صناعة الأوهام

mainThumb

15-04-2020 09:43 PM

الحلم وصناعة الأوهام يتيحان لنا المجال لنتوسع بأفكارنا ، وتتشعب آمالنا وطموحاتنا ونصعد قمم الجبال ، وإن شئنا ارتفعنا للسماوات العلى ، ونشعر بالظفر ونبدو قانعين ، راضين ، ونأبى أن نصحو لئلاّ نرتطم بعتبة الحقيقة ، لكن الواقع يجذبنا نحوه ، ويصب على رأسنا دلو ماء بارد فندرك أننا لم نبرح مكاننا ، وأن ديوننا تكبلنا ، وعجزنا يقزمنا ، وهزائمنا تكسر عنفواننا ، لكننا برغم ذلك نرفع رؤوسنا ونأبى أن ننحني بذل أمام أقدارنا ، ونتمسك بكرامتنا ونتغنى بمجد أجدادنا ، ونحن نعلم في قرارة أنفسنا أن أجدادنا مروا بظروف مماثلة لما نمر به الآن وكانوا مغلوبين على أمرهم ، لكننا نتغاضى عن ذلك ونرسم لهم صورا برّاقة ونلبسهم أثواب البطولة والعزة والكرامة ، ونمجد صورهم التي رسمناها لهم بإتقان المتعطش للحرية ، الجائع لحفظ كرامته ، المتمرد على الظلم ، فننسب لهم انتصارات وبطولات ثم نلتفت إلى أبنائنا ونأسف على هذا الجيل الضائع ، ونصفه بالمياعة والسفاهة والتفاهة ، كما وصَفنا الأسبقون ، ويظهر بيننا من ينتقده بشدة ، ويؤيد انتقاده زمرة من الناس يدعون أنهم المصلحين ، ويحملون راية الإصلاح ، ويتغنون بأمجاد مضت وانقضت ، ولا يكتفون بذلك ، بل يضعون برامجا وخططا ليصلحوا من شأننا فتنشأ الأحزاب ، والجمعيات ، والتجمعات السياسية والفكرية والثقافية ، ونندمج معها متناسين ما نحن فيه من قهر وذل ، ونعيش أحلامنا من خلال هذه النشاطات فيتجدد ثوب الحلم ، ويتسلح بالعلم والمعرفة والفن والجمال ، ولكننا مع ذلك لا زلنا منغمسين مع أحلامنا ، ونتطلع بأمل نحو مستقبل مجهول ، وعندما نأوي إلى فراشنا مساء نكون قد هيّأنا أنفسنا لأحلام تمدنا بالطاقة والعزيمة ، وتسير الأيام ولكن ليس بوتيرة واحدة فنحن نتقلب حسب المعطيات حولنا ، ونتناغم مع مستجداتنا فقد تعلمنا المواربة ، وقوّينا مناعتنا ، واكتسبنا ليونة تجعلنا نواجه الظلم ولا ننكسر ، ولم تعد تجرحنا النكبات فأحاسيسنا تخدرت بفعل الإدمان ، وإن كنا نتألم أحيانا ، لكننا نتناسى الألم وأخيرا ننغمس باحتياجاتنا الآنية ، ونلتفت إلى رغيف الخبز ولقمة العيش وننسى كل شيء آخر .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد