رمضان

mainThumb

18-04-2020 08:38 PM

من الصعب جدا ، بل من المستحيل أن يوقف إنسان عقارب الزمن ويمدّ يده ويعيدها إلى ما قبل ربع قرن تقريبا .. ولكن صاحبي أصرّ على أن يوقف هذه العقارب وأن يعيدها ويتوقف في إحدى القرى المدن أعني في مدينة لا تزال لها أخلاق القرية وعادات القرية وحياة القرية ..


وقال صاحبي : إن لبعض الأماكن روحا كما تعلم حين تعتاد ارتيادها تشعر أن ارتباطا وثيقا بينك وبينها .. وهكذا بدأت علاقتي بهذا المكان الذي أحببته وأحبني ، وفي سفراتي الطويلة كان يؤرقني حتى إذا ما عدت إليه أحسست فعلا أن العود أحمد وفي المرات التي كنت أختلي بنفسي فيه كنت لا أتردد عن الحديث معه بصوت عال وكنت أبثه طبعا لواعج شوقي وما كنت ألاقيه في سفراتي ورحلاتي تلك ..


وكما يقولون كان كل شيء يبعث على الدفء والتفاؤل والمسرّة كان الحيّ الذي كنت فيه حيّا بمعنى الكلمة وكان الجيران جيرانا بكل ما تحمل هذه الكلمة من نبل وكانت المودّة مودّة خالصة وكان الحبّ حبا عفيفا بريئا وحتى نظرات الناس كانت بريئة ..


وفي مثل عذا الوقت من كل عام كان الحيّ يتحد حتى ليصبح بيتا واحدا .. أليس شهر رمضان ..شهر الخير والبركة .. شهر الغفران شهر العبادة شهر الرحمة شهر ليلة القدر ؟؟ كانت كل هذه المعاني تتجسّد في هذا الركن من العالم .. وأنني أضحك الآن حتى لأكاد أستلقي من شدّة الضحك كلما نزلت الشارع في هذه الأيام أتصفح وجوه الناس فلا أراها إلاّ عابسة مكشّرة وكلما نزلت إلى الشارع صادفت هذا يصيح وهذا يلعن وذاك يرد فما الذي حدث لهؤلاء ومن آداب هذا الشهر الفضيل سعة الصدر والتجاوز عن الهفوات وقولك لمن يتحرش بك اللهم إني صائم .. وكان القليل القليل يكفي في تلك الأيام ولكنني في هذه الأيام أحسب أن هناك مجاعة ستقع والكل يسرع إلى الأسواق العامة والمركزية والحوانيت كما لو أصبح الشهر الفضيل شهر الأكل وليس الصيام


وأقول في نفسي لم تقصّر الحكومة في شيء ولم تدع إلاّ للإنضباط حتى نقهر الوباء ونتغلب عليه  ولكن التفكير يعاودني ربما يكون هذا التهافت على شراء كل ما تقع عليه العين خوفا من الغد والغد بيد الله ومن أهداف الصيام النبيلة الشعور بالجوع كي يحس المؤمن الميسور بجوع أخيه الفقير..


طالعت في صاحبي ببلاهة .. والذي أذكره أنني هززت رأسي وظللت أهزّه حتى بعد أن نهض وانصرف ...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد