الإمام أحمد بن حنبل

mainThumb

18-10-2020 02:01 PM

هو رابع أئمة المسلمين وصاحب أحد مذاهبها عالم فقيه وفطين وذكي اشتهر بتواضعه وصبره وتسامحه وكرمه وعلمه الغزير وأخلاقه الرفيعة، سريع الحفظ والفهم، اعتبره الكثير من المسلمين قدوة لهم، واعتمد عليه علماء كثر، تعرض لمصاعب وأذى و تعذيب شديد في السجون لأجل دفاعه عن القرآن الكريم، ولكنه صبر واحتمل لأجل نشر رسالة العلم والدين مما جعله أحد العلماء الأشهر في التاريخ الإسلامي.

 

أحمد بن محمد بن حنبل وكنيته ابو عبد الله، ولد هذا العلامة العظيم في العام 164 هـ، اختلف المؤرخون في مكان مولده فبعضهم يقول أنه ولد في بلاد فارس، والبعض الآخر يرجح أنه ولد في بغداد، وهو من أحد سلالة العرب، وكانت أمه من قبيلة شيبان، ووالده من قبيلة ذهل، وتعتبر هذه القبائل من إحدى القبائل العدنانية والتي تعود في النسب إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

وكانت قبيلة والده قبيلة قوية وشجاعة وصفت بالاباء والهمة والحميّة، واشتهرت بالصبر على المصائب والقوة في الشدائد، وكانت هذه القبائل من أكثر القبائل احتراما عند العرب في الجاهلية والإسلام وتركت أثرا فيما بعد، وقد عرف بن حنبل على أنه عربي من أهل البادية في مدينة البصرة.

البتراء المدينة الوردية

نشأ هذا العلامة الكبير يتيما في طفولته، وذلك لأن والده توفي بعد ولادته مباشرة، وكان والده حينها صغيرا في العمر لم يبلغ الثلاثين، فقامت أمه على تربيته وأحسنت ذلك، وعاش في كنف عائلة والده مع أمه حتى بلغ أشده.

 

كان والد بن حنبل قد ترك له إرثا كافيا لأن يغنيه عن سؤال الناس، وبيتا في بغداد، وكانت بغداد من البلاد العريقة التي تكثر فيها الثقافات والفنون والمعارف والقراء، وكانت في ذلك الوقت بلاد مزدهرة في التجارة والصناعة والآداب والفلسفة والثقافة والقانون، و كان حكماؤها و فقهاؤها وعلماؤها كثر وعلمها وفير، وكانت في ذلك الوقت مركز ومنبع الحضارة الإسلامية.

 

كانت عائلته حريصة على أن تنشأ رجل مثقف وواعي ومتعلم ولكنها أرادته عالما وفقيها أيضا، فقامت على تعليمه جميع العلوم وتوفير جميع الثقافات في بغداد، فتعلم الحديث وعلم القرآن وعلم اللغة ومآثر التابعين، وعلوم الصحابة، و تربى على حب العلم والتقوى والدين، وزرعت فيه أهميه أن يكون عالما مسلم، وحفظ القرآن صغيرا وتميز باخلاقه الطيبة، كما عرف الامانة والتقوى والكرم والتسامح.

 

لقد اعترض ابن حنبل خيارين في علوم الدين والشريعة الإسلامية، واحد كان يتعلق بمسالك الفقهاء والثاني في راوية وحفظ الحديث، وكان كلا من هذين الخيارين جديد في علوم الشريعة الإسلامية في ذلك الوقت، فاختار في بادئ الامر علوم الحديث ولكنه قبل أن يكمله أراد ان يتفقه في مسالك الفقهاء الذين جمعوا في علمهم بين الرأي والحديث، وكان المعلم الأول لابن حنبل هو القاضي أبو يوسف أحد أصحاب أبي حنيفة، ثم بعد ذلك استمر في دراسة علوم الحديث وحفظه.
أعماله ومؤلفاته:

 

كان الإمام مجتهدا في العلم وطالبا له بجميع الوسائل، و اختص في علم الحديث والرواة، وترك رصيدا وفيرا من المؤلفات والكتب التي تندرج جميعها تحت قسم الحديث، وحتى في كتبه التي لم تحمل في اساميها أي إشارة للحديث، إلا أنها تطرقت في داخلها إلى أحاديث نبوية كثيرة واستند إليها في المادة والموضوعات.

 

وصلت مؤلفات وكتب هذا الامام حتى 30 ألف كما قال بعض المؤرخين الإسلاميين، وقال بعضهم الاخر أنها وصلت إلى 40 ألف حديث نقلت عن الصحابة، وكان يساعده في ذلك ابنه عبد الله الذي يقوم بالإعداد والتدقيق واستمر عبد الله بعد وفاة والده في تسجيل الأحاديث التي قال بأنها صحيحة وأضافها الى المسند.
إضافة إلى عدد من المؤلفات الأخرى مثل تلك التي اختصت بالنساء "أحكام النساء"، وكتاب اختص بالأمور العقائدية في الشريعة الاسلامية ألا وهو كتاب "العقيدة"، ومنها ما أشار الى بحر الاسامي بكتابه "الاسامي والكنى"، كذلك كتاب يذكر فضل الصحابة باسم "فضائل الصحابة"، وكتاب الورع الذي أشار فيه إلى أهمية وجود هذه الصفة في الدين الإسلامي.

 

مكانته بين العلماء:

لقد كانت مكانة هذا العالم الكبير والامام الفذ بين العلماء كبيرة وأثنى عليه غالب العلماء في العصر القديم والحديث، ومنهم ما قاله الإمام الشافعي بحقه: أنه صغير كلما قال شيئا صدقه الكبار، بالإضافة إلى أنه وصفه بقوله: خرجت من بغداد وما خلفت بها أحدا أروع ولا أفقه منه، بالإضافة إلى أنه أشار الى إمامته على انها إمامة بثماني خصال وهي: الحديث والفقه واللغة والقرآن والفقر والزهد والورع والسنة.

 

في بغداد عام 241 هـ وبعد 77 عاما غادر العَالم الإسلامي عالِم جديد من علماء المسلمين جعل من علمه وأخلاقه شخصية يقتدى بها على مدى أكثر من ألفي عام، ودفن في بغداد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد