خاطرة منتصف الليل من مرتفعات تشتانوغا

mainThumb

07-03-2020 10:49 PM

 اردت ان استرجعها في مثل هذا اليوم، بعد الوصول إلى مطار اتلانتا استودعت مايكل وشكرته على سعة صدره وافترقنا كل الى مسربه في إجراءات الدخول حسب القوانين الناظمة، والتي اعتقدت في بادئ الأمر أنها غير ذلك على اعتبار أنني قادم إلى واحة الديموقراطية الكل بنفس المسرب ولكنني استوعبت الدرس سريعا لخبرتي في الفرز الجيني والبيولوجي في المطارات ، وللامانة حتى أكون منصفا؛ كانت المعاملة من الموظفين دافئة وسلسة، وخرجت بهدوء ووجدت عمر بانتظاري دون حفيدتي نورا التي كانت نائمة.

 
وعبرنا السهول والغابات إلى ولاية تنسي, وهنا بدأت استعد لتسجيل ملاحظاتي في الذاكرة القصيرة المدى من نظام المرور والالتزام الأخلاقي به إلى نظافة أكتاف الغابة التي تغلف الطريق  . وبعد أن وصلت بلهفة لارى نورا الحفيدة نائمة وايقظتها لأحضنها واناغيها، وتفاعلت معي بسرعة البرق فاحسست من نبضات قلبها برغبتها في طرح أسئلة الا يوجد في أوطاننا فسحة من امل لأحلامنا؟
 
 واصطحبتني ابنتي والحفيدة في جولة للمدينة وكنت اخفي دمعتي على أجيال الشباب المهاجر بدوافع متعددة، وهم نخبة النخبة علما وثقافة وطموحا في غياب العدالة وتكافؤ الفرص في اقطارنا.
 
واستعرضت محطات تاريخ تشتانوغا من محطة القطارات والتي تحولت إلى متحف وفندق أثري تحكي، قصة الحرب الأهلية الاميركية في ستينيات القرن التاسع عشر وكانت مفترق الطرق بين الشمال والجنوب. ومنها؛ كانت قصة طريق الدموع- كطريق (الآلام  في القدس)- حيث قضى الألاف في الطريق إلى اتلانتا من الهنود الحمر والمهاجرين الأفارقة في حرب أهلية طاحنة. ومشينا جسر العربات على نهر تنسى، والذي  عبر بنا للضفة الأخرى في مشهد أيقظ نورا من نوم عميق، لتناثر رذاذ أمطار خفيفة.
 
وما أنهى عمر يوم عمله حتى صعد بنا إلى جبل (lookout mountain)، يحكي قصة الحرب بالمدفع والأسطورة ، والتوثيق في متحف أعلى الجبل. ولفت نظري التنوع في السكان لونا وعرقا وكل مكونات الاختلاف التي تمزق أوطاننا، وللامانة لم اشهد للحظة فضولا لزي أو للغة تسمع وانا اتحاور مع نورا، ذات الشهور الثمانية، بل شعرت بدفئ المشاعر نحو الطفولة وابتسامة بريئة من كافة المارة، وغض الطرف هنا سلوكا بدون فتوى.
 
وهنا استحضرت موقفا، عندما اصطحبتنا مدرسة اللغة الروسية ( لإريسا ميخايلفنا) في فترة الدراسات العليا في موسكو في ثمانينات القرن الماضي إلى البلدات التي تشكل الأسوار الذهبية لموسكو. واذكر منها مدينتي سوزدال وفلاديمير، فلم نرى الا عرقا واحدا في صحراء جليدية!
 
والغريب في الرحلة انه انفصلت انا وصديقي صالح البصراوي ذو البشرة السمراء الجميلة عن المجموعة التي تضم؛ الكوريين، والفيتناميين، والكولمبيين والكوبيين، وغيرهم من القوميات التي كانت تعج بهم الجامعات السوفيتية في ذلك الوقت. وكان الصعقة الكبرى لسيدة روسية في منتصف العمر عندما طرح عليها صديقي صالح السؤال عن أقرب مطعم من هنا، فاستدارت تناجي  ربها اسمر اللون يتكلم الروسية بطلاقة! وولت هاربة وكأننا من أهل الكهف ولا أريد أن أسرد لكم تعليق صالح البصراوي على الموقف.
 
فايقنت الان كيف وظفت أميركا الانفتاح لخدمة مجتمعاتها واستقطبت الكفاءات من كافة أنحاء العالم، على عكس الإنغلاق الذي لم ولن يصمد طويلا  في البلدان الطاردة الكفاءات؟؟؟


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد