شاعر الفقر

mainThumb

02-01-2021 04:49 PM

تطرّق بنا الحديث إلى أوضاع الشعراء   ولأنّ مثل هذه المواضيع تحتاج إلى عناية فائقة ودراسة مستفيضة جادّة هرب صاحبي من الجديّة إلى الحديث عن  الهجائين والظرفاء من الشعراء وأخذ يتحدث بإسهاب عن فن الهجاء وفن الظرف وذكر أمثلة عديدة تناول فيها شعراء النقائض جريرا والفرزدق والأخطل ثم تتبع مسيرة الهجائين حتى بلغ أبا دلامة وأبا الشمقمق وهنا أصلح صاحبي جلسته وبدأ كما لو كان يريد أن يتحدّث بإسهاب وتركته يتحدث كما يحلو له واضعا نصب عينيّ أن لا أقاطعه .
 
 وقد بدأ الوسن يداعب عينيّ قال : أبو الشمقمق هذا شاعر الفقر والسخرية بلا منازع عاش في العصر العباسيّ الأوّل وكانت له صلات وثيقة ببشار بن برد وبأبي نواس وبمروان بن أبي حفصة وكلهم شعراء مبدعون ولا يختلف في هذا إثنان وكان صاحبنا ظريف عصره كما لو كان عبد الحليم الديب الشاعر المصري البائس في القرن العشرين كان فقيراً منحوسا فلم يجد بدّا من امتهان الهجاء حتى أنه هجا بشار بن برد ..دخل عليه قائلا سمعت الصبيان يرددون ( سبع جوزات وتينه   فتحوا باب المدينه   إن بشار بن برد   تيس أعمى في سفينه ) فما كان من بشار إلاّ أن أعطاه مائة درهم مشفوعة برجاء منه أن لا يكون راوية للصبيان ولم يكن يتورع في هجائه قال في أحدهم ( ما كنت أحسب أن الخبز فاكهة   حتى نزلت على أوفى بن منصور    يبس اليدين فما يسطيع بسطهما   كأنّ كفيه شدا بالمسامير ) وقد وصفه صاحب العقد الفريد بأنه شاعر أديب صعلوك متبرم ويحكى أنه مدح مروان بن أبي حفصة وقال له أنت شاعر وأنا شاعر وغايتنا كلّنا السؤال وهو القائل ( ولقد أهزلت حتى   محت الشمس خيالي   ولقد أفلست حتى حلّ أكلي لعيالي ) وصمت صاحبي وكان بودّي أن تطول جلستنا ولكنه سرعان ما نهض قائلا يخيّل لي بأن شاعرنا كان صادقا مع نفسه حدث ذلك منذ ليال ومنذ تلك الليلة وخيال أبي الشمقمق ماثل في مخيّلتي ولذلك كتبت عنه ما كتبت ربما وعسى ، ولعلّ أن يفارقني خياله فأستريح بعض الشي ....         
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد