انتخابات في زمن الكورونا و قانون غريشام

mainThumb

24-06-2020 01:58 AM

العُملة الرديئة تَطرد العُملة الجيدة من السوق، هذا ملخص قانون غريشام، والذي طرحه (Sir Thomas Gresham) كتفسير لحركيّة العملات في الدورة الاقتصادية، والتي طُرحت قبل هذا التأطير المعاصر مِن (أحمد المقريزي) و(تقي الدين ابن تيمية) في بعض الكتابات.

التطبيق السياسي لقانون غريشام غايةٌ في الإثارة؛ فالحاصل اليوم في الوطن العربي خاصةً، وبعض دول العالم عامةً ما هو إلا جانب من تطبيقات ذلك القانون، حيث يَطرد السياسي الفاسد السياسي الجيد من الساحة، وهنا تتمظهر الإشكالية المحلية و العالمية في ظل تصاعد خطاب الكراهية والشعبوية والقوميات والانغلاق، بعد ما كان العالم يتحدث عن العولمة و العالمية و الانفتاح والتحرر الاقتصادي و الثقافي بعد انهيار جدار برلين، ليصبح الحديث عن بناء جدار الحدود المكسيكية، و جدار العزل في الضفة الغربية، و خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، و عزل قَطر من مجلس التعاون الخليجي!

يمتلك السياسي الفاسد عملانيًا أدوات أكثر و أقوى من السياسي الجيد، فبينما تُقَيّد جملة قيم وأخلاقيات و التزامات يد السياسي الجيد، فإن السياسي الفاسد يتحرر من كل تلك القيود منطلقًا من براغماتية تمنحه الأفضلية النسبية والمطلقة على المدى القريب و المتوسط.

ممارسات كشراء أصوات الناخبين، وتزوير بطاقات الاقتراع، و الحملات الدعائية الكاسحة، و شراء التحالفات، و الدفع بمرشحين للإضرار بالمنافسين، و تشويه السمعة، والإشاعات، والتمويل من الشركات و قطاع الصناعة، و تمثيل المصالح الخاصة و الفئوية على حساب العامة ...الخ جميعها تأتي في خانة الممارسات السياسية الفاسدة التي لا يمتلكها ولا يقبلها السياسي الجيد، و التي تمنح أفضلية للآخر الفاسد، وتقدمه لمراكز السلطة والتشريع والحكم، وبالتالي تنطبق نظرية (غريشام) الاقتصادية على السياسة بشكلٍ أو بآخر.

بعد تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية، سوف تعاني الحكومات و الشركات والأفراد الكثير من المصاعب الاقتصادية، و سوف يكون من المرجّح تصاعد الخطاب الشعبوي و تقديم المصالح الوطنية على أي توجهات ذات إطارٍ أوسع، في ذات الوقت الذي سترتفع به نسبة البطالة والفقر، كل هذا يخلق البيئة المناسبة لنمو طفيليات التطرف والانغلاق، و يمهد الجو العام لقبول ممارسات غير قانونية مثل شراء الأصوات والرشوى والتزوير.

الانتخابات القادمة ستشهد تقدمًا ملحوظًا لمرشحي العشائر و الوجاهات المحليّة ورجال الأعمال و صائدي الفرص، في حين ستتراجع فرصة الفوز لرجال الفكر و الاقتصاد و أهل السياسة من الحزبيين، تمامًا كما ينص عليه قانون غريشام، حيث أن الظرف الموضوعي لتداعيات وباء كورونا و صعود الخطاب اليميني الشعبوي والانهيارات الاقتصادية...الخ جميعها عوامل طرد للسياسي الجيد، تمامًا كما حدث لألمانيا حين اكتسح النازيون السلطة، و كما حدث في الولايات المتحدة حين أفرزت ترمب رئيسًا.

العالم مُقبلٌ على تراجعٍ شامل، سياسيًا و اقتصاديًا، وثنائية القطبية للعالم مابين الصين والولايات المتحدة ستؤثر على المشروع الإنساني والأخلاقي للعالم الذي لن يكون كما عرفناه سابقًا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد