الشعوب لا تفنى ولا تخلق من العدم

mainThumb

09-12-2020 07:03 AM

الشعوب لا تفنى ولا تخلق من العدم.. دورة الفناء والحياة.. طاقة التغيير ما بين الفيزياء والسياسة..

 
 
 
الشعوب لا تُخْلَقُ من العدم.. فهي كالطاقة المنعزلة التي وفق ما ينص عليه قانون حفظ الطاقة، في أنها لا تفنى ولا تستحدث من العدم؛ ولكن يمكن تحويلها من صورة لأخرى..أي تتحول من شكل إلى آخر بفعل العوامل المؤثرة حينما تتحرر من عزلتها وتتعرض لمؤثرات خارجية.. فحينما يسود الخوف تتحول طاقة الشعوب إلى السكون والشحن الذاتي، لكن الضغط سيولد طاقة حركية يصعب ضبطها والتحكم بها، ويتم الشحن على المستوى الفردي وفق مفهوم الطاقة الكامنة في الإنسان من خلال النشاط الذهني أو النفسي الذي من شأنه أن يدفع كلًّا من العقل والنفس للعمل.
 
ففي مدرسة التحليل النفسي تحدث فرويد عن مصدر رغبات النفس إذ أنّ "(الهو) هو المتحكم بمحركات النفس والموت، إذ إنّه محرك للطاقة النفسية والطاقة الذهنية". ويمكن قياس ذلك على الأفكار الملهمة الخلاقة، ودورها الممكن في التحريض على ذلك التغيير الذي يفجر السكون على صعيد شخصي.. فإذا توافق ذلك مع الأفكار الملهمة للمجاميع فإن تأثيرها على المجموعة سيولد الانفجار، وستتحول طاقة السكون إلى طاقة حركية، وتتوالد التغييرات في المجاميع الصغيرة عنقودياً بما يشبه الانشطار النووي. ويصح القول حينذاك بأن الشعوب المغلوب على أمرها كالقنبلة الموقوته.. وهذا قد يفسر كيف أن الأنبياء أخذوا على أعتاقهم تغيير العالم وأفلحت جهودهم في حمل الرسالات السماوية ونشرها وبناء أنوية لحضارات عملاقة وسرديات واسعة المضامين وعميقة.. ولو حاصرنا الأمثلة بتجربة النبي محمد الذي انطلق من قلب الصحراء العربية لبناء أكبر حضارة إنسانية لأسكتنا منابع الذهول على اعتبار أن الإنسان أكبر مَصْدَرٍ لطاقة التغيير القائمة على تسخير العقل الباطن للتحكم الذاتي وللتأثير في الآخرين من خلال المنطق وخطاب يؤجج الأسئلة الكامنة الخرساء ويجيب عليها، وينقلها إلى الآخر عبر الطاقة الكهرومغناطيسية الممتدة وفق ما يرى خبراء البرمجة اللغوية العصبية.. وقس على ذلك تجارب دينية أخرى وأيدلوجيات فكرية أنيطت بأنبياء عظام ورهبان ومفكرين تركوا بصماتهم وأثروا في في المجتمعات والدول، رغم الاختلاف الذي فرق بين اتجاهاتهم. وهذا هو ديدن الاختلاف في اللوحات الحضارية الفسيفسائية المنسجمة في تكويناتها الشكلية والمتصالحة في جوهرها المتنافر نسبياً.. نعم العقل يشبه النواة التي تكمن فيها أكبر طاقة ممكنة.. وقدرة العظماء على التغيير تعتمد على عدة عناصر أهمها:
 
الفكرة الواقعية المقنعة وقدرتها على تشكيل الوعي.. الأهداف السامية النبيلة التي تشكل الخلاص للمجاميع المستهدفة، الشعب الذي يبحث عن الخلاص لدرء ما يتعرض من أزمات.. قائد ملهم مبادر مؤثر تضبطه القوانين الإنسانية وقادر على خلق القواسم التي تجمع بين الناس لا تفرقهم.. فكيف يمكن تفسير ذلك من خلال نسبية إلبرت أينشتاين.. على اعتبار أن طاقة التغيير نسبية وسلوكيان الأفراد والمجاميع لا يمكن توقعها بالمطلق، والأهداف التي يضعها الإنسان للتغيير ليست مخرجات لها محددات ثابتة بل تخضع للاحتمالات القائمة على التغير في المعطيات التي باليد أو غير المتوقعة.. فكيف تفسر الفيزياء ذلك؟ 
 
 
ففي النسبية الخاصة تحدث أينشتاين عن تكافؤ المادة والطاقة قائلاً بأنه "يمكن لمقدار صغير من الكتلة أن يتحول إلى مقدار ضخم من الطاقة".. على غرار القنبلة الذرية. وكأنه يصف الشعوب المقموعة حينما تنفجر لتحدث التغيير ولو على أنقاض ما دمره الغضب المتنامي بسرعة ضوئية مذهلة. وهذا يجيب على سبب نجاح الأفكار العظيمة في تغير المجتمعات وتغيير العالم وبعضها خرج من الصحراء أو تفجر في مجتمعات مقيدة بنير الظلم والطغيان، والسرديات الكبرى لديها التفاصيل التي من شأنها أن تعزز الفكرة بأمثلة حية لا تعد ولا تحصى.. لأن ما بعد الانفجار وهبوط الرماد البركاني على الأرض اليباب ستبدأ مرحلة التأمل والسكون وإعادة بناء الفكر تنظيمياً وتطويرها لتحقق الغايات الأمنية والتموية والحقوقية.. لنشوء الحضارة القائمة على الحرية والعطاء في مرحلتها الأولى قبل أن تشيخ فتحفل بأسباب دمارها من جديد.. إنها دورة الفناء والحياة. 
 
 
إن تفريغ الطاقة إما أن يكون بالتنفيس العبثي من خلال التضليل الإعلامي أو بتحويلها إلى حركة ميكانيكية تشغل التنمية والبناء.. التضليل الإعلامي يرتبط بعقل الإنسان الذي يتعامل معها كشيء ملموس بأبعاده الإقليدية الثلاثة.. ولا يقيمه على أساس أن الحقيقة نسبية لو قدرت وفق البعد الزمني في كوننا الأحدب.المراوغ.. وهذا يذكرنا بنسبية أينشتاين..ومبدأ عدم اليقين في فيزياء الكم الذي يعتبر من أهم المبادئ في نظرية الكم بعد أن صاغه العالم الألماني هايزنبرج عام 1927 وينص هذا المبدأ على أنه لا يمكن تحديد خاصيتين مقاستين من خواص جملة كمومية إلا ضمن حدود معينة من الدقة، أي أن تحديد أحد الخاصيتين بدقة متناهية (ذات عدم تأكد ضئيل) يستتبع عدم تأكد كبير في قياس الخاصية الأخرى، ويشيع تطبيق هذا المبدأ بكثرة على خاصيتي تحديد الموضع والسرعة لجسيم أولي. فهذا المبدأ معناه أن الإنسان ليس قادرا على معرفة كل شيء بدقة 100%. ولا يمكنه قياس كل شيء بدقة 100%، إنما هناك قدر لا يعرفه ولا يستطيع قياسه.. وهو مبدأ تقاس عليه الحقائق الذرية ويمكن القياس عليه في عالم الأجرام السماوية والحقائق المضللة البراقة في سماء مرشومة بالأوهام. فما وراء تلك الحقيقة المنقوصة أو المضللة تقف خفايا وأسرار الكون الممتد من حيث أن الأجرام التي نراها ما هي إلا نجوم أفلت منذ زمن طويل أي أنها غير موجودة واقعياً بأبعادها الإقليدية، لكن العين تنقل إلى العقل صورة مراوغة يهيئها شعاع لم يتلاشى بعد في عين المشاهد وهو يقطع طريقه في هذا الكون الأحدب. 
 
وذلك بسبب وجود البعد الزمني الرابع.. كذلك لو أمعنت النظر في هذا السواد الغالب على الكون المرقط بالمجرات البراقة، فلن تكتشف ما يثري العين ويبهرها من أجرام متباينة بينما يخفي هذا الحيز المنفتح على المالا نهاية نجوماً وحقائقاً وأخباراً حقيقية؛ لكنها لا ترى بالعين المجردة، لأن ما تعكسه تلك "الحقائق" من أشعة لم يصل عين المتلقي بعد. وحسب نظرية ابن الهيثم فأن العين لا ترى الأشياء إلا بواسطة ما تعكسه من أشعة. وهكذا هو الإعلام المضلل حينما تغيب الحقائق في زحام ما تقدم من أخبار مزيفة.. فليس كل ما تراه العين موجوداً إذ لا بد من البحث في جذور ما ينشر من أخبار والتحقق منها للبناء عليها واتخاذ المواقف اللازمة.. وللموضوع بقية..
 
 
وقد تتفتق أذهاننا بسؤال حول علاقة التضليل والإعلامي والفوضى بالمخرجات النسبية الغير مضمونة وقدرة الدعاية على تشويه الأفكار وتحويلها إلى مؤثرات تقاوم التيار وقد توقف تقدمه أو تعمل على دحره من خلال تشويه أهدافه؟ وهذا وارد ما دامت الحقيقة نسبية وتتعلق بمدى توفر المعطيات التي تؤدي إليها في عقولنا، وأن أي عبث أو تغيير أو إيهام من خلال التكرار وفق البرمجة اللغوية العصبية، فإن الفوضى المدمرة ستؤدي إلى تقويض الأفكار الكبيرة وتخرب في المجتمعات، أو الفوضى الخلاقة ستساعد على مراجعة الأفكار وتطويرها وفق المستجدات.. كل ذلك يحدث بوجود عنصر الإنسان والمجتمع الذي ينتمي إليه "الشعب" لأن الشعوب لا تفنى ولا تخلق من العدم.. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد