد قدَّت قميصه من دبر. وبسؤال إستفهامي كما أوضحنا في خاطرة الجزء الثالث من هذه السلسلة من المقالات عندما أصدرت زليخا حكمها على يوسف إما بالسجن أو يعذب عذاباً أليماً (الحمد لله أنها لم تحكم عليه بالإعدام، لربما حنَّ قلبها عليه وربما ما زالت على أمل في إمكانية قضاء رغبتها الجنسية منه حتى لو أنه وضع بالسجن أو بعد أن يعذب عذاباً أليما والله أعلم). قال يوسف بكل أدب للعزيز ومن كان حاضراً معه: هي راودتني عن نفسي (لم يذكر إسمها إحتراما لها لأنها ربته ورعته وهو صغيراً وكما قلنا سابقاً، وحتى لا يفضح الله أمرها ويستر عليها وهذا هو كلام الله على لسان يوسف). وأكمل قائلاً: هربت منها ولحقت بي حتى عند آخر باب فُتِحَ أمامي وقدت قميصي. وفي إعتقادنا أنه دار حديث وكلام ولغط بين من كانوا حاضرين المشهد حول ما حصل أمام آخر باب لغرفة نوم زليخا.

 
وما دار من حديث ولغط حول ما حدث أدى إلى طلب الشهادة من احد ما حول ما حصل لتبرئة يوسف أو إدانته وحيث لم يكن مع زليخا ويوسف أحداً  داخل غرفة نوم زليخا غير الله وحده (ولكن بالتأكيد لا بد أن يكون هناك من يعلم من داخل القصر بما خططت له زليخا من أعوانها من النساء وخصوصاً المقربات منها). وهنا تدخلت قدرة رب العزة والجلالة مرة أخرى وأنطق الله طفلاً تحمله قريبة زليخا من بين الضيوف الذي حضروا لزيارتها وأحضرهم معه زوجها للقصر ولمكان وجود إقامتها، كشاهد لتبرئة يوسف. فنطق الطفل وقال: أنظروا وتفحصوا قميص يوسف فإن كان قد قُدَ من قٌبُلٍ فصدقت وهو من الكاذبين (لأنه يكون قد حاول أن يهجم ويعتدي عليها وهي تدافع عن نفسها وتبعده عنها وبالتالي قدَّت قميصة من قبل وهذا منطقي جداً). وهذا يكون دليلاً كافياً وقاطعاً على إدانته وتكون صدقت في إتهامها ليوسف ويوسف كذب فيما إدعاه عليها بمراودتها له عن نفسه للدفاع عن نفسه. وأضاف الطفل الشاهد قائلاً: وإن كان قميص يوسف قد قُدَّ من دُبُرٍ فكذبت في إتهامها له وصدق يوسف في أنها راودته عن نفسه وهرب منها. وقد تجلت معجزة الله أولاً: في إنطاق الطفل الذي هو من أهل وأقارب زليخا (وهنا نقول لأولادنا جميعاً ليس هناك أجمل من شهادة الحق والصدق والإبتعاد عن الكذب وشهادة الزور). وأُذَّكِرَ نفسي والقراء الكرام بالآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (النساء: 135)). وهذه الآية ترجموها الأجانب ووضعوها في مداخل كليات القانون في جامعاتهم وخصوصاً في كلية القانون في جامعة هارفارد في أمريكا.
 
وأُذَّكِرَ نفسي والقراء الكرام بالآيتين (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (الطلاق: 2 و 3)). وبالفعل من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، كما حدث مع يوسف عندما فتح الله له الأبواب المغَّلقة وأخرجه من غرفة نوم زليخا ورزقه بالطفل الذي نطق ببرائة مما أتهم به من تهمه عظيمة من قبل زليخا. ولا ننسى أن رسولنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام كان يكنى من قبل البعثة من قبل أهله وعشيرته وأهل مكة أجمعين بالصادق الأمين فليس هناك أجمل ولا أفضل من الصدق وحفظ الأمانة لأن حبل الكذب قصير مهما طال.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد