زمان الحناجر

mainThumb

24-12-2020 01:17 PM

هذا زمان الحناجر، فاحمل جمجمتك و دع حنجرتك و اتبعني. لا تكلم، فالكلام انت محاسب عليه و هو ممنوع. اكتب ما تريد و لكن احذر أن تُسمِع صوتك. اياك ان ترفع صوتك ففي كل هزة صوت، هزة سوط. اياك ان ترفع صوتك، فألمك هو الثمن، روحك هي الثمن، حريتك هي الثمن.

 

الحناجر تحيط بنا من كل مكان، لا نستطيع اغلاق آذاننا، فالصوت يصلنا رغم كاتم الصوت الذي يسلبنا أرواحنا و عوالمنا.
 
حتى ترفع صوتك يجب أن تكون بأمان، محمي أنت و من تحب.
 
أنت، من أنت في زمن الانكسارات و الهزائم. هل يصدر منك صوت.
 
ظاهرة الحناجر كان لها مضمون معبِّر منذ قديم الزمان و الذي يهرف بما لا يعرف كان يفضح نفسه. أما هذه الأيام فالوضع مختلف فالذي يفتح (جالوقه) يتحمل الفضيحة الى أن يصبح مشارا اليه بالبنان و لا يهم مضمون (القرقعة) ما هو، ما دام الانسان في مرحلة التعلم.
 
في الايام المزدهرة للحضارة الاسلامية كان حتى (التهريج) بحاجة الى معلم واجازة مما يعني أن هناك مواد تعليمية له فما بالك لمن يتطلع للظهور ومخاطبة الناس.
في هذه الأيام لا يوجد موضوع للظاهرة الصوتية سوى الكلام. اطلع "لايف" و تكلم عن أي شيء و في أي شيء.
 
لاحظت ان بعض الصوتيين مادة كلامهم لا تتجاوز بضع دقائق و لكنهم يستمرون في الحديث متحدين صبر المستمع الذي يرغب في الاستماع الى قصص فيه عبرة عن علية القوم حتى لو كانت القصص حشو في حشو و لا يوجد دسم فيها سوى الشتائم.
 
صاحب الصوت الأعلى هو الفائز، لذلك الميكروفونات محجوزة وممنوعة ومرهوبة في بلادنا و الذي يعطيك ميكروفون فكأنما أجلسك على منبر تتحدث عنه و فيه و أنت مسموع الصوت حتى لو كنت بلا جمهور. يكفي أن تكون امام تلك القطعة الصغيرة التي تنقل و تكبر الصوت حتى تتجاوز مرحلة الانسان العادي الى مراحل الانسان المعروف و المشهور و المفكر، في الغرب يطلقون على هذا الشخص (خزان تفكير) Think Tank  و هو شخصية من فرط معرفتها تتنفس استراتيجيات و لكن طبعا في مجال تفكيرها وليس مثلنا نحن العربان في كل شيء و في أي شيء.
 
الفنانون هم ظاهرة صوتية تُعَبِّر عن كل النقائص في مجتمعاتنا المفتونة بالمنابر و من يحتلها، فنحن نعتبر كل من اعتلى منبرا إماماً من الأئمة وحسب آخر وصف أتحفنا به أحد الفنانين "كاد الفنان أن يكون رسولا".
 
الظاهرة الضوضائية تقاس علميا بالديسيبل و كلما زاد الصمت كان بإمكان الانسان سماع دقات قلبه و حتى ضخ الدم في شرايينه. فنحن نهرب من سماع أنفسنا.
 
في مجالاتنا في العالم العربي تجاوزت ضوضاء الحناجر صوت الانفجار العظيم الذي ولد منه الكون.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد