التحدي الاعلامي الحديث

mainThumb

25-04-2020 12:01 AM

التقدم التكنولوجي أحدث انفجارا عظيماً في عالم الاعلام، هذا الانفجار العظيم ما زال يتمدد حتى بلغ الآفاق، آفاق الأرض ودخل كل بيت بل منح كل شخص فرصة ممارسة الاعلام، وأعطاه منبراً يعبر من خلاله عن آرائه ورؤيته، وسمح له بالتفاعل مع الاحداث، بل صُنع الاخبار ونشرها بطريقة تفاعلية.. المؤسسات الاعلامية التقليدية في بلادنا العربية، التي كانت الانظمة والحكومات تحتكرها وتوجه بها الرأي العام، وتحجبها عن المخالف والمعارض وتكتم أنفاسه، ولا تعطيه مساحة ولو بسيطة ليبدي وجهة نظره، هذه المؤسسات تحجرت وأنكرت هذا التوسع في الاعلام، وما زالت نظرتها هي هي، وسياستها التحريرية لم تتقدم، بل وضعت أصابعها في آذانها واستغشت ثيابها، وأبدت الانكار، بدل الاقرار بالواقع والتعامل معه..


الانفجار الذي حدث بعثر المؤسسات الاعلامية الرسمية الداعمة للأنظمة، وبدأ الاعلام الجديد يجد طريقه الى الرأي العام، ما جعل ورقة التوت تسقط عن الانظمة الاستبدادية،  والمتلونين، من الحكام الذين زلزلهم الانفجار الاعلامي فسقطوا من أعين الناس وأصبحوا مادة دسمة للاعلام الجديد الذي صلبهم أمام العامة عراة لا يسترهم شيء، وما زال الانفجار يتمدد ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بشكل العالم اذا بلغ التوسع الاعلامي الجديد ذروته، وصارت الشعوب هي التي تقرر مصيرها وليس الانظمة.


الأدوات الاعلامية تطورت على مدى عقود، فبدأت نواةً صغيرة في الراديو ثم التلفاز، وبدأ التوسع من التلفاز، فصار المراسلون يطاردون الاخبار ويعرضونها للناس لكسب السبق ثم الأموال، ثم من خلال التلفاز بدأ ما يسمى البث المباشر، ثم ظهرت المحطات الفضائية، ثم مواقع التواصل الاجتماعي الذي بدأ قادة الدول يستعيضون بها عن المحطات المرموقة التي تقدم الاخبار بغلاف مزين من مصالحها ومصالح مشغليها أو الأنظمة التي تتبع لها..


والآن المحطات الاعلامية الناجحة تهتم بمواقع التواصل وتتابع أخبارها واتجاهاتها، وآراء المتفاعلين، وتتابع كل ما يجري من حراك على مواقع التواصل، وتعرضه لمشاهديها أو قرائها.. لأن الواقع الاعلامي فرضها عليها إذا أرادت أن تستمر في الحياة...


كل ما سبق، أكده الواقع الاعلامي، في زمن الجائحة التي طبقت الآفاق ووصلت الى العالم بأسره، وصار الاعلام الحديث يحاور الاعلام القديم ويناقشه، ويرد عليه، ويثبت في أحيان كثيرة، أن الاعلام الفردي الذي لا يتبع لمؤسسة ولا توجهه الدولة، يكشف الحقيقة ويوجه الرأي العام أكثر من الاعلام الرسمي، بل كثيرا ما ينزل الاعلام الرسمي عند رأيه...


لكن ما يخيف في هذا الاعلام الذي يتسلح بمواقع التواصل التي ينثال عليها كم هائل من المعلومات والمواقف حتى يغطي بعضها بعضا، وينسي الجديد منها القديم، أنه يُوجَّه بسهولة، فهو شعبي ولا توجد له ثوابت ولا ينطلق من نقطة ثابتة معروفة، بل يتكون من ملايين الاراء الفردية والتي تتباين في تعاطيها مع أي موضوع حتى لو أجمعت على هدف واحد.. وليس عندها آلية لفرض رأيها إن أجمعت على رأي، فهي قلما تترك مكانها أمام الشاشات..!!


ومع ذلك فهي تفرض نفسها، ويصعب تجاهلها، وعلى الاعلام التقليدي أن يعترف بها، ويمتطي صهوتها إن أراد الحياة.. فالزمن لا يرجع الى الوراء.. وتجاهل الموجة وانكارها لا ينهيها، بل يجعل تأثيرها أقوى وتبعاتها مدمرة...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد