بسكويت ماري

mainThumb

14-02-2020 11:22 PM

أنظر حولي؛ فأرى شعبا قد أنهكته تدابير عيشه، الذي لم يعد له أدنى صلة بما يدعى العيش الكريم، لم يدرك المسؤول أن جلّ القابضين على الجمر، لم يعد بين أيدهم سوى الرماد الساخن، القروض تحاصرهم عن اليمين وعن الشمال، والديون تحصرهم من الخلف ومن الأمام، ما كان يسمى معاشا(الراتب) عند الغالبية منهم هو رسالة إشعار بنكية فقط، فلا يقبض منه فلس واحد.
 
       غارمين وغارمات، لبنوك ومؤسسات وصناديق وتجار وأفراد، ملاحقين قضائيا، أو في السجون، أو هاربين على قارعة الطريق في بلاد الغربة، كيف يطعمون أطفالهم الذين لا يعرفون معنى العوز بعد؟ كيف يدفئون صغارهم من هذا الصقيع المؤلم الذي يسري بين العظام والجلد؟ تنظر في وجوههم، فترى نظرة البؤس والحاجة والكدّ.
 
       ثم كيف للمسؤول، وطبقة النبلاء والذوات، والساسة الأثرياء، كيف لهم أن يشعروا بالمعاناة؟ وهم لا يدركون معنى الجوع ولا يعرفون ألم البرد! فيضعون القوانين والأنظمة التي تعصر المواطن، فلا يخرج منه سوى بقايا دم قد أصابه الفقر أصلا، فينام على مخلب ضريبة، ويستيقظ على عضة ارتفاع الأسعار.
 
 وتستمر ماكينة العصر والهرس، والبطالة في ازدياد، ومجازر التقاعدات، ونعيق البوم بأن الاقتصاد الوطني في الإنعاش، بل وهناك المزيد من الحرمان، والسبب كما يدعون أفواج اللاجئين، وحصار المستعمرين بسبب الموقف من صفقة القرن. فهلا حدثتمونا أولا عن صندوق النقد الدولي وإملاءاته، وصفقة الغاز الصهيوني، وفساد الفاسدين، وكنوز الوطن من النفط والغاز والحجر الزيتي والمعادن، وعن مدخلات السياحة والجمارك والأراضي والعقارات والسيارات وغيرها.
 
فالشعب لم يعد يملك ثمن الخبز، حتى تطلبون منه أن يأكل البسكويت (بسكويت ماري)، حيث تنسب هذه القصة إلى ماري انطوانيت زوجة الملك الفرنسي لويس السادس عشر، والذي في عهده قامت الثورة الفرنسية بسبب الفقر والجوع الذي عانى منه الشعب الكادح، وعانى من الاضطهاد والزج في السجون، وتحكم طبقة النبلاء والأثرياء في قوت العامة، فسألت عن سبب ثورة الشعب، فقيل لها إنها ثورة الجياع، ثورة الخبز! فقالت: إذا لم يتوفر الخبز للشعب... فلما لا يأكل البسكويت!.
 
       بعيدا عن حقيقة القصة من عدمها، إلا أن دلالتها إن طبقة الأثرياء والمنعمين، لا يشعرون بمعاناة الشعوب الكادحة، والذين يبحثون عن مأوى، ولقمة عيش، وغطاء من برد قارص، يقول الرب عز وجل: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} فالإطعام وسد رمق الجائع أولا... ثم الأمان من الخوف.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد