ساحة الانتخابات النيابية .. كُلْ اقرَع فيها بِفرَعْ
ذات ليلةٍ تتأنّقُ بالعفّةِ والطُّهر والبَساطة ، ويتدفَّقُ مِن ثنايا سُكونها بقايا خريرِ القهوة المنسابة في حَلق الزّمن ، ويُقاسمُ إيقاعَ أنينها حنينٌ مُرتجفٌ يُسامرُ القمَر الضّاحِكَ فوق هاماتنا ؛ وبينما يُطارحُ النّسيم جُدرانَ قلوبنا المكتظّة بأباريق الأمل ، يندَسُّ الشجنُ المخنوق بين زنبقاتِ الزّمن الجميل ؛ التفتُّ إلى الوجه الآخر من الزمن ، واتكأتُ على طَرفِ سرير الرّضا والدتي ، فأخذتُ أغازلُ روحها الدافئة الحانية ببعضِ كلماتٍ كُنتُ قد حبستُهنّ في معطفِ والدي رحمه الله ، وداريتُ عنها ضَوضاءَ قاطرة الليل المنسابَة بي ، حتى لا أُشغِلُ بالها ، أو أسرقُ عَن وجنتيها ما تبقّى من تجاعيد وزغاريد البهجة ؛ واستندتُ مُمازحاً قلبها :
شو رأيك يا حجّة تنزلي للانتخابات ؟ وأنا سوفَ أدفعُ عنك رسومَ الترشيح.
صَمَتت قليلاً ، ثم حملَقَت بي ، وتنهدّت باسمة الجَوى ، وكأنما ألقتْ عليّ بُردةَ الخجل ، ووشاح العتب الغائرِ في عينيها ؛ فأحسستُ بالحُزنِ أنْ أكون قد أغمدتُ في عينيها قُبلةَ الابنِ البار ، أو خرقتُ سِتارَ الوقار الذي يلفُّ مُحيّاها ، أو تخطّتْ دُعابتي معها ما لا يجب ؛ فامتطيتُ حصانَ شُرودي ، وأرخيتُ في ذاتي دموعَ خطيئتي ، وابتلعتُ حُرقتي وكَمّمتُ بالصمتِ وجعي ؛ فإذا بها تُبادرني بالقول :
لا عليك يا بُني ، دفعَ الله عنك كل بلاء ؛ لا تُشقي نَفسك فَوق ما بِكَ من شقاء ؛ فلا أحبُّ أن أرى الُحزنَ يجري على قسماتِ وجهك ، لكنّ الحياةُ اليومَ قد تغيّرت ، ولمْ يعُد لأمثالنا فيها سوى مَوطئ القدمْ ، فعلى رأي المثل صار كُلْ أقرَعْ فيها بِفْرَعْ.
لمْ يَبرحُ التفكير بالي في عمق هذا المثل ، وأنا أُلملمُ نفسي استعداداً للمغادرة ، حتى وجدته أنسبُ ما يتم إسقاطه على المرحلة التي نمرُّ بها هذه الأيام ، وهي مرحلة الترشيح للانتخابات النيابية ، التي تشهد تحرُّكاتٍ ولقاءاتٍ ومشاوراتٍ على المستوى الشعبي لاختيار المرشحين والاتفاق عليهم ، والتي تعتبرُ حديث الشارع الأردني في المجالس وأسواق الكلام ؛ ولا شكّ أنّ هذه حالة إيجابية بكل المعايير ، ترسّخ مبدأ الديمقراطية بكلّ تجليّاتها وصورها ، وتُعزّز حق الفرد في التمثيل البرلماني وخوض الحياة السياسية ، طالما كان يحقق معايير الترشيح التي تحددها الهيئة المستقلة للانتخابات.
قضيتنا ليستْ مع القانون ، ولا مع تلك الشروط والمعايير ، فمعايير الترشيح واضحة وليست تعجيزية ، ولعلّك تجد نسبةً عالية جداً من الشّعب من تنطبقُ عليهم هذ الشروط ؛ إنما القضية تكمُن في سؤالٍ واحدٍ فقط ، مَن هو المؤهّلُ لأن يمثّل الوطن ويتكلم باسم المواطن ؟
المؤهلُ للترشيح لمجلس النواب في السياق المجتمعي والسياسي معنىً فضفاضاً يتطلبُ مزايا كثيرة لاستحقاقه ، فليسَ يقتصرُ على شهادة أو مالٍ او جاهٍ أو وجاهةٍ أو سن ، ولا يُظلّلُ في خُروجٍ على خندق الوطن ولا استقواء خطابي فاتن ، ولا تراجيديا دراميّة غامضة كالسّراب ، تهبطُ ذروة أحداثها كلما اقتربَ البطل المرشّح من مبتغاه ، ولا يُمكنُ أنْ يُجتَزأ في موقفٍ عابرٍ تُفرزهُ حكايات ألف ليلة وليلة ؛ المؤهلُ للجلوسِ على كرسي المجلس ، ليسَ ذاك الشّخص الذي يُجيدُ لغة المسرح ، ولا ذاك الذي يشربُ فوزه ونجاحه من بئر المجتمع ، ثمّ يلقي فيه حجراً ، ويختفي عن الأنظار ماثلاً للمتنبي أنا تِربُ النّدى وربُّ القوافي.
ما يسيطرُ على ثقافة المجتمع الأردني من جدارياتٍ قديمةٍ واعتباراتٍ سطحيّة ، لم يعُد مناسباً الآن في ظل ارتفاع منسوب الثقافة والوعي السياسي لدى المجتمعات لترجيح كفّة المرشّح في ميزان الحياة العامة ؛ والضجيجُ الذي يَغلبُ على أمانة الضمير ، ويصهرُ الوعي في قوارير النفوسِ الخاوية من الدين والفكر والمسؤولية ، ما عادَ هو النغمة المحدِّدة للسيمفونية الرابحة في زمنٍ استطاع الناسُ فيه أن يميّزوا بين الممثّل الحقيقي والكومبارس ؛ والجيوبُ المُفرغة امتلأت بالقناعة وارتوت بالصدق ، بعدما نَبتْ سيوفُ الزاحفين الى مجلس النواب من قبل ، فأُغمدوا منذُ ذلك الحين في ذاكرة النسيان.
لسنا هنا نتباكى على ما يسمى الزمن الجميل ، ولسنا نوقفُ عجلة التطور الفكري والنضج السياسي والقدرة على تمثيل شرائح المجتمع المتنوعة عند وقتٍ ما ، ولسنا نحتكرها تحديداً على شخصياتٍ بعينها ؛ فمن الطبيعي والمألوف أنّ لكلِّ زمان مداهُ ، ولكلِّ مرحلةٍ وجهها ورجالها ورموزها ؛ والأردنُّ ولاّدة للقيادات والكفاءات الموثوقة ، والشخصيات التي تهزُّ الأرضُ حولها جانبيها ؛ لذا فإنّه من حُسن الطّالع أنْ تُخضِّب القواعد الشعبية في الوطن كفّيها من جديد ، وأن تمتزج آراءها بمسؤولية وحيادية ونزاهة ، لتفرز للوطن قياداتٍ شبابية مؤهلة وقادرة أن تؤدّي دورها الرقابي والتشريعي بكل نزاهةٍ وإتقان وجدية ، قياداتٍ ليس لديها هَوس الوقوفِ في المربّع المُضاد على الدوام من منطلق شوفيني يا بنت العم ؛ وقد آنَ الأوان لها لتتخلّص من عبء بعض الوجوه التي رانَتْ على عقول أبنائها وتفكيرهم وتمثيلهم ردحاً طويلاً من الزمن ، وحانَ الوقتُ لها لتغير صورة البرلمان التي تشوّهت في أذهان الناس خلال العقد الأخير ، نظراً لاتخاذ البعض مجلسَ النواب مطيّةً لخدمة مصالحهم الشخصية ، ومكاناً للترويج لأجندتهم التي تضعُ المصلحة العامة للوطن والمواطن على الرّف.
إنّ المرشّح المؤهل لخوض ميدان الانتخابات النيابية رجلاً كان او امرأة ، لا بدّ وأن يكون ذو ثقافة سياسية ودراية تامة بالقانون والدستور الذي سيحتكمُ إليه ، ولديه اطلاع وثيق الصلة بالواقع السياسي الذي تعيشه المنطقة والعالم ، بكل ظروفه ومستجداته وتقلّباته وصراعاته ، حتى يمتلك المقومات التي تمكنه من اتخاذ المواقف المشرِّفة في صف الوطن ، لا تلك التي تتأثر بانتماءاتٍ موجّهة دولية كانت أم حزبية أم طائفية أم مجتمعية ، فالوطن لا يحتمل التشرذم ولا يقبله بكل اُطره ومقاييسه.
الحياةُ البرلمانية تحتاجُ لمن لديه الرؤية الثاقبة للمستقبل البعيد ؛ من يستطيع أن يطلق برنامجاً انتخابياً مقنعاً لنفسه ولقاعدته الشعبية ، ومن ينافسُ نظرائه على رفعة وتنمية ونهضة البلاد ، لا من يحتكمُ إلى الأساطير والخرافات التي ملّ الناسُ منها ومن أصحابها ؛ من يوازنُ بين شجاعة الموقف وسموُّ الهدف ، ويربأ بنفسه عن فوضى الكلمة وعبثية النص ؛ ففي البرلمان لا بدّ أن تكون الكلمة ذاتها موقفاً ، وأن تاتي في وقتها وسياقها ومعناها ، بحيث لا يكون الحديث لمجرد الحديث وإلهاء الناس بما لذّ وطاب من العناوين الخطابية الرنانة ، التي لا تغني ولا تُسمن من جوع.
الشخص المؤهّل للبرلمان ، ليسَ ذلك الذي يتخذه فرصةٌ يغتنمها ليبدأ حياة مخمليّة جديدة بأشكالها وأبعادها المختلفة ، ويعيشُ في برجه العاجي ؛ إنما هو من يبادرُ إلى تفعيله كمنبرٍ يوصلُ من خلاله صوت الشّعب ورؤيته ومطالبه ومعاناته ، ويقدرُ على تذويب الفجوات بين الحكومة والشعب ، وصولاً الى الصالح العام ؛ ولا يروّج لنفسه من خلال وعود شخصيةٍ بالعمل والتعيين والاعفاءات وغيرها ، وهو يعلم تمام العلم أنه لا يقدر على تنفيذها في ظل الدور المقتصر حالياً على الرقابة والتشريع فقط في مجلس النواب ، ليسوق اليه المُطبّلين والمهرولين والمنافقين ؛ فيصدُق فيهم ما قاله الشافعي : ولو نطق الزمان لنا هجانا.
يجبُ علينا أنْ نقفَ بمسؤولية وعمق أمام هذا الأمانة العظيمة ، وهي التصويتُ لمن يستحقُ حمل هذه الأمانة ، وأنْ نُدرك أنّ زمن اللعب بالبيضة والحجر قد تولّى ، ولا بدّ أنْ نخرج من الجلابيب الضيقة ، ونلبس جلباب الوطن فقط ؛ خاصة في هذه الأيام التي يعُجُّ بها الميدان بأسماء المرشحين ، لنفرزَ الصوت الحق والنَّفَس الحر ، والقامة التي تستحقُ أن تكون الممثل الحقيقي لنا في مجلس النواب بعيداً عن كل الموازين الأخرى ؛ فتجاربنا السابقة مع كثير من النّواب كفيلة بأن تغلقَ باب الرهان الخاسر ، فلا رهانَ اليوم إلا على وعي المجتمع ومصداقيته وحرصه على وطنه.
لا تعميم فيما نقولُ ، فهنالك الكثير من المخلصين ، ممن ناضلوا من نوابنا السّابقين ، وبذلوا ما يستطيعون لصون عفّة وعفاف الوطن ، وعملوا لأجله واضعين نُصبَ أعينهم أن تبقى المصلحة العليا هي الأولوية ؛ إلا أننا لا بدّ أن نلوم انفسنا قبل أن نلوم أي نائبٍ أخرجناه من صميم مجتمعاتنا ، ثم أدار ظهره لنا ولوطنه ؛ فإنْ صدقنا الاختيار هذه المرّة أنجبنا الأخيار.
مؤشرات قوية على اجتياح رفح قريباً
منتدى اقتصادي للشراكات المالية والصناعية والتجارية في أيار المقبل
منهم نتنياهو .. أوامر محتملة من الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين إسرائيليين
الحرارة أعلى من معدلاتها ب12 درجة في هذا الموعد
الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط
شهداء وجرحى في القصف المكثف .. قبيل اجتياح رفح المرتقب
المأمول للمبادرة من قمة البحرين
الجنايات تسند تهمة هتك عرض لممرض .. تفاصيل
وزارة الزراعة تعلن عن نحو 50 وظيفة .. تفاصيل
لازاريني: 160 من مقار الأونروا بغزة دمرت كليًا
تفعيل كاميرات مخالفات الهاتف وحزام الأمان
صاروخ إيراني سقط في البحر الميت .. صور وفيديو
الحكومة تعلن عن بيع أراضٍ سكنية بالأقساط .. تفاصيل وفيديو
الحكومة تبدأ بصرف رواتب موظفي القطاع العام
هجوم سعودي على الحكم الأردني المخادمة:تاريخه أسود
بشرى سارة من الحكومة لمستخدمي المركبات الكهربائية
مدعوون للتعيين في وزارة الصحة .. أسماء
أردني يسمي مولوده السنوار وبلبلة على مواقع التواصل
احتجاجات أمام شركة أوبر الأردن .. تفاصيل
الحكومة تختار أول طريق لا تدخله المركبات إلا بعد دفع الرسوم .. تفاصيل
شركة حكومية تطلب وظائف .. تفاصيل
73 شخصية توجه رسالة عاجلة لوزير الداخلية .. أسماء
#امنعوه_لا_ترخصوه عاصفة إلكترونية تجتاح مواقع التواصل بالأردن