المقال الذي أغضب القراء - عريب الرنتاوي

mainThumb

01-03-2011 12:13 AM

أثارت مقالتنا المنشورة في هذا الزاوية يوم أمس الأول تحت عنوان: من يوقف "الرصاص المصبوب" على رؤوس الليبيين؟ ، أقول أثارت المقالة ، ردود فعل غاضبة من قبل السادة القراء (والسيدات القارئات) ، وجاءت التعليقات في مجملها حانقة ورافضة لما تضمنته من أفكار ، بل أن الحوارات الهاتفية التي اجراها بعض الأعزاء (والعزيزات) كانت اتسمت بقدر غير مألوف من السخونة.

وأصدقكم القول بأن الكاتب يحب عادة سماع الإطراء والثناء على ما يقول ويكتب ، لكنني هذه المرة سعدت بتعليقات القراء وآرائهم ، على الرغم من أنها جاءت في اتجاه آخر ، معاكس لما ذهبت إليه...أما سبب سعادتي فيعود لأمرين اثنين ، الأول ، أن التعليقات عكست قدراً من الاهتمام والمتابعة والتقدير لما يُكتب في هذه الزاوية...والثاني ، لأنها عكست حساسية القراء المفرطة حيال كل أشكال التفريط بالسيادة والاستقلال ، حتى وإن كان المبرر لذلك "حقن الدماء" و"اختزال المعاناة" ، وهذا أمر نفخر به ونعتز ، خصوصاً في هذا الزمن "الليبي ، التونسي والمصري" الجميل.

جوهر الملاحظات المذكورة انقسم إلى قسمين ، الأول ، وفيه تفضيل أن يكون التدخل العسكري لنصرة الثورة الليبية عربياً حصراً إن كان لا بُدً مما ليس منه بدُّ...والثاني ، وفيه تعبير عن الخشية من مغبة أن يُتخذ من الدعم الفوري للثورة ، مدخلاً لإعادة احتلال ليبيا واستعمارها ، وتوطئةً لإحراق أخضر البلاد ويابسها (لا أحد يلوي على الكتاب الأخضر بالمناسبة ، ولا أحد يمانع في حرقه)...والواضح تماماً أن ظلال الحرب الأمريكية على العراق ، وما سبقها ورافقها وأعقبها من كوارث إنسانية يندى لها جبين البشرية جمعاء ، كانت الهاجس الذي لا يفارق مخيلة كل من كتب واتصل معلقاً ومعاتباً.

من جهتي أتفهم ذلك وأقدره وأحترمه ، بل وأسعد به...بيد أنني أود تذكير الأخوة القراء (والأخوات القارئات) بأنني وأنا أتساءل عمن يوقف الرصاص المصبوب على رؤوس الليبيين ، لم تفارقني للحظة هواجس التجربة العراقية...ولهذا فقد كنت محدداً فيما قلت واقترحت ، وهنا أو أن أذكر بجوهر المطالبات التي تضمنها المقال المذكور:

أولاً: قلت أن (بمقدور أوروبا وأمريكا ، بمقدور مجلس الأمن أو حتى الحلف الأطلسي ، أن يعلن ليبيا منطقة حظر طيران ، .......) ومن قرأ واستمع لتصريحات قادة الثورة لمَسَ لمْسَ اليد ، أن هذا واحد من أهم مطالبهم ، أقله لمنع استجلاب المرتزقة وقطاع الطرق والأفّاقين.

ثانياً: قلت أن الليبيين (بحاجة لتدخل عاجل من نوع إعلان قوائم "مجرمي الحرب" ، تجميد أرصدتهم وأرصدة عائلاتهم ، عدم السماح لهم بالسفر ، توزيع أسمائهم كمطلوبين للعدالة الدولية ، إصدار مذكرات جلب بحقهم...) ، ومن قرأ واستمع لقادة الثورة خلال الساعات الفائتة ، لحظ حجم الارتياح الذي أبدوه لأن قرار مجلس الأمن تضمن شيئا مماثلاً.

ثالثا: دعوت لأن يُطارد القذافي وأعوانه كما تطارد الجرذان ، مطالباً (الدول التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية وتمثيل مع ليبيا ، أن تخيّر بعثات القذافي وسفاراته ومكاتب "الإخوة" التابعة لنظامه: إما الانحياز للشعب واستمرار تمثيله في عواصم هذه الدول ، وإما الرحيل عنه ومواجهة قرارات التسفير وإغلاق السفارات وطرد السفراء ) ، وهذا أمر مطلوب لعزل النظام وتجريده من أذرعته السياسية والدبلوماسية وهزّ صورته ، وهو ما يحصل بنجاح على أية حال.

رابعاً": النقطة الخلافية التي استثارت القراء أكثر من غيرها ، تمثلت في القول (أن الليبيين بحاجة لطلعات جوية حربية كتلك التي ضربت النظام الفاشي في صربيا ، تدمر مقار النظام ومعسكرات ، وتسحب من بين يديه آلة القتل والتدمير ، تسرّع في انهياره ورحيله المكلفين) ، وقد حظيت هذه الدعوة بمعظم التعليقات على الرغم من أنها جاءت مشروطة برفض نشر أي قوات برية أو بحرية أو جوية على الأرض الليبية ، واقتصرت على الحديث عن طلعات تستهدف معسكرات النظام ومقرات قيادته وتحكمه واتصالاته ، طلعات تشل حركة النظام من الجو بحيث يصبح بمقدور الثوار الإجهاز عليه على الأرض.

وهنا أود أن أوضح ، أن تعطيل منظومة الاتصالات التي يمتلكها النظام ، سيختصر أمد المعاناة ويقلص فاتورة الدم ، وينجي البلاد من خطر الانزلاق لحرب أهلية يريدها القذافي ونجله وأركان نظامه...كما أن تحييد القوة الجوية للنظام ، بفرض حظر الطيران أو حتى بتدميرها ، يعد أمرأ حيوياً للتسريع في إسقاطه ، وكذا الحال بالنسبة للعمود الفقري لقواته المسلحة.

القذافي ليس بن علي أو مبارك ، وليبيا ليست تونس ومصر...النظام يخطط لحرب أهلية طويلة ، وهو نظام مجنون ، ظهره إلى الجدار ، أي أنه بات أشد خطراً...وهو يستند إلى قوة من المرتزقة وكتائب يقودها أنجاله وأكداس من مليارات الدولارات "الكاش" التي يوزعها على "زلمه وأعوانه" ، كما أنه يستند إلى دعم قبيلة العقيد - القذاذفة - أي أن المواجهة معه قد تطول وتمتد ، وقد يكون لها تداعيات لا تحمد عقباها ، علماً بأننا على أتم يقين بأن النظام زائل ، وأنه بات جزءا من ماضي ليبيا وليس من مستقبلها.

بالطبع ، نحن نفضل ، إن تقوم القوات البرية والجوية الليبية التي التحقت بالثورة بهذا الدور ، ولا ندري لماذا لم تفعل ذلك حتى الآن ، علماً بأن قواعد جوية وصاروخية انضمت بأكملها للثورة ، كما أننا نفضل لو أن دولاً عربية تقوم بهذه المهمة تحت علم الجامعة العربية ، ولكن أما وقد تأخر هذا وذاك ، وتعذر هذا وذاك ، فثمة سوابق في التاريخ الحديث أمكن خلالها لضربات موضعية ، من الجو فقط ، أن تشل حركة نظام وقواته ، وأن تسرع في انبعاث الجديد: ألم يكن استقلال كوسوفو هو الثمرة للضربات الجوية المؤلمة التي تلقاها العنصريون ومجرمو الحرب في صربيا...ألم تصن هذه الضربات حيوات كثيرين من المسلمين وغيرهم في دول البقان ويوغسلافيا السابقة ؟

نأمل ألا نحتاج لهذه "الخدمة" من الغرب ، على حد وصف أحد القراء الأعزاء ، ولكن تطور الأزمة الليبية وتزايد منسوب الإجرام في التعامل مع الشعب الأعزل ، ورغبة القذافي ونجله الجامحة في إعادة إنتاج سيناريو التوتسي والهوتو ، يجعلنا لا نستبعد خياراً كهذا ، والأمر من قبل ومن بعد ، متروك لثورة ليبيا وثوّارها ، فأهل مكة أدرى بشعابها.

 

عريب الرنتاوي

الدستور



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد