العهد 3

mainThumb

08-11-2020 10:15 PM

 ( في بيت السيدة. السيدة في أبهى زينتها، أمامها مائدة عليها باقة زهور)

السيدة : الويل لي إذ أحترق بلهيب الشوق، ومن أعشقه لاه عني بحب ذاته، أقسم أنه سيقع... حينئذ سأجعله يقبل قدمي هاتين (يائسة) آه ... ضاقت بي السبل، وأعيتني الحيل... رميته بسهام نظراتي فلم أصبه، ماحكته، وحاولت استمالته فانعطف عني ، اصطنعت المواقف، وابتكرت المصادفات، فلم يفلح معه شيء، وأخيرا قررت أن أنتهز الفرص، سمعت أنه يراوغ عبده (بحماس) لأغتنم سانحتي إذن ... (بحماس أشد) هرعت إليه ، وقنصته العبد ( تضحك) سيراودني من أجله، فأنصب له فخ الهوى.
(تبدأ ترقص بينما يدخل التابع وبيده قارورة من الخمر، يلمح السيدة الراقصة فينظر إليها بإعجاب، تلمحه وتفطن لنظراته فترميه بنظرة خاصة، يرتبك ويشيح بوجهه عنها ثم يضع القارورة على المائدة ويطرق خجلا)
السيدة : لماذا تهرب بنظراتك عني؟ (تحوم حوله بحركات راقصة)
التابع : (مرتبكا) أنا... ؟ حاشا لله.
السيدة : أنظر إلي إذن.
(التابع ينظر إليها مترددا، ثم تتحول نظراته إلى نظرات انبهار)
السيدة : إقترب.
(يقترب منها مستلبا، بينما تضحك بصخب، يحس بالحرج ثم يخرج متعثرا)
السيدة : يكفيه هذا الآن (تضحك بصخب بينما يدخل السيد الذي يقف ويتأملها، وهي لا تلمحه، ثم يبدأ يضحك بسخرية، فتكف عن الضحك إذ تسمع ضحكه ، وتنظر إليه بوله، لحظة ثم متمالكة)
السيدة : أنا أضحك طربا، بينما الغل يفضحك ويزيف ضحكك.
(يكف عن الضحك)
السيد : أين هو ؟
السيدة : من هو؟
السيد : تعرفين من أعني.
السيدة : (مراوغة) هذه أول مرة تزورني(تتناول قارورة الخمر) لنشرب إذن نخب ... نخب..
السيد : (يتناول القارورة منها) نخب العبد!
السيدة : لا تهزأ.
(السيد يضحك ويشرب جرعة ثم يضع القارورة جانبا)
السيد : وإن أخبرتك أني أتيت شاريا.
السيدة : العبد؟ (تضحك) لا... هو ليس للبيع.
السيد : (باستفزاز) للعشق إذن؟
(تنتفض بامتعاض وقد أصابتها كلمته)
السيد : (بمكر) سيبدو الأمر هكذا أمام الجميع.
السيدة : ولماذا لا ينكشف الأمر الذي تخشاه أنت، إذ سيعلم الجميع أني أويت العبد الذي راوغته أنت واحتلت عليه لتنكث عهدك.
(السيد يبدو منفعلا ثم يتمالك بسرعة)
السيد : مكوثه عندك سيفضح مجونك ليس إلا.
السيدة : (بضعف) أنت تعلم أني لا أستبقيه من أجل هذا.
السيد : المهم ما سيراه الناس.
السيدة : المهم عندي ما تراه أنت (تنظر إليه بحب وضعف) ألا ترى الحقيقة؟
السيد : (مراوغا) أية حقسقة؟
السيدة : (ثائرة) أنت لا تطاق.
السيد : وإن قلت لك أني أعيد إليك مالك ، وأضاعفه؟
(يدخل العبد ومعه طبق فاكهة ، يرى السيد وينظر إليه باهتمام، تقترب السيدة من العبد بغنج وتتناول الطبق منه، تضعه على المائدة وتحوم حوله قائلة)
السيدة : قلت لك هو ليس للبيع.
السيد : (للعبد) أرى السيدة تتمسك بك لتبقى قربها (ساخرا) ربما هي تحبك؟
(العبد يبدو مرتبكا، بينما يضحك السيد ساخرا)
السيدة : كفى أيها السيد (للعبد بلطف) أخرج أنت الآن ريثما أطلبك.
(يخرج العبد مرتبكا)
السيد : والآن؟
السيدة : الحل بيدك أنت.
السيد : أطلبي الثمن الذي تريدين.
السيدة : ولا بأملاكك كلها.
السيد : عنادك سيضرك ، صدقيني.
السيدة : (حزينة) أعلم أني ألعب بالنار، ولكني لا أستطيع إخمادها في داخلي، لتندلع بقوة إذن ويمتد لهيبها إليك أيضا.
السيد : إلي أنا ؟ لماذا؟
السيدة : (بضعف) أنت تدرك كل شيء، لكنك تتعامى.
السيد : أنا لا أفهم شيئا.
السيدة : (بحزن) أنت ترى كبريائي تهان، فتزداد تعنتا.
السيد : أنا لا أرى شيئا، صدقيني.
السيدة : بل ترى ، لكنك تستهين بمشاعري، أهنتني من قبل وتتعمد الاستمرار في إهانتي بتجاهلك لي.
السيد : (حائرا) أنا ... أنا ...
السيدة : أنت لا تحبني.
السيد : لذا تريدين الانتقام مني؟
السيدة : سأفضحك وأكشف احتيالك.
السيد : (مستدركا، بلطف) لكني لا أكرهك.
السيدة : (بحزن) ولا تحبني كذلك! (تصرخ) لماذا ابتليت بحب من لا يفهم الحب؟
السيد : إهدئي ، وأعيدي لي العبد.
السيدة : أي قلب متحجر هو قلبك؟ (بحزن) أنا أعلم أن لا سلطة لنا على قلوبنا (منفعلة) ولكن لماذا أنا أحبك؟ ولماذا لا تقبل حبي من باب الرثاء حسب (بحزن) ولماذا لا أكون أمتك، وطوع بنانك، ولن أمنعك من مجونك مع الأخريات.
(السيد يبدو متجهما، قاسيا، تلمح هذا فتبدو منفعلة، وتصرخ منادية)
السيدة : أقبل أيها التابع في الحال (تتجه صوب الباب وتعود بالتابع ويدها على كتفه) ها هو أمامك (بتحد ومكر) خيره بيننا، لو اختارك أعدته إليك، وإلا ترحل من أمامي حيث لا أراك بعد اليوم.
( السيد ينظر إليها بدهشة كمن فوجيء بفكرتها، بينما تقف هي أمام العبد وقفة استعراضية، وترميه بنظرة خاصة. العبد يبدو منفعلا ومتأثرا بها، السيد يلاحظ هذا بقلق)
السيد : (للسيدة) تنحي جانبا لأتحدث معه.
السيدة : (واقفة في مكانها وبغنج) أنا طرف من هذا الحديث.
السيد : (يبعدها ويقف مكانها قريبا من العبد) اشتقت إليك يا صديقي...
(السيدة تضحك بسخرية، السيد يواصل)
السيد : السيدة وهبتك لي لو...
السيدة :( مقاطعة بسرعة) لو فضلته علي ورافقته بمحض إرادتك (بغنج) أتفضله علي أنا أيها التابع اللطيف؟
(تغمز له بإغراء. التابع ينظر إليها بحب وانفعال، وصمت وارتباك، تبتسم بغرور ورضى)
السيد : (للعبد) نسيت عشرتي بهذه السرعة؟ ألم تكن بيننا أيام ... بل سنين جميلة في مجملها وهادئة؟ (يبدو العبد متأثرا، يواصل السيد) حتى أني عرضت عليك مالي لتشاركني فيه... لكنك اخترت حريتك عليه.
(العبد يبدي امتعاضا، السيدة تضحك بسخرية)
السيد : (يواصل) كنت سأعفيه من ديونه لولا تدخلك، وأنت لم تنتظري موافقتي على تصرفك، بل تسرعت واصطحبته معك أمام دهشتي وذهولي.
السيدة : لم يكن هناك خيار آخر ، إنه كيس المال الذي رميته لك، وهو لي الآن (تنظر للعبد نظرة خاصة) ولن أتخلى عنه أبدا.
السيد : لكنه سيرافقني لنعيش حياتنا ببساطة، وكأن شيئا لم يكن (للعبد) أليست هذه كلماتك يا صديقي؟
السيدة : بل سيبقى معي أنا وقد أنزلته منزلة خاصة، ميزته فيها على الجميع (ينظر العبد إليها متأثرا، تتابع) أليس كذلك؟
(ينظر العبد إليها بوله)
السيد : (ثائرا) تحاولين إغواءه بوقاحتك المعهودة! (للعبد) عرضت علي نفسها أكثر من مرة فرفضتها، لذا هي تريد أن تنتقم مني ، والوسيلة أنت .
( ينظر العبد إليه مستنكرا، تلحظ هي ذلك بسرور)
السيدة : (للعبد) لا تصدق ما يقول... أنت تلحظ ما أعانيه من ترددك أمامي (ينظر العبد إليها بحيرة وحب) هيا ... أخبره أنك تحبني (ينتفض العبد منفعلا، تتابع) لم يعد هذا خافيا على أحد (لجظة ثم بلطف) الحب يلغي الفوارق بيننا ... هيا تشجع واعلن حبك لي .
(العبد ينظر إليها حائرا)
السيد : (ثائرا) تعبثين بمشاعره النقية (للعبد) لا تصدق ... هي تلهو بك ليس غير...
السيدة : بل أنا جادة... (مترددة) أنا ... أنا ...
السيد : (مقاطعا بسرعة) سأعتقك أمام الملأ، ليشهد الجميع صفاء نيتي نحوك، و...
السيدة : (مقاطعة بحدة) العبد لي ، لأنه يحبني.
السيد : (يتابع) وسأعطيك مالا تبدأ به حياتك، وأقضي على مخاوفك من التشرد والضياع (حاثا) هيا معي (يمسك يده)
(السيدة تسرع وتمسك بيده الأخرى)
السيدة : بل تبقى معي لأعتقك ، وأتزوجك، ويكون مالي جميعه بين يديك.
(العبد ينقل نظراته بينهما بارتباك، السيد يتركه ويقترب من السيدة التي تتركه هي أيضا وتقف بمواجهة السيد)
السيد : (مستنكرا ، منفعلا) تتزوجين عبدك أيتها الطائشة؟
السيدة : (بتحد) نعم .. أفعل.
(العبد يبدو متأثرا، السيدة تلحظ ذلك بسرور)
السيد : لكنك تحبينني ... فكيف تتخلين عن حبك في سبيل إرضاء نزوة عابرة، أهم ما فيها تحد مجنون بقصد الانتقام.
السيدة : أكرهك الآن ولا أطيق رؤيتك.
السيد : (مستدركا) لكني نويت أن أصحح خطأي معك، فقط أعيدي لي العبد (بإغراء) فأتزوجك.
السيدة : (مجروحة) قررت أن أتزوج العبد (للعبد بحماس) ليشهد الله أنك حر أيها العبد ، حر... حر.
( العبد يبدو منفعلا، سعيدا وذاهلا كمن لم يستوعب الموقف بعد)
السيد : (ثائرا) مجنونة ... تصرفك أخرق وسفيه.
( السيدة تحدج السيد بحقد، وتضحك بشماتة)
السيدة : هزمتك، أرى خطوط الهزيمة في وجهك.
السيد : (بغيظ) لم يعد يهمني الأمر (بتحد) إعلمي فقط أن سيكتشف الجميع كيف رجوتني لآهبك العبد الذي تعشقينه لترضي نزواتك الدنيئة، فيحتقرونك.
السيدة : (ثائرة) تزييفك للحقائق يدل على وضاعتك وخستك.
(يضحك السيد بشماتة)
السيدة : (متمالكة وبتحد) حسنا... بعد أن أتزوجه ستكف الألسنة عني لتنالك وحدك.
السيد : (مغيظا) سيان ... سيكون هذا عبرة لهم لئلا تبدر منهم وعود طائشة يندمون عليها.
السيدة : ستكون هزأة الجميع... (تضحك بشماتة)
السيد : (يصرخ) حقيرة، تافهة... (ينظر إليها باحتقار ثم يخرج بصفاقة بينما تنظر في إثره بذهول ثم تلتفت إلى العبد وتصرخ)
السيدة : ماذا تنتظر أنت هنا؟
التابع : (حائرا) هل أخرج أنا أيضا؟
السيدة : (يائسة، منهارة) أنت غبي... غبي.
التابع : (مترددا) أردت فقط أن أشكرك إذ وهبتني حريتي قبل قليل.
(تنظر إليه بازدراء، يلحظ ذلك بحيرة)
التابع : كيف تغيرت بسرعة هكذا؟
(السيدة تضحك بسخرية)
التابع : بعد أن شددتني إليك ، أنت ... أنت ... ومع ذلك أدرك أن هذا مستحيل.
السيدة : (ساخرة) وما هو المستحيل؟
التابع : (مرتبكا) زواجي بك .
السيدة : (باحتقار) أأتزوجك أنت ؟
التابع : (مرتبكا) كنت أظن ...
السيدة : (ثائرة) لتعلم إذن أني والسيد من طينة واحدة، هو نكث عهده، وأنا أنكثه كذلك.
التابع : (بصدق وصفاء) وأنا ما كنت لأرضى به... صدقيني واعذري صراحتي، نعم كنت سأرفضه حتى لا أفقد حريتي معك من جديد.
السيدة : (ساخرة) أنت ترفض؟ نظراتك كانت تكشف حقيقة شعورك ... لقد كنت مفتونا، متيما.
التابع : لا أنكر أنك أغويتني ... والآن أمام صراحتك، وبعيدا عن تأثير سحرك.. أجتريء وأقول أنك جميلة ... ورائعة... لكن الحرية أيتها السيدة... (حالما) الحرية... (يقلب كفيه ويهم بالخروج)
السيدة : (بدهشة) كيف تغادرني ببساطة هكذا؟
التابع : لا أعرف وجهتي... ولكني أدرك أن بقائي هنا مستحيل.
السيدة : لكن ... ألا ترجوني، ألا تطلب شفاعتي؟
التابع : (حالما) الحرية، الحرية...
(ينظر إليها نظرة خاصة ثم يخرج)
السيدة : (تصرخ) كلب، حقير... كلكم كلاب.
(يسمع صوت نباح : السيدة تنتفض ثم تمسك قارورة الخمر وترميها على الأرض يعنف فتنكسر، ثم تنفجر ضاحكة)
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد